مراسلو الجزيرة نت
29/6/2025–|آخر تحديث: 13:17 (توقيت مكة)
جنوب لبنان ـ بينما كان ضاهر حمود يتجول بين أنقاض منزله في بلدة شيحين جنوب لبنان، لم يكن يتوقع أن نجاته من الحرب لن تكون نهاية المعاناة. قائلا “فوجئت بأن منزلي لا يزال قائما، لكننا لاحقنا شريط تفجير واكتشفنا 4 عبوات ناسفة في 4 مواقع مختلفة”.
منزل ضاهر، الذي شيد عام 1982، وتركه مع عائلته تحت ضغط القصف الإسرائيلي، أصبح اليوم ساحة معركة أخرى، تخبئ تحت أنقاضها عبوات ناسفة مزروعة بعناية قاتلة، كل عبوة، وفق إفادة حمود للجزيرة نت، تحتوي على 12 سطلا (إناء أو دلو)، يحوي كل واحد منها نحو 15 كيلوغراما من المتفجرات، مصممة لتدمير أساسات المنزل بالكامل.
“عدنا في الـ2000 وسنعود في 2025، ولو تحت الخطر”، يضيف ضاهر، وهو عضو في فريق الدفاع المدني التابع لجمعية “رسالة للإسعاف الصحي”. ويؤكد أن الخطر لا يزال قائما بفعل ما خلفه الاحتلال من ألغام وقنابل عنقودية، مما يستدعي وجود فرق التوعية والإغاثة بشكل دائم داخل البلدة.
العودة إلى الخطر
وفي بلدة ميس الجبل الحدودية، عاد “أبو علي” إلى منزله الذي هجره خلال القصف الإسرائيلي. لكن العودة لم تكن إلى مأوى، بل إلى فخ قاتل، ويقول للجزيرة نت إن “البيت كان مفخخا، لو فتحت الباب الثاني لكانت النهاية، لكن الله ستر”.
داخل منزله المدمر جزئيا، لاحظ أبو علي خيطا نحاسيا يمتد تحت الركام، وبالفحص الدقيق، تبين وجود شبكة معقدة من الأسلاك المتصلة بعبوات ناسفة، لم يعد البيت مأوى ذكريات بل ساحة تهديد دائم، لكن رغم ذلك، يصر على البقاء قائلا إن “هذا بيتي، حصاد عمري، وهنا سأبقى، ولو على حافة الخطر”.
وفي كفر كلا، حيث اشتدت المعارك خلال الحرب الأخيرة، عاد حسن ليقف أمام ركام منزله، مستعيدا وجع الغياب ومرارة الخسارة، قائلا: عدت لأجد بيتي محروقا ومفخخا، وكأن الحرب تركت فيه آخر جرح.
ويضيف حسن للجزيرة نت “لم يكن الدمار عشوائيا، فمعظم منازل البلدة تم تفخيخها بأسلاك وعبوات مزروعة تحت الأنقاض، اختفى دفء العائلة وضحكات الأطفال، ولم يتبق سوى الصمت الثقيل ورائحة الرماد التي تعبق في المكان”.
الأرض المحروقة
الخبير العسكري العميد المتقاعد بهاء حلال يرى أن تفخيخ منازل المدنيين في جنوب لبنان يكرر سيناريوهات مشابهة لما يجري في غزة، موضحا للجزيرة نت أن لهذه الإستراتيجية أهدافا مزدوجة.
فعلى الصعيد التكتيكي، تهدف هذه العمليات إلى دفع السكان للفرار ومنع عودتهم، إضافة إلى حرمان المقاومة من استخدام المنازل كقواعد أو ملاجئ، وغالبا ما تصمم العبوات لتنفجر بمجرد دخول أي شخص، مدنيا كان أم مقاوما.
أما إستراتيجيا، فيسعى الاحتلال من خلال هذا النمط إلى إنشاء “منطقة عازلة” تمتد عبر تدمير عشرات المنازل، بحيث تتحول إلى حزام من الخراب يفصل بين مواقع المقاومة وخطوط الاحتلال.
ويضيف العميد حلال أن تفكيك هذه العبوات يشكل تحديا كبيرا، إذ تصمم بأنظمة تفجير معقدة للغاية لا يعرفها سوى من زرعها، مما يزيد من خطر سقوط ضحايا في صفوف الجيش اللبناني أو وحدات الهندسة التابعة للمقاومة.
ويؤكد أن “هذه السياسة تهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية من خلال بث الرعب وتفريغ المناطق الحدودية من سكانها، لتصبح مستودعات للموت والخراب”.
نزع الألغام
مع انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مناطق عدة في جنوب لبنان، وجد الأهالي أنفسهم محاطين بمنازل مفخخة، مما أثار مخاوف واسعة حول إمكانية عودتهم الآمنة واستقرارهم في مناطقهم.
في المقابل، ينفذ الجيش اللبناني، بالتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، عمليات ميدانية واسعة لتفكيك العبوات والألغام والعوائق الهندسية التي خلّفها الاحتلال.
وفي أحدث بياناته، أعلن الجيش تفكيك “عوائق هندسية مفخخة” في بلدتي علما الشعب واللبونة، مؤكدا أن هذه الجهود تأتي في سياق معالجة الخروقات الإسرائيلية المتكررة، والتي ما زالت تطال مناطق عدة في الجنوب والشرق اللبناني.
ورغم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، وتوغلات القوات في الأراضي اللبنانية، فإن عمليات الجيش اللبناني لإزالة العبوات والمتفجرات تتواصل، في محاولة لفتح الطريق أمام حياة آمنة للمدنيين الذين لا يملكون ترف النسيان، ويصرون على العودة مهما كانت التحديات.