كونر- في قرية صغيرة بمديرية نورغل، التقت الجزيرة نت بحاجي عبد الرحمن سالارزي، شيخ سبعيني فقد 3 من أحفاده تحت الأنقاض، وقال “كنت نائما حين بدأ كل شيء يهتز، لم أستطع إنقاذ سوى اثنين من الأطفال، أما البقية فدفنهم الركام، لم يبق لنا بيت ولا مأوى”.
وضرب زلزال قوي بلغت شدته 6 درجات -ليل الأحد الماضي- ولاية كونر شرق أفغانستان، ليتحول في لحظات إلى واحدة من أعنف الكوارث الطبيعية التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وأسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص وإصابة نحو 3100 آخرين، فيما لا تزال فرق الإنقاذ تبحث بين الأنقاض عن مئات العالقين في القرى النائية.
أما مريم زاهد، وهي أم لـ5 أطفال، فتروي “جرحت في قدمي ولم أجد طبيبة لمعالجتي، اضطررت إلى الانتظار ساعات طويلة حتى نقلني الجيران إلى نقطة صحية بعيدة، أخشى على أطفالي من المرض والجوع أكثر من خوفي من الزلزال نفسه”.
خسائر كبيرة
وفي قرية تشوكي، فقد الشاب نعيم الله صافي والديه وأخته الصغرى، بينما نجا هو مع أخيه الأكبر، وقال “كنا نصرخ ونطلب المساعدة، لكن الطريق كان مقطوعا بسبب انهيار الصخور، انتظرنا أكثر من 12 ساعة حتى وصلت فرق الإنقاذ”.
وانهارت منازل طينية بأكملها فوق رؤوس ساكنيها في مديريات نورغل، وته بور، وتشوكاي، تاركة عائلات مشردة بلا مأوى، بينما يخيّم الحزن على القرى الجبلية التي فقدت أبناءها وبيوتها في ثوانٍ معدودة.
ومع صعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة بسبب الانهيارات الأرضية ووعورة الطرق، يزداد الوضع الإنساني قسوة، حيث ينام الناجون في العراء، ويفتقدون الطعام والماء والدواء، في حين يتسابق الأهالي بأدوات بسيطة لمحاولة إنقاذ من تبقى تحت الركام.
وتُعد أفغانستان من أكثر الدول عرضة للزلازل في آسيا الوسطى، إذ تقع على صدوع جيولوجية نشطة تمتد عبر جبال هندوكوش، وعلى مدى العقدين الماضيين، شهدت البلاد سلسلة من الزلازل المدمرة، كان آخرها زلزال ولاية بكتيكا في يونيو/حزيران 2022 الذي أودى بحياة أكثر من ألف شخص.
لكن ما يجعل كارثة ولاية كونر الأخيرة أكثر مأساوية هو السياق الذي جاءت فيه، إذ تعيش أفغانستان منذ عودة حركة طالبان إلى الحكم عام 2021 حالة من العزلة الدولية، مع تراجع المساعدات الأجنبية التي كانت تمثّل العمود الفقري لبرامج الإغاثة والتنمية.
وفي ظل ضعف البنية التحتية الصحية والهندسية، وغياب نظام فعال لإدارة الكوارث، يتحول كل زلزال إلى مأساة إنسانية كبرى، حيث يُترك الأهالي في القرى الجبلية لمواجهة مصيرهم بأدوات بدائية وإمكانات محدودة.
بحسب الأرقام الرسمية الأخيرة، تجاوزت حصيلة ضحايا الزلزال الأخير 1400 قتيل وأكثر من 3100 جريح، مع تدمير أكثر من 5400 منزل في ولايتي كونر وننغرهار، كما سجلت ولايات مجاورة خسائر إضافية، إذ قُتل 12 شخصا وأصيب 255 في ننغرهار، بينما أصيب 58 آخرون في لغمان، و4 في نورستان، إلى جانب تضرر منازل في بنجشير.
نقص الاستجابة
وهرعت فرق الإنقاذ المحلية، مدعومة من وزارات الدفاع والداخلية والصحة، إلى المناطق المنكوبة، لكن طبيعة التضاريس الجبلية وصعوبة الوصول إلى بعض القرى المنعزلة حدّت من سرعة الاستجابة، وفي نورغل، دفنت عدة قرى بأكملها تحت الأنقاض، وما زالت المخاوف قائمة من وجود مئات العالقين.
وشملت عمليات الإغاثة نقل المصابين إلى مستشفيات ننغرهار عبر المروحيات، في حين أقيمت نقاط طبية ميدانية في بعض المديريات المتضررة، ومع ذلك، لا تزال الاستجابة تعاني من نقص حاد في الكوادر الطبية، خصوصا الطبيبات اللواتي يُعانين من قيود في العمل بالمناطق الريفية، وهو ما زاد من معاناة النساء المصابات.
ورغم هذه الجهود، يؤكد المسؤولون أن الأعداد مرشحة للارتفاع مع استمرار رفع الأنقاض، وأن الحصيلة المعلنة لا تعكس حتى الآن حجم المأساة الحقيقي.
على أطراف القرى المهدّمة في مديريات نورغل وتشوكي، يجلس ناجون مذهولون أمام أنقاض منازلهم، بعضهم ما زال يبحث بين الركام عن متعلقات بسيطة تُذكّره بأحبته الذين فقدهم، أطفال بلا مأوى ينامون في العراء أو داخل خيام مؤقتة نُصبت على عجل، في حين تكافح العائلات للحصول على الغذاء والماء النظيف.
يروي الناجون قصصا مؤلمة عن لحظة وقوع الزلزال، أسر فقدت جميع أفرادها بين عشية وضحاها، ونساء جريحات لم يتمكنّ من تلقي العلاج السريع بسبب نقص الكوادر الطبية النسائية، وعائلات تفترش الأرض في انتظار المساعدة.
تتفاقم معاناة الأهالي مع انقطاع الطرق الجبلية بفعل الانهيارات الأرضية، مما جعل وصول المواد الإغاثية تحديا كبيرا، وحتى القوافل الإنسانية المحلية تجد صعوبة في الوصول إلى القرى المنعزلة، حيث ما زالت فرق الإنقاذ تعمل بأدوات بدائية لانتشال الضحايا.
تحديات
تحركت فرق وزارة الدفاع والداخلية والصحة، مدعومة بمتطوعين محليين، في محاولة لانتشال الضحايا ونقل الجرحى، كما أرسلت منظمات أممية، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، مساعدات عاجلة تشمل مواد غذائية وخياما وأدوية أساسية.
وفي حديث للجزيرة نت، قال إحسان الله إحسان مدير إدارة الكوارث في ولاية كونر “الأيام الأولى بعد الزلزال كانت حرجة للغاية، حيث باتت الأولوية إنقاذ العالقين وتوفير مأوى ووجبات ساخنة للناجين، نواجه تحديات كبيرة بسبب وعورة الطرق وانقطاع الكهرباء والمياه، لكن فرقنا مستمرة في العمل على مدار الساعة باستخدام كل الإمكانيات المتاحة”.
وأضاف “لا يمكننا التنبؤ بعدد الأشخاص الذين لا يزالون تحت الأنقاض، ولكن فرقنا المحلية تعمل بأدوات بدائية مثل المجارف وأيديهم لرفع الركام، بالتعاون مع الأهالي المتضررين”.
من جانب آخر، صرح ذبيح الله مجاهد -المتحدث باسم الحكومة الأفغانية- بأن الحكومة تسعى لتنسيق جهودها مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية لتوفير الغذاء والماء والمأوى للمتضررين، رغم صعوبة الوصول إلى القرى النائية، واستخدام المروحيات لنقل المسعفين والإمدادات بسبب الانهيارات الأرضية ووعورة الطرق.
وتشمل التحديات الكبرى لإدارة كارثة زلزال كونر التالي:
- العزلة الدولية والسياسية: تحد قيود التعاون مع حكومة طالبان من وصول الدعم السريع، مما يجبر السلطات على الاعتماد على الإمكانيات المحلية المحدودة.
- ضعف الموارد والإمكانات: يزيد نقص المعدات الثقيلة والمستشفيات الميدانية والطاقم الطبي المدرب -خاصة الطبيبات- صعوبة إنقاذ العالقين وتقديم الرعاية العاجلة.
- هشاشة البنية التحتية: تنهار المباني الطينية والهشة بسهولة تحت تأثير الزلازل، بينما تعرقل الطرق المتهالكة وصول فرق الإنقاذ والإمدادات الإنسانية بسرعة.
- التحديات اللوجستية: أغلقت الانهيارات الأرضية ممرات رئيسية، مما يبطئ نقل الجرحى والمواد الغذائية والمياه، ويزيد معاناة السكان الذين يتركون بلا مأوى.