9/6/2025–|آخر تحديث: 10:48 (توقيت مكة)
أحدث هجوم عملية العنكبوت الأوكرانية على القواعد الجوية الروسية صدمة بين الإستراتيجيين والمخططين العسكريين في جميع أنحاء العالم، وبعكس ما تشهده هذه التكنولوجيا من تغير أسرع مما يتصوره الناس، فهي تعيد كتابة تاريخ الحرب.
هذا ما يلخص بعض ما جاء في مقال للكاتب بصحيفة صنداي تايمز البريطانية مارك أوربان الذي أورد ما وصفت به وسائل الإعلام هذه “الضربة الجريئة” بأنها بمنزلة بيرل هاربر روسيا؛ ضربة مفاجئة غير متوقعة كشفت عن نقاط ضعف عميقة، وفقا للكاتب.
وأوضح أن هذه التكنولوجيا الجديدة، المستخدمة بشكل مبتكر وجريء، تحرم روسيا من مزاياها الإستراتيجية؛ من الحجم الكبير لمساحة البلاد، حيث كان من المفترض أن تكون القواعد في عمق سيبيريا آمنة، إلى عدد سكانها الذي يزيد على 3 أضعاف سكان أوكرانيا.
وذكر أن هذا التحول دفع المخططين العسكريين عالميا، بما في ذلك في بكين وواشنطن ولندن، إلى إعادة تقييم دفاعاتهم الإستراتيجية، لافتا إلى أن تقرير مراجعة الدفاع الإستراتيجي البريطاني (SDR) أقر بالتأثير العميق للذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار الجديدة، حيث ذُكرت فيه المسيرات 28 مرة، مؤكدا أن “التكنولوجيا تُغيّر طريقة خوض الحروب”.
مع ذلك، يُقدّم المقال أيضًا وجهة نظر مُعمّقة، حيث يُحذّر خبراء مثل الجنرال السير ريتشارد بارونز من اعتبار المسيرات “حلا سحريا”، مُجادلين بأن التكنولوجيا العسكرية تميل إلى “بلوغ مستوى مُعين في سياق الحرب” بمرور الوقت.
وعلى الرغم من ذلك، قدّمت بريطانيا دعمًا كبيرًا لمشاريع الأسلحة غير المأهولة في أوكرانيا، مُستخلِصةً دروسًا قيّمة من تطور هذه الأسلحة ونجاعتها وتنامي الطلب عليها.
ويوضح المقال أن “المسيرات” تشمل اليوم مجموعة واسعة من الأسلحة، بدءًا من قنابل ساحة المعركة الصغيرة القصيرة المدى، وصولًا إلى الأنظمة الذاتية التشغيل البعيدة المدى مثل Helsing HX-2، وتلك القادرة على ضرب أهداف على بُعد يزيد على 1400 كيلومتر.
كما ظهرت في هذه الحرب اكتشافات روسية عكسها نشر موسكو صواريخ لانسيت المتسكعة وأنظمة حرب إلكترونية فعّالة للتشويش على المسيرات الأوكرانية، مما دفع كييف إلى إعطاء الأولوية للطائرات الذاتية التشغيل التي تعمل من دون الحاجة إلى مشغلين، مثل نظام أفندجرز “Avengers” الذي يستخدم قواعد بيانات بصرية للبحث عن الأهداف بشكل مستقل.
وهذا يعني أن كييف وموسكو كليهما تطوران بشكل متزايد تقنيات المسيرات، وبينما انصب تركيز أوكرانيا على مسيرات ذاتية التشغيل تستخدم الذكاء الاصطناعي وقواعد البيانات البصرية للبحث عن الأهداف وضربها من دون تدخل المشغل، خاصة عند تشويش الإشارات، نشرت روسيا مسيرات موجهة بالألياف الضوئية لتجنب التشويش.
المسيرات تعيد تشكيل أولويات الاستثمار العسكري
وقد عفا الزمن على الأنظمة القديمة الباهظة الثمن، مثل مسيرة “واتش كيبر” البريطانية التي بلغت تكلفتها مليار جنيه إسترليني، أو مسيرات “ريبرز” الأميركية التي تبلغ تكلفة الواحدة منها 30 مليون دولار.
ويقول المقال إن هذا الوضع دفع المحللين إلى التشكيك في مشروع طائرة “تيمبست” المقاتلة البريطانية التي تبلغ تكلفتها 14 مليار جنيه إسترليني، مُجادلين بأن الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المسيرات قد تتفوق عليه قبل دخوله الخدمة.
المستقبل
يكمن التحول المُطلق لهذه التكنولوجيا في دمج الذكاء الاصطناعي والاستقلالية وأجهزة الاستشعار في القتال، مما قد يُبعد البشر عن اتخاذ القرارات السريعة.
ولكن بينما تُعزز المسيرات القدرة على تجاوز العوامل المعيقة على الأرض، فإنها قد تُسهم أيضًا في الوصول إلى طريق مسدود في أوكرانيا، مما سيُحد من القدرة على الحركة وتحقيق انتصارات حاسمة.
ويمكن تلخيص ما جاء في هذا المقال بالقول إن المسيرات تمثل بالفعل فصلا جديدًا لا يزال يتكشف في عالم الحروب، حيث تؤثر بشكل عميق على الإستراتيجيات، وتكشف عن نقاط ضعف الخصم، وتجبر الجيوش على إعادة تقييم الإنفاق الدفاعي التقليدي والمقاربات العملياتية.