في «بيت من ديناميت»، وهو فيلم الإثارة السياسي الجديد للمخرجة كاثرين بيغلو، يواجه رئيس الولايات المتحدة خياراً صعباً. الأمر يتعلق بصاروخ عابر للقارات من مصدر مجهول يتجه بسرعة نحو الولايات المتحدة. هل يجب على الرئيس (الذي يلعب دوره إدريس إلبا) أن يأمر بضربة نووية ضد خصوم أميركا، الذين ربما أطلقوا الصاروخ، أم ينتظر حتى يدمر الصاروخ مدينة شيكاغو؟

لمساعدته، يسحب مساعد عسكري قريب منه ملفاً من ثلاث أجزاء من حقيبة سوداء، ويشرح له الصفحات الملونة والمغلفة: إنها خيارات الضربة النووية.

ويقول الرئيس بحسرة وهو يقلب الصفحات: «لم يعقدوا سوى اجتماع واحد فقط عندما أديت اليمين الدستورية».

بينما يتأرجح مصير البلاد بين الحياة والموت، لا يعرف الرئيس ماذا يفعل ولديه وقت قصير للغاية لاتخاذ قرار.بالنسبة إلى إلبا بصفته القائد الأعلى، كانت الحرب النووية بعيدة عن الأنظار وبعيدة عن الذهن، حتى الآن.

الحقيبة النووية السوداء التي ترافق الرئيس طوال الوقت، والصفحات الملونة للمجلد، ووقت الاستجابة القصير للغاية، وعدم استعداد الرئيس، كل هذه عوامل تبدو للمشاهدين كقصة خيالية، وكأن «هوليوود» تلجأ إلى حيلها المثيرة المعتادة.

تحمل العبء

كما يوحي الفيلم، فإن الرؤساء في العالم الحقيقي ربما يكونون غير مستعدين لتحمل العبء الذي تفرضه عليهم سلطتهم المطلقة في إصدار أمر بشن ضربة نووية. وينطبق هذا بشكل خاص على حالة تسمى «الإطلاق تحت الهجوم»، عندما يواجه الرئيس ضغوطاً للتصرف بسرعة، لأن الهجوم الوشيك كبير بما يكفي لدرجة أنه قد يضعف قدرة الولايات المتحدة على الرد.

ولمعالجة هذه المشكلة، ينبغي على البيت الأبيض أن يطلع الرئيس بشكل أفضل على الأزمات النووية من خلال تدريبات وإحاطات منتظمة تهدف إلى توضيح تفاصيل الأزمات.

ولن يحل هذا النوع من التثقيف النووي التوترات النووية المتصاعدة حالياً، لكنه سيجهز الرئيس بشكل أفضل لاتخاذ القرار الأكثر أهمية في حياته، مع التأكيد على عدم اليقين، وعدم القدرة على التحكم، في الأزمات النووية.

تعتبر الإحاطات النووية الرئاسية سرية للغاية، ولا يمكن معرفة تفاصيلها على وجه اليقين، لكن وفقاً لمعظم التقارير، يتلقى الرؤساء عموماً إحاطة قصيرة، قبل ساعات قليلة من تنصيبهم، تركز على كيفية إصدار أمر بشن ضربة نووية.

ووصف رئيس الأركان السابق للرئيس جورج بوش الابن هذه الإحاطة بأنها «روتينية للغاية، تشبه نوعاً ما كيفية استخدام جهاز التحكم عن بعد للتلفزيون». وعلى الرغم من طابعها الإجرائي، يميل الرؤساء إلى التعامل مع هذه الإحاطة بجدية. ورفض الرئيس ليندون جونسون في البداية حضور الإحاطة، حيث اعتبر أن مجرد وجود حقيبة الأسلحة النووية أمر مثير للتوتر.

ثم، بعد هذا الإحاطة الأولى، من المرجح أن تتلاشى السلطة الحصرية في خلفية الشؤون اليومية للرئيس. وعلى الرغم من أن الرؤساء قد يتم اطلاعهم على التغييرات الطارئة في وضع القوات وخطط التدريبات، إلا أنهم لا يخضعون أبداً لعملية صنع القرار النووي الفعلية، ولا يُطلب منهم ممارستها.

والاستثناء الوحيد هو جيمي كارتر، الذي لايزال الرئيس الوحيد الذي شارك في تمارين القيادة والسيطرة النووية. وعلى الرغم من اهتمامه، فقد كