|

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرين تناولت في أولهما الهجمات المحمومة من اليمين الأميركي المتطرف ضد “اليساري المسلم” زهران ممداني، الذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لاختيار عمدة جديد لمدينة نيويورك.

وتطرق التقرير الثاني إلى مدى تأثير والدي ممداني في تشكيل آرائه السياسية، وما إذا كانا يتوقعان أن يأتي يوم يصبح فيه نجلهما عمدة لأكبر مدينة في الولايات المتحدة.

وذكرت الصحيفة في تقريرها الأول أن زهران ممداني -وهو أول مسلم يترشح لمنصب عمدة نيويورك عن الحزب الديمقراطي- بات هدفا للهجمات العنصرية من اليمين المتطرف، حتى قبل فوزه الأخير.

وأضافت أن تلك الهجمات اشتدت بعد إعلان نتائج التصويت يوم الثلاثاء، إذ اتهمه مسؤولو الحزب الجمهوري المنتخبون والشخصيات الإعلامية اليمينية بالترويج للشريعة الإسلامية ودعم “الإرهاب” وتشكيل تهديد لسلامة سكان نيويورك، خاصة اليهود منهم.

هجوم واسع

وأوردت الصحيفة أن ستيفن ميلر، مهندس سياسات الهجرة في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وصف فوز ممداني الكاسح بأنه “أوضح تحذير حتى الآن لما يحدث للمجتمع عندما يفشل في السيطرة على الهجرة”.

وذهب أندي أوغليز، العضو الجمهوري في مجلس النواب عن ولاية تينيسي، إلى أبعد من ذلك متهما ممداني (33 عاما) بدعم “الإرهابيين”، وطلب من المدعية العامة للولايات المتحدة بام بوندي تجريده من جنسيته وترحيله.

وتضمنت الهجمات على ممداني -الذي سيصبح في حال انتخابه، أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك- عبارات معادية للإسلام والمهاجرين.

ويعتقد البعض أن هذه الاتهامات ترديد لنظرية “الأخ الأكبر” التآمرية التي ظل ترامب يروج لها لسنوات قبل انتخابه رئيسا، عندما ادعى زورا -حسب نيويورك تايمز- أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما مسلم ومولود في كينيا.

وتقول الصحيفة إن أوباما مسيحي وُلد في هاواي، بينما ممداني مسلم مولود في أوغندا لأبوين هنديين، وترى أن الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى ممداني تهدف إلى تصويره كشخصية غامضة وخطيرة لا تشبه المرشح نفسه.

ممداني فاز في الأحياء المتنوعة عرقيا وديموغرافيا بسبب سياساته اليسارية وأسلوبه المتفائل وفق نيويورك تايمز (أسوشيتد برس)

دعم محلي

وطبقا للتقرير، فإن ممداني فاز في الأحياء التي تضم عددا أكبر من السكان ذوي الدخل المرتفع والمتوسط، ومثلهم من خريجي الجامعات، ومن السكان البيض والآسيويين وذوي الأصول الإسبانية.

ونقلت الصحيفة عن براندون مانسيلا، المدير الإقليمي لنقابة عمال السيارات المتحدة، القول إنهم في النقابة أيدوا زهران “لأننا كنا نعلم أنه يستطيع التحدث إلى سكان نيويورك العاديين”، واصفا الهجمات ضده بأنها “حقيرة ومخيبة للآمال، لكنها متوقعة في ظل المناخ السياسي السائد في هذا البلد الآن”.

ومن جانبه، أعرب عابد أيوب، المدير التنفيذي الوطني للجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز، عن اعتقاده بأن “الذعر العنصري” إزاء نجاح ممداني يشير إلى التهديد الذي يشكّله على المؤسسة من كلا الجانبين.

