غزة- لم تتمكن الفلسطينية شفا صلاح من أخذ حصتها الدوائية الشهرية الخاصة بمرض ضغط الدم التي اعتادت الحصول عليها بانتظام من المركز الطبي التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة.
وتشكو شفا (67 عاما) تراجع وضعها الصحي بسبب إغلاق إسرائيل معابر غزة الذي حال دون تلقيها العلاج لمرضها المزمن، واضطرت كغيرها من المرضى الذين يحتاجون جرعات دوائية منتظمة للبحث طويلا عن بدائل تحد من أي مضاعفات أخرى.
ويمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول الأدوية والمستلزمات الطبية إلى غزة منذ مطلع مارس/آذار الماضي، ما زاد من تدهور الحالة الصحية لآلاف المرضى.
وتقول للجزيرة نت إن “الحرب الإسرائيلية على غزة ضاعفت أمراضها، خاصة التهابات الجهاز التنفسي بسبب كثرة الغازات والأتربة التي تستنشقها، واستخدامها الأخشاب في طهي الطعام بدلا من الغاز الذي يمنع الاحتلال إدخاله أيضا”.
أدوية فاسدة
والحال نفسه يعاني منه المصاب بمرض السكري أكرم مطير (60 عاما) الذي يفتقد للحقن المخصصة لتناول الأنسولين التي كان يحصل عليها بانتظام من نقطة طبية أقيمت في أحد مراكز الإيواء في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة.
ويبحث مطير في أكثر من صيدلية عن بدائل للأدوية التي يحافظ فيها على منسوب السكر في الدم، ويخشى التعرض لمضاعفات بسبب قلة الرعاية الصحية في مستشفيات القطاع التي خرج معظمها عن الخدمة.
وتكشف أصناف الأدوية الشحيحة داخل صيدليات غزة، الواقع الدوائي الصعب، حيث تعرض الصيدلانية هبة مطر، ما تبقى لديها من أدوية بعدما توقفت الشركات المورّدة عن تزويدها بالنواقص بسبب إغلاق المعابر.
وتقول مطر للجزيرة نت إن “معظم الأدوية نفدت من الصيدليات، ولم يعد هناك إمكانية لتلبية احتياجات المرضى الذين تعرضوا لمضاعفات صحية خطيرة، سيما من يعانون أمراضا مزمنة”.
وأكدت أن معظم أدوية مرضى السكري تعتبر “فاسدة”، لأنها يجب أن تحفظ داخل ثلاجات بدرجة حرارة منخفضة، وهذا غير متاح حاليا في غزة بسبب انقطاع الكهرباء، كما أن حقن الأنسولين “شحيحة جدا”، ما اضطر بعض المرضى لاستخدام الحقنة ذاتها لأكثر من جرعة رغم خطورة ذلك.
ونوهت الصيدلانية مطر إلى التبعات الخطيرة التي يمكن أن تلحق بمرضى ضغط الدم إذا لم يتلقوا جرعاتهم الدوائية بانتظام وما يترتب على ذلك من إصابتهم بجلطات دماغية قاتلة، وكذلك الحال بالنسبة لمرضى السكري الذين قد يتعرضون لغيبوبة ومضاعفات تصيبهم بفشل كلوي وتفقدهم البصر.
وأشارت إلى أن قطرات العين نفدت من الأسواق تقريبا، ولا يوجد أدوية لمن يعاني من ضغط العين مما ينذر بإصابة عدد منهم بالعمى.
وتشير آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي أن عدد المصابين بأمراض مزمنة في قطاع غزة بلغ 350 ألفا.
تداعيات خطيرة
ويصف الدكتور محمد منصور، الذي اتخذ من “كشك” صغير مكانا لصيدليته التي دمَّرها الاحتلال، الواقع الدوائي في قطاع غزة بالصعب، بعدما نفدت معظم الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة، والمضادات الحيوية، ومسكنات الألم.
ويقول منصور للجزيرة نت إن نسبة العجز بالأدوية كبير، وإن تدمير إسرائيل لعدد كبير من الصيدليات ومستودعات الأدوية سبب رئيسي في ذلك.
وحذَّر من أن بعض المرضى اضطروا للاستعانة بأدوية منتهية الصلاحية -من المفترض إتلافها- كخيار أخير قد يحصلون به على جزء من فعاليتها، منوها إلى أنه حتى اللجوء أحيانا إلى أدوية بديلة ليس فعالا بالشكل المطلوب.
وضمن متابعته اليومية للمرضى الذين يترددون على صيدليته، ذكر منصور، أن معظم المضادات الحيوية التي تعالج الأمراض الطارئة لم تعد موجودة، وحتى مسكنات الألم باتت شحيحة جدا، بينما اختفت أدوية مرضى السرطان وزاد تدهور حالتهم الصحية.
وأشار إلى أن مرض الجدري عاد لغزة من جديد، ومع ذلك لم يعد الدواء المضاد للفيروس موجودا مما يشكل خطورة بسب بانتشاره بين المواطنين بشكل كبير.
وأوضح أن الحوامل يحتجن إلى مكملات غذائية، خاصة في ظل غياب التغذية الصحية بالقطاع، من الفواكه والخضراوات ولحوم ومشتقات الألبان، غير الموجودة، وهو ما يؤثر على صحة الجنين.
وأضاف أن منع الاحتلال إدخال مثبتات الحمل (يبلغ عدد الحوامل في غزة حسب وزارة الصحة الفلسطينية 60 ألف سيدة) والأدوية الخاصة بالنساء يؤدي لقتل الأجنَّة.
الرصيد صفر
وفي هذا الإطار قال مدير عام وزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش، إن إغلاق معابر غزة ومنع إمدادات الأدوية والمواد الطبية، أدى لنفاد 229 صنفا من الأدوية بشكل كامل، بما نسبته 37% من مجمل الأدوية، في حين أن 597 صنفا من المستلزمات الطبية رصيدها صفر، بنسبة عجز وصلت 59%.
وأوضح البرش في حديث للجزيرة نت أن 58 صنفا من الأدوية، وتقدر بـ9% من مجمل الأصناف، لا تكفي إلا لوقت محدود، وكذلك 84 صنفا من المستهلكات الطبية بما نسبته 8% من مجموعها.
وحسب البرش فقد احتلت أدوية السرطان وأمراض الدم المرتبة الأولى ضمن قائمة الأدوية المفقودة، حيث بلغت الأدوية الصفرية منها 54%، وتلا ذلك أدوية صحة الأم والطفل التي بلغت نسبة العجز فيها 51%، ومن ثم المطاعيم بنسبة 42%.
ووصل رصيد الأدوية الصفرية من مجمل أدوية الرعاية الصحية الأولية إلى 40%، و25% من أدوية الكلى والغسيل الدموي، و24% من أدوية الصحة النفسية والأعصاب، و23% من مجمل أدوية الجراحة والعمليات والعناية الفائقة.
ولفت البرش إلى أن الكثير من المستهلكات الطبية عدد أصنافها صفر، حيث وصلت نسبة العجز في مستهلكات القسطرة القلبية والقلب المفتوح إلى 99%، و87% من المستلزمات الخاصة بجراحة العظام، و73% من المتعلقة بالعيون، و45% من المخصصة للكلى والغسيل الدموي، و27% للجراحة والعمليات والعناية الفائقة، و15% من المخصصة للطوارئ، و10% للأسنان.