يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تعزيز استخراج المعادن داخل الولايات المتحدة، ويولي اهتماماً خاصاً بجزيرة غرينلاند، نظراً لما تحتويه من مخزون هائل من المعادن، بالإضافة إلى كونها تمتلك كميات ضخمة من المعادن النادرة، وهي من أكبر المصادر لهذه المعادن خارج الصين.
كما يعير ترامب اهتماماً كبيراً لأوكرانيا بسبب مواردها المهمة من «الليثيوم»، وفي فبراير الماضي عرض قادة جمهورية الكونغو الديمقراطية مواردهم المعدنية على الولايات المتحدة، بعد أن لاحظوا الاهتمام المتزايد من ترامب.
لكن هذا الاهتمام بالمعادن الأجنبية ليس سوى جزء من الصورة الكبرى، حيث تكمن طموحات ترامب في تحفيز صناعة التعدين المحلية في أميركا، وفي الشهر الماضي أعلن ترامب عن خطة تاريخية لتوسيع إنتاج المعادن الأساسية والنادرة في الولايات المتحدة، فقد أصدر في 20 مارس أمراً تنفيذياً يعد الأجرأ في صناعة التعدين خلال عقود، يهدف إلى تسريع إصدار تصاريح التعدين، وتسهيل استخدام الأراضي لهذه الغاية، وتوفير الدعم المالي للقطاع.
تفاؤل مؤقت
وتبدو الحكومة الأميركية متحفزة لتحقيق هذا الهدف في ظل اعتماد البلاد على واردات المعادن في وقت تواجه فيه سلاسل التوريد تحديات جيوسياسية، غير أن سياسة ترامب الداعمة لصناعة استخراج المعادن بعثت تفاؤلاً مؤقتاً لدى قادة هذه الصناعة.
ومع ذلك يظل هناك شكوك حول ما إذا كانت مقترحات ترامب كافية لجذب الاستثمارات في قطاع التعدين الأميركي، خصوصاً في ظل تراجع هذا القطاع بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت في الخمسينات من القرن الماضي في صدارة صناعة التعدين، فإن إنتاج المعادن قد تراجع بنسبة 3% سنوياً بين عامَي 2019 و2024، كما انخفض إنتاج المعادن الأساسية مثل النحاس والنيكل، وأصبحت البلاد تعتمد على الدول الأخرى لتلبية احتياجاتها من 12 معدناً من أصل 50 معدناً تُصنفها أميركا على أنها أساسية، بما في ذلك الغاليوم والغرافيت والمنغنيز.
وتشكل قبضة الصين على المعادن اللازمة لتصنيع شبكات الكهرباء ومراكز البيانات مصدر قلق دائم في واشنطن.
الحاجة إلى الاستثمار
يعد قطاع التعدين من الصناعات التي تتطلب رؤوس أموال ضخمة، ووفقاً لتقرير شركة «ماكينزي» الاستشارية، فإن سد الفجوة العالمية في إمدادات النحاس فقط يتطلب استثمار 200 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
وفي ظل سعي ترامب لزيادة إنتاج المعادن مثل اليورانيوم والنيكل والفحم، ستحتاج هذه المبادرة إلى استثمارات ضخمة على مدار عقود، فيما قد تتعرض المشاريع لتأخيرات كبيرة، ما يزيد من التكاليف بشكل كبير، وفي ما يتعلق بالمشاريع التي تزيد قيمتها على مليار دولار، فإن التأخير يضيف، في المتوسط، أكثر من 50% إلى الجداول الزمنية الأولية و80% إلى الميزانيات، وفقاً لـ«ماكينزي».
ويأمل «المجلس الوطني الأميركي للسيطرة على الطاقة»، الذي تأسس حديثاً، في تبسيط العملية، لأنه يمكن أن يتطلب مشروع التعدين 30 تصريحاً، بما في ذلك تلك الخاصة بالعمل على الأراضي الفيدرالية، أو الخاصة، أو القبلية، أو الصادرة بموجب قانون السياسة البيئية الوطنية أو من خلال هيئة الأسماك والحياة البرية.
ورغم الإجراءات التي اتخذها ترامب لتبسيط عملية الحصول على التصاريح فإن العملية قد تستغرق في المتوسط 30 عاماً، وهي من بين الأطول في العالم، بحسب شركة «ستاندرد آند بورز غلوبال»، وحتى في الولايات الأميركية التي تسهل عمليات التعدين، قد يستغرق بناء المنجم نحو 10 سنوات.
