مع سيطرة المتمردين على سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب، فإن المستقبل غير مؤكد. وتشمل المخاوف الرئيسية حلفاء الأسد، والديناميكيات الإقليمية، واحتمال نشوب مزيد من الصراع.
في ظل المشاهد الدرامية التي تشهدها سوريا وتسارع الأحداث على مدى أيام قليلة، يبدو أن الدولة الشرق أوسطية على وشك الدخول في مرحلة غامضة تفتح أمامها احتمالات لا تعد ولا تحصى.
بمجرد النظر إلى خريطة الدولة والمنطقة وحتى خارجها، هناك عدة علامات استفهام قد لا يكون لها إجابة قريباً.
من سيحكم البلاد؟ وماذا عن حلفاء نظام بشار الأسد المخلوع في طهران وبيروت وموسكو؟ وماذا عن ألد أعدائه، وما المصير الذي ينتظر سوريا بعد الأسد؟
فلبنان، الجزء الضعيف من سوريا، منشغل بمشاكله الداخلية: الحرب الإسرائيلية المدمرة التي أودت بحياة ما يقرب من أربعة آلاف إنسان.
الاسد السابق أإن حزب الله منهك من الحرب التي خاضها ضد تل أبيب، والتي انتهت بإعلان وقف هش لإطلاق النار لمدة 60 يوما يشهد خروقات يومية من الجانب الإسرائيلي أسفرت حتى الآن عن دمار وقتلى وجرحى حتى في صفوف الجيش اللبناني، والتي من المفترض أن تشرف على تنفيذ وقف إطلاق النار.
ومع تغير المشهد السياسي في دمشق، فإن خط الإمداد من إيران إلى حزب الله عبر سوريا سينقطع، أو في أحسن الأحوال لن يكون سهلاً.
ولن تكون سوريا بعد الآن فناءً خلفياً لحزب الله الذي كان حاسماً في استعادة الأسد السيطرة في حربه ضد جماعات المعارضة المسلحة بعد تدخله في الصراع عام 2013 بذريعة حماية الأراضي اللبنانية من هجمات هذه الجماعات أيضاً. كحماية مقام السيدة زينب في ضواحي دمشق، والذي يتمتع بمكانة خاصة لدى المسلمين الشيعة، والذي لو تم التنازل عنه لتسبب في مزيد من التوتر الطائفي والتنافس بين السنة والشيعة.
تركيا وإسرائيل من الربح؟
وحاولت تركيا أن تنأى بنفسها عن التقدم المذهل الذي حققته الجماعات المسلحة في الأيام الأخيرة، وأكدت أنها لا تشارك في العملية.
وذلك على الرغم من الدعم الذي قدمته للمعارضة منذ بداية الانتفاضة ضد حكم الأسد، وفتحت حدودها أمام النازحين السوريين آنذاك.
كما استضافت أنقرة شخصيات معارضة وقدمت الدعم للجيش الوطني السوري. ومع ذلك، فإن حل معضلة ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري في تركيا إذا تم استعادة الأمن في سوريا وتجنبت البلاد الدخول في دورة جديدة من الفوضى لا يزال غير واضح.
وفي الوقت نفسه، هناك أيضًا إسرائيل. واحتلت الدولة المجاورة منطقة مرتفعات الجولان السورية المتنازع عليها لأكثر من 57 عامًا قبل أن تعلن ضمها. واعترفت واشنطن بهذا الضم في عهد إدارة ترامب السابقة رغم القرارات الدولية الواضحة التي تعتبر هضبة الجولان أرضا محتلة.
وقبل يومين، حشدت إسرائيل قواتها الجوية والبرية في مرتفعات الجولان تحسبا لأي طارئ، وسيطرت منذ ذلك الحين على المنطقة بأكملها.
ومن المرجح أن تراقب إسرائيل ما يحدث في سوريا عن كثب، خاصة إذا كان النظام الذي سينشأ فيها منغلقا على نفسه ومنشغلا بمشاكله الداخلية، ولا يطالب بحقه في هضبة الجولان أو الوصول إلى شواطئ بحيرة طبرية.
إيران الخاسر الأكبر
أما إيران فقد خسرت حليفاً مهماً وحيوياً في المنطقة.
ويعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى عقود عديدة قبل وصول بشار الأسد إلى السلطة.
وتقاربت المصالح بين النظام الإسلامي الذي انبثق عن الثورة التي قادها الخميني والتي أطاحت بالشاه في عام 1979 والنظام القومي العلماني بقيادة حزب البعث برئاسة والد بشار الأسد، حافظ الأسد.
ووقتها، دعم حافظ الأسد طهران في حربها ضد العراق في الثمانينيات. وكان الجانبان متحدين في عدائهما لنظام الرئيس العراقي صدام حسين وتنافسهما مع واشنطن التي كانت تقدم الدعم العسكري للعراق في حربه التي استمرت ثماني سنوات ضد إيران في الثمانينيات.
