جلست مجموعة من النساء يرتدين ملابس مموهة وقبعات أرجوانية متشابهة داخل خيمة مظلمة في قاعدة عسكرية غرب فنلندا، يوم الجمعة، لمناقشة كيف تغيرت وجهات نظرهن منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتقول ساري (42 عاماً)، التي تعمل بالمبيعات وتعيش في بلدة قريبة: «لم أكن أعتقد أن الهجوم الروسي يشكل تهديداً حقيقياً لنا»، لكنها تضيف: «لقد هاجموا أوكرانيا، ورأيت أنه من الممكن أن نكون الهدف التالي».
كانت (ساري – أمٌّ لطفلين)، وتصف نفسها بأنها «واقعية»، مدفوعة بالانضمام إلى دورة «البقاء من دون كهرباء» التي تستمر طوال عطلة نهاية الأسبوع، بسبب قيمها الوطنية، لكنها تريد أيضاً أن تكون أكثر استعداداً بالمهارات العملية للحياة اليومية، وهي واحدة من نحو 75 امرأة يشاركن في الدورة التدريبية.
وفي حين أن انقطاع التيار الكهربائي يمكن أن يحدث بسبب عاصفة، كما حدث لعشرات الآلاف في جميع أنحاء فنلندا، الأسبوع الماضي، إلا أن التعامل معه أيضاً مهارة يمكن أن تثبت أهميتها في توغل روسي محتمل، أو هجوم هجين.
ودورة التدريب المعروفة باسم «ناستا»، واحدة من 40 دورة تدريبية تقدّمها جمعية الاستعداد للطوارئ الوطنية النسائية في جميع أنحاء فنلندا، وتشمل الدورات الأخرى: الأمن السيبراني، والمرونة العقلية، ومهارات العيش في البرية، وقيادة الدراجات الثلجية، والتأثير في المعلومات.
وبعد حرب أوكرانيا، ارتفع الطلب على الدورات التدريبية، وليس ذلك لأن فنلندا لديها تاريخ من الحرب مع جارتها روسيا، بل لأنها تشترك معها أيضاً في حدود برية بطول 830 ميلاً.
وشعرت (تيتي – 36 عاماً) بقلق شديد بشأن العلاقات مع جارة فنلندا المعادية، لدرجة أنها كانت تتجنب الأخبار، وتقول إن حضور الدورة «هو طريقتي لمواجهة مخاوفي»، وقد حضرت السيدتان (ساري) و(تيتي) دورات رماية ليوم واحد في العام الماضي، لكنهما لا تحبّان التعامل مع الأسلحة.
أما (هانيلي – 67 عاماً) فتشعر بخوف أكبر من نوع الحرب الهجينة التي تشهدها فنلندا بالفعل، مثل الحرب السيبرانية والتضليل، مقارنة باحتمال اندلاع قتال عسكري وشيك، وهي مندهشة من عدد الشابات اللاتي حملن السلاح، ومع ذلك فهي فضولية لمعرفة «كيف تشعرين وأنت تطلقين النار؟».
تفاعل عسكري رسمي
حتى ساعات قليلة قبل بدء الدورة التدريبية، لم يكن معظم النساء (وأصغرهن سناً تبلغ 18 عاماً وأكبرهن 70 عاماً)، يعرفن بعضهن، لكن في تلك الليلة الثلجية التي انخفضت فيها درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في منطقة لوهتاجا، نصبت النساء خيمة تحت مظلة عالية من أشجار الصنوبر، وأشعلن ناراً في الخشب بموقد وسط الخيمة العسكرية الكبيرة، ووضعن خطة للمكان الذي سينمن فيه.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، تتعلم المجموعة كيفية البقاء على قيد الحياة في الأزمات، بما في ذلك كيفية بناء وإطفاء الحرائق، والطهي في العراء، وتقديم الإسعافات الأولية، والحفاظ على الدفء، وبناء مرحاض، وهناك جدول زمني لإبقاء النار مشتعلة طوال الليل، ويستخدم بعض عناصر المجموعة قطعة كبيرة من القماش المُشمع لإصلاح أي تسرّب في الخيمة.
وفي حين لا يوجد تفاعل عسكري رسمي بين الجارتين، تصف أجهزة الاستخبارات الفنلندية روسيا بأنها أكبر تهديد للأمن القومي الفنلندي، ولاشك في أن هناك حرباً هجينة جارية.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرت وزيرة الخارجية الفنلندية، إلينا فالتونين، بياناً مشتركاً مع نظيرتها الألمانية أعربت فيه عن «قلقها العميق» بشأن التخريب المشتبه فيه لكابل بحري بين فنلندا وألمانيا، وقال البيان: «حقيقة فإن مثل هذا الحادث يثير الشكوك في حدوث أضرار متعمدة».
