7/5/2025–|آخر تحديث: 7/5/202511:55 ص (توقيت مكة)
بعد 15 يوما من هجمات باهالغام التي قتل فيها 25 هنديا في كشمير، تبادلت الهند وباكستان ضربات وعمليات عسكرية مساء الثلاثاء وفجر الأربعاء أسفرت عن مقتل 34 شخصا على الأقل.
وقالت صحيفة ليبيراسيون -في تقرير بقلم لوك ماثيو وأرنو فوليرين- إن التصعيد الخطابي الذي أعقب الهجوم أدى هذه المرة إلى صدام مميت، في واحد من أعنف الاشتباكات العسكرية منذ 25 عاما بين الجارتين اللدودتين في منطقة يتركز فيها خمس سكان العالم وتعيش حالة حرب دائمة.
ما الذي حدث؟
تبادل الجيشان نيران المدفعية على طول الحدود، وأسفرت الصواريخ الهندية التي أصابت ست بلدات في كشمير الباكستانية والبنجاب، والقصف المدفعي الذي صاحبها،عن مقتل 26 مدنيا بينهم أطفال، وإصابة 46، وفقا للمتحدث باسم الجيش الباكستاني الجنرال أحمد شودري.
وأعلنت الهند عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 29 في قرية بونش الهندية في كشمير جراء قصف مدفعي، سمعت انفجارات قوية حول سريناغار، المدينة الرئيسية في الجزء الهندي من كشمير، وصرحت الهند صباح الأربعاء 7 مايو/أيار، بأن ثلاث مقاتلات تابعة لسلاحها الجوي تحطمت.
وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد منح جيشه “حرية عملياتية” للرد كما يشاء، بعد أن قرر الأهداف والتوقيت وطريقة الرد على هجوم باهالغام، خلال اجتماع مع رؤساء أركانه، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وذكرت الصحيفة بأن الهند ردت قبل ست سنوات، بقصف الأراضي الباكستانية جويا، على هجوم أسفر عن مقتل 40 من أفراد القوات شبه العسكرية الهندية، وأعلنت جماعة إسلامية تدعى جيش محمد مسؤوليتها عنه، وردت باكستان بإسقاط طائرة هندية وأسر طيار، قبل أن تتدخل واشنطن آنذاك لوقف التصعيد.
ورأت الصحيفة أن ناريندرا مودي وقتها، استغل ذلك التوتر واستعراض قوته لدعم حملته الانتخابية قبيل الانتخابات التشريعية لولايته الثانية”، كما يقول جان لوك راسين، الباحث في مركز آسيا ومدير الأبحاث الفخري في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
ومع أن العمليات العسكرية ظلت عند مستوى المناوشات يوم الأربعاء، فقد أطلقت الدولتان إجراءات دبلوماسية انتقامية بالموازاة، فالحدود مغلقة، والهند ألغت التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وردت باكستان بإلغاء التأشيرات الممنوحة للهنود، وقررت عدم منح تأشيرات جديدة مع استثناءالحجاج السيخ، كما انتهكت نيودلهي معاهدة تقاسم مياه نهر السند.
لماذا ثارت حلقة جديدة من التوتر؟
وكان ثلاثة رجال قد هاجموا يوم 22 أبريل/نيسان بلدة باهالغام السياحية، وقاموا بفصل الرجال عن النساء والأطفال، ثم قتلوا من لا يستطيع رفع الأذان، حسب شهادات جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية، وأسفر الحادث عن مقتل 25 هنديا وسائح نيبالي.
وأعلنت الشرطة الهندية سريعا أن هنديا وباكستانيان هم المهاجمون، وقالت إنهم ينتمون إلى جبهة مقاومة كشمير التي تنشط في كشمير، وقد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبرتها الشرطة الهندية واجهة لمنظمة لشكر طيبة، التي تصنفها الأمم المتحدة جماعة إرهابية.
وكانت منظمة لشكر طيبة التي ولدت في أوائل ثمانينيات القرن العشرين والتي ترتبط بتنظيم القاعدة وحركة طالبان وبعض فروع الاستخبارات العسكرية الباكستانية قد شنت هجوما استمر ثلاثة أيام وأسفر عن مقتل 166 شخصا في مومباي في نوفمبر/تشرين الثاني 2008.