وهناك أيضًا الدور الذي لعبه قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني – الذي قُتل بغارة أمريكية في بغداد مطلع عام 2020 – في منع سقوط النظام وإدارة العمليات العسكرية في حلب عام 2015، حيث قاد شخصيًا المعركة إلى كسر الحصار عن أكبر مدينة سورية والعاصمة الاقتصادية للبلاد، وأطلقت عليها المعارضة آنذاك اسم جزار حلب.
وبخسارة حليفها في دمشق، تصبح طهران الخاسر الأكبر في المنطقة. لكن يبدو أنها تتخذ موقفاً حذراً من التطورات الأخيرة، وهو ما انعكس في التصريحات الخجولة والمدروسة حول الوضع في سوريا.
كما أنها منشغلة بتحديات وملفات أخرى، أبرزها تفاقم العداء بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة، التي تقف على أعتاب إدارة جديدة بقيادة الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب. ومع استمرار الملف النووي دون حل وخضوعه للعقوبات الأميركية والدولية، يشعر نظام طهران بالقلق من المرحلة المقبلة.
وبرز ذلك أكثر من خلال ترشيح ترامب للدبلوماسي المخضرم براين هوك، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه إيران منذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش، مبعوثا خاصا مسؤولا عن ملف البلاد.
ماذا ستفعل موسكو؟
ومن المعروف أن موسكو تظل أحد أهم الأطراف المعنية بما يحدث في سوريا.
وقد يشكل رحيل الأسد ضربة كبيرة للكرملين الذي لديه مواقع عسكرية في سوريا. وأهمها قاعدة حميميم الجوية الواقعة جنوب شرق مدينة اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية.
وهذان الموقعان أتاحا لروسيا الوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط من ضفته الشرقية، مما يخدم مصالحها في المنطقة وإفريقيا أيضًا.
وقد قدمت روسيا فلاديمير بوتين دعماً عسكرياً كبيراً للنظام منذ عام 2015، مع وجود حوالي 4000 جندي على الأرض. وكان هذا الدعم، تحت شعار محاربة ما يسمى بتنظيم داعش والجماعات المتطرفة، حاسما في الحفاظ على حكم الأسد.
إن سقوط النظام يعني أن موسكو لن يكون لها موطئ قدم في سوريا، نظراً للعداء العميق للجماعات المسلحة. ومن الناحية الجيوستراتيجية، سيكون ذلك بمثابة ضربة لبوتين، الذي يخوض حربًا في أوكرانيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وقد تكون هذه التطورات عاملاً في حسم الحرب في أوكرانيا وزيادة التأثير على الصراع بين حلف شمال الأطلسي والدول الغربية من جهة وروسيا من جهة أخرى.
مخاوف من النموذج الليبي أو الأفغاني
والآن بعد أن سيطرت الجماعات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً – على الحكومة في سوريا، ومع اختلاف الأجندات الأيديولوجية لهذه الجماعات وارتباط بعضها بقوى إقليمية ودولية، فإن ويظل الوضع ضبابيا، إن لم يكن قاتما.
ولا يمكن لأحد أن يقول على وجه اليقين أن البلاد لن تنقسم ولن يحدث انتقال ديمقراطي للسلطة، أو ما إذا كانت سوريا قادرة على تجنب مصير مماثل لمصير ليبيا منذ انتفاضتها ضد نظام معمر القذافي في 17 فبراير/شباط 2011.
تم تقسيم الدولة الواقعة في شمال إفريقيا منذ سنوات بين حكومة معترف بها دوليًا ومقرها في طرابلس في الغرب وحكومة في الشرق بقيادة رجل ليبيا القوي المشير خليفة حفتر، مما يساهم في مزيد من الاستقطاب الإقليمي والدولي.
وحتى الآن، فشلت كل المحاولات في رأب الصدع بين الجانبين ووضع حد للتنافس الذي أدى إلى مقتل المئات وفرض حكومتين وبنكين مركزيين وقوات مسلحة وميليشيات وبنية تحتية متهالكة وبنية تحتية منهارة. الاقتصاد رغم الثروة النفطية الهائلة التي تتمتع بها البلاد.
والخوف الآخر هو تكرار سيناريو أفغانستان، حيث سيطرت حركة طالبان بشكل مفاجئ على البلاد في 15 أغسطس 2021، وفرض نظام إسلامي متشدد هناك بعد انسحاب القوات الأمريكية والقوات الدولية الأخرى.
ماذا لو سيطرت هيئة تحرير الشام، التي قادت الإطاحة بنظام الأسد، على مقاليد الحكم في بلد متعدد الطوائف والأعراق يسكنه الأكراد والعلويون والدروز والشيعة والسنة؟
هذا بالإضافة إلى المسيحيين الذين يشكلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الديموغرافي في سوريا، إذ كان أجدادهم أول من اعتنق هذا الدين واتبع تعاليم السيد المسيح.
الإجابة المختصرة هي أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك.
وبينما يشكل المتمردون حكومتهم المؤقتة الأولى التي تتحرر من عائلة الأسد منذ أكثر من خمسة عقود، ويجري انتقال سلمي للسلطة في البلاد، تواجه البلاد الآن مهمة صعبة للغاية تتمثل في تضميد جراح الحرب الأهلية واستعادة السلطة. طي صفحة الحكم الشمولي.