ومنذ ذلك الحين، أطلقت فنلندا تحقيقاً مشتركاً مع السويد التي أصبحت، مثل فنلندا، عضواً في حلف شمال الأطلسي منذ حرب أوكرانيا، كما تتهم هلسنكي روسيا باستخدام وكلاء، بمن فيهم طالبو اللجوء، لإثارة غضب جارتها، فقد حدثت اقتحامات مشبوهة لمرافق معالجة المياه، ومشكلات تتعلق بالتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس).
وتعمل دورة التدريب «ناستا» منذ عام 1997، وعلى الرغم من أن برنامجها غير عسكري، فإنها ممولة جزئياً من وزارة الدفاع الفنلندية، وتتلقى دعماً كبيراً من جمعية تدريب الدفاع الوطني الفنلندية، ويبلغ عدد أعضائها نحو 100 ألف شخص، وفي أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية، في 24 فبراير 2022، ارتفع الاهتمام إلى مستويات غير مسبوقة.
إقبال على التدريب
وكان هناك كثير من الأشخاص الذين يصطفون للحصول على مكان في الدورات التدريبية، لدرجة أن عطلاً أصاب النظام، كما تقول مديرة الاتصالات والتنظيم في «ناستا»، صوفي أكسيلا، التي تقارن الحصول على فرصة في إحدى الدورات التدريبية بالحصول على تذاكر حفلات موسيقية، وتضيف أكسيلا: «أحياناً تمتلئ الدورات التدريبية في غضون دقيقة واحدة».
وفي الأيام التي أعقبت الحرب بأوكرانيا، كانت المكالمات الهاتفية «لا تتوقف» وفقاً للمسؤولة في «ناستا»، وغالباً ما كان السؤال الأول: «ماذا يمكنني أن أفعل؟»، والسؤال الثاني: «أين يمكنني أن أتعلم الرماية؟».
وتتابع أكسيلا أن السؤال الثالث: «كيف يمكنني أن أعرف المزيد عن مخبأي؟»، وقد وُجد إحصاء حديث أجرته وزارة الداخلية أن فنلندا لديها 50 ألفاً و500 مخبأ لسكانها البالغ عددهم 5.6 ملايين نسمة، وهو جزء من إرث محاولة الاتحاد السوفييتي غزو البلاد خلال الحرب العالمية الثانية.
وتقول أكسيلا: «لقد فاجأني موضوع الرماية نوعاً ما، لأن لدينا أفرادنا من العسكريين الجنود والمحترفين، ولدينا عدد كبير من جنود الاحتياط»، متسائلة: «إذا كنت أنا من يتعين عليه حمل البندقية، فسنكون في ورطة كبيرة».
لقد ارتفعت شعبية الرماية في فنلندا في العامين الماضيين، وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الحكومة عن خطة لفتح أكثر من 300 ميدان رماية جديد، لتشجيع الناس على ممارستها كهواية لتعزيز الدفاع الوطني، كما ارتفع عدد الفنلنديين المتقدمين للحصول على تراخيص الأسلحة بشكل كبير. عن «الغارديان»
حرب هجينة
تقول مديرة الاتصالات والتنظيم في دورة التدريب «ناستا»، صوفي أكسيلا، إن الدورات التدريبية تحظى بشعبية كبيرة بين النساء في منتصف العمر، من منطقة هلسنكي، والحاصلات على تعليم جامعي، وإضافة إلى قرب روسيا من فنلندا، تلعب الذاكرة الجماعية والصراع مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية دوراً مهماً في مدى الجدية التي يتعامل بها الجمهور الفنلندي مع التهديد المتصور من روسيا، والالتزام بالإسهام في الدفاع الوطني جزء من الدستور الفنلندي، ويُطلب من جميع الرجال تأدية الخدمة العسكرية (يمكن للنساء التقدّم لكن على أساس تطوعي).
وحذّرت وكالة الاستخبارات والأمن الفنلندية من أن روسيا تعامل فنلندا بوصفها دولة غير صديقة، وهدفاً للتجسس و«أنشطة التأثير الخبيث»، وقال نائب مدير الوكالة، تيمو تورونين، إن «الحرب الهجينة تأتي في أشكال متعددة، بما في ذلك الوكلاء والهجمات الإلكترونية، وتهديد البنية التحتية الحيوية، والتضليل والتجسس»، وأضاف تورونين: «روسيا تستخدم طالبي اللجوء كأدوات لأغراضها الخاصة، من خلال حراسة الحدود مع فنلندا بشكل غير كافٍ، وهذا هو السبب في أن الحدود الشرقية تظل مغلقة، وكانت كذلك طوال معظم العام الماضي». وأشار إلى أن أسلوب عمل أجهزة الاستخبارات الروسية بات أكثر عدوانية، وهو تهديد أكثر خطورة، والروس يستخدمون وسائل أخرى، وتابع: «من الواضح جداً أن هذا هو التهديد الأكبر للأمن القومي الفنلندي».
• هلسنكي تتهم روسيا باستخدام وكلاء، بمن فيهم طالبو اللجوء، لإثارة غضب جارتها.
• الإسهام في الدفاع الوطني جزء من الدستور الفنلندي، ويُطلب من الرجال تأدية الخدمة العسكرية.