تمويل المشاريع
ودعا أمر ترامب التنفيذي مؤسسات مثل «بنك التصدير والاستيراد» ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية إلى تمويل مشاريع التعدين في الداخل والخارج.
كما يستدعي الأمر قانون الإنتاج الدفاعي الذي يسمح للرئيس بتعزيز إمدادات المواد اللازمة للصناعة المحلية، لكن الرئيس لا يستطيع تخصيص موارد إضافية للمؤسسات التي تقوم بتنفيذ هذه الأنشطة، وإذا أراد ترامب ضخ المزيد من الأموال في قطاع المعادن، فإن ذلك يحتاج موافقة الكونغرس، وهي مهمة ليست بالسهلة، نظراً لضعف أغلبية الجمهوريين وتركيزهم على خفض عجز الموازنة.
وتشكل عمليات تنقية المعادن، مثل النحاس والنيكل، تحديات إضافية، فبناء وتشغيل منشآت صهر الفلزات الخام يستغرق وقتاً طويلاً، ويتطلب استثمارات ضخمة تصل إلى ملياري دولار لتشغيل مصنع صهر النيكل، فيما عوائد الاستثمار في هذه المشاريع قد تكون أقل من عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، وتميل هوامش الربح إلى الضآلة، خصوصاً بالمقارنة مع تعدين الخام، ويعد السعر المدفوع لمصانع الصهر مقابل تنقية النحاس الخام هو الأدنى منذ عقود.
البناء والتشغيل
وعلاوة على ذلك، تعد عملية تصميم وبناء وتشغيل مصنع صهر الفلز الخام عملية بالغة الصعوبة، حيث يمكن أن يستغرق بناء مثل هذه المنشأة وتشغيلها نحو خمس سنوات، إضافة إلى سنوات عدة لتصل المنشأة إلى طاقتها القصوى، كما تتطلب معالجة الفلزات الخام، التي تستهلك الكثير من الطاقة، عمالة ماهرة، وهي غير متوافرة في سوق العمل الأميركية.
وبخلاف نظيرتها الصينية، لم تجد الشركات الأجنبية الأخرى سهولة في بناء منشآت لمعالجة المعادن خارج بلادها، حيث استغرق الأمر عقداً من الزمن تقريباً لبدء تشغيل منشأة تديرها شركة «ليناس»، وهي شركة تعدين للعناصر المعدنية النادرة في ماليزيا وتستخدم خاماً يتم شحنه من «ماونت ويلد» في أستراليا.
وحتى الشركات الصينية نفسها تواجه صعوبات في ذلك، حيث استغرقت منشأة ليثيوم في أستراليا، مملوكة للشركة الصينية «تيانقين ليثيوم»، سنوات عديدة لبدء العمل.
ولذلك فإنه رغم التفاؤل المؤقت الذي تولد من دعم ترامب لصناعة التعدين، فإن الطريق نحو إحياء هذه الصناعة في الولايات المتحدة لايزال مليئاً بالتحديات الاقتصادية واللوجستية التي قد تعيق تحقيق أهدافه الطموحة في هذا المجال. عن «الإيكونوميست»
حلول
أحد الحلول المطروحة لتنشيط صناعة التعدين الأميركية، هو تعزيز التعاون مع الدول الحليفة مثل كندا، حيث يمكن معالجة بعض الفلزات الأميركية في منشآت هناك، ومن جانب آخر يمكن تحسين بيئة العمل لعمال المناجم في أميركا الذين يعملون ساعات طويلة في ظروف صعبة.
ومع ذلك، تبقى أساليب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في التعامل مع هذه القضايا تحدياً كبيراً أمام تحقيق هذه الحلول.
. تشكل قبضة الصين، على المعادن اللازمة لتصنيع شبكات الكهرباء ومراكز البيانات، مصدر قلق دائم في واشنطن.
. ترامب أصدر أمراً تنفيذياً يعد الأجرأ في صناعة التعدين خلال عقود، يهدف إلى تسريع إصدار تصاريح التعدين وتسهيل استخدام الأراضي وتوفير الدعم المالي للقطاع.