وبدافع من الرأي العام، لم ينتظر ناريندرا مودي أن تعلن جماعة لشكر طيبة مسؤوليتها عن الهجوم، واعتبر إسلام أباد مسؤولة عنه رغم أن الحكومة الباكستانية تنفي أي تورط لها، وتدعو إلى إجراء تحقيق “محايد”.
هل تتحول الأزمة إلى حرب مياه؟
بعد هجوم باهالغام قررت الهند تعليق معاهدة مياه نهر السند الثنائية، مما ينذر بعواقب وخيمة قد تسبب أزمة زراعية تفاقم الأزمة الاقتصادية في باكستان -كما يقول جان لوك راسين- ولذلك أعلنت الحكومة الباكستانية فورا أن قطع إمدادات المياه “عمل حربي”.
وكانت معاهدة مياه نهر السند قد وقعت عام 1960 بين البلدين تحت رعاية البنك الدولي، وهي تنظم تقاسم السيطرة على حوض نهر السند المكون من ستة ممرات مائية، يقع في الهند ثلاثة منها، هي رافي وبياس وسوتليج، وفي باكستان ثلاثة هي السند وجيلوم وتشيناب، وتمثل وحدها 80% من الحجم الإجمالي للحوض.
وسيؤثر إلغاء هذه الاتفاقية على ملايين المزارعين الباكستانيين، لا سيما في البنجاب حيث تروى معظم المحاصيل، وقد يهدد إمدادات المياه في المناطق الحضرية، خاصة أن الهند تشيد سدودا في منطقتها منذ عدة سنوات، وترغب في مراجعة معاهدة التقسيم هذه.
ما أصل التوتر في كشمير؟
وتعود قضية كشمير عموما إلى انفصال باكستان عن الهند عام 1947، حين ادعت كل منهما ملكية هذه المنطقة الجبلية، وقد توصلا عام 1949، إلى ما يسمى باتفاقية كراتشي، التي رسمت خط وقف إطلاق النار، ولكن التوترات والمناوشات لم تتوقف، مما أدى إلى اندلاع حرب أولى في عام 1965، ثم تجدد العنف عام 1989 في أعقاب تمرد انفصالي على الجانب الهندي، وأسفر القتال منذ ذلك الحين عن مقتل عشرات الآلاف.
لصالح من يميل ميزان القوى العسكري
مع أنه من الصعب تحديد القوة الكاملة لكل جانب، رأت الصحيفة أن الميزان العسكري بين القوتين الإقليميتين يميل لصالح الهند، حيث يبلغ عدد أفراد جيشها النشط 1.48 مليون، في حين لا يتجاوز الجيش الباكستاني 660 ألفا، كما أن الهند مجهزة بشكل أفضل بالأسلحة والذخيرة والمعدات والمواد مقارنة بجارتها.
أما الترسانة النووية فهي متكافئة تقريبا -وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام- إذ بلغ مخزون الهند من الرؤوس النووية نحو 172 عام 2024، وهو ما يتجاوز قليلا مخزون باكستان البالغ 170.
من هم الوسطاء في هذه الأزمة؟
مع انجلاء المناوشات، تحدث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مع نظيريه الهندي والباكستاني، ودعا إلى الحوار “لتهدئة الوضع وتجنب المزيد من التصعيد”، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق، إنه يأمل أن “تتوقف الاشتباكات سريعا جدا”.
وقد حذرت الأمم المتحدة من أن العالم لا يستطيع تحمل مواجهة عسكرية، خاصة بين دولتين مسلحتين نوويا، كما دعت الصين إلى “تجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد الوضع تعقيدا”، وحثت المسؤولين من كلا البلدين على “ضبط النفس”.
وبعد هجمات باهالغام مباشرة، قالت إيران التي كانت تتفاوض مع الولايات المتحدة على اتفاق بشأن برنامجها النووي، إنها مستعدة للعمل كوسيط، كما تقدمت المملكة العربية السعودية أيضا إلى الواجهة، علما أنها تعد أحد مقدمي الأموال لباكستان في خضم الأزمة الاقتصادية.