وفي تحليلها للبيانات التي جمعتها، خلصت نيويورك تايمز إلى أن العوامل التي ساعدت ممداني على استمالة الناخبين المتنوعين جغرافيا وديموغرافيا إلى جانبه، تمثلت في سياساته اليسارية وأسلوبه المتفائل، بالإضافة إلى توق الناخبين إلى التغيير بعد أن سئموا من منافسه الرئيسي أندرو كومو حاكم نيويورك السابق.

زهران ممداني يقبّل والدته ميرا ناير أثناء حفلة مراقبة الانتخابات التمهيدية (رويترز)

خلفية والديه

وفي تقرير ثانٍ، قالت الصحيفة إن ترشح زهران ممداني لخوض الانتخابات التمهيدية كان مفاجئا لوالديه مثلما باغت المؤسسة السياسية في البلاد.

وأضافت أن والديه اللذين اعتادا على الأضواء -حيث تعمل أمه مخرجة سينمائية مرشحة لنيل جائزة الأوسكار، وأبوه استاذا في جامعة كولومبيا–  لم يكن أي منهما يتوقع أن يكون قريبا لهذه الدرجة من أروقة السلطة.

وحسب الصحيفة، ينسب زهران الفضل لوالديه في توفير “تربية متميزة” له تضمنت نقاشات مستمرة حول السياسة والشؤون العالمية. لكن في هذه اللحظة التي تشهد خلافات سياسية حادة حول الصراع في الشرق الأوسط، فإن آراء والديه الناقدة لإسرائيل وعمل والده الأكاديمي المختص بالاستعمار الاستيطاني وحقوق الإنسان قد يجعلهما هدفا لهجمات اليمين.

ونقلت عن محمود ممداني (79 عاما)، والد زهران وأستاذ الشؤون الدولية والأنثروبولوجيا الشهير، وصفه للإسرائيليين في بعض كتاباته، بالصهاينة الظالمين، وألقى العام الماضي محاضرات في مخيمات الاعتصام التي نصبها الطلاب في حرم جامعة كولومبيا احتجاجا على الحرب على غزة، منتقدا تعامل الجامعة مع التظاهرات.

وانتقد ابنه أيضا إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين، وهو ما أثار اتهامات بمعاداة السامية التي يرفضها بشدة.

مرشحو الحزب الديمقراطي يتناقشون في مناظرة أولية لانتخابات عمدة نيويورك (رويترز)

صدى العائلة

ورغم ذلك، ينفى الوالدان أي تأثير لهما على أفكار ابنهما السياسية، فقد أكدا أن زهران -وهو اشتراكي ديمقراطي- أن زهران لم يلجأ إليهما طلبا للمشورة السياسية. لكن الصحيفة تتوقع أن يجد الوالدان نفسيهما منجذبين الآن إلى حملته الانتخابية.

وفي مقابلة أُجريت معه، اختلف محمود ممداني والسيدة ناير حول مدى تأثير عملهما على رؤية ابنهما للعالم. فقد وصف الوالد ابنه بأنه “شخص مستقل بذاته، وأن ما نفعله تجاهه الآن كوالدين هو جزء من البيئة التي نشأ فيها، ولا يسعه إلا أن يتفاعل معها. وهذا لا يعني أن أي شيء يعود إلينا”.

لكن والدته ميرا ناير (67 عاما) لا تتفق مع زوجها في رأيه إذ تقول “بالطبع، إن العالم الذي نعيش فيه وما نكتبه ونصوره ونفكر فيه هو العالم الذي استوعبه زهران كثيرا”.

تجدر الإشارة إلى أن ممداني سيواجه في الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري عددا من المرشحين، أبرزهم الجمهوري كورتيس سليوا، والمستقل جيم والدن، إضافة إلى العمدة الحالي إيريك آدامز، في حين لا يستبعد بعضهم عودة أندرو كومو مستقلا، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام أصوات الديمقراطيين وتقليص فرص ممداني، حسب مراسل الجزيرة نت في واشنطن محمد المنشاوي.

شاركها.
Exit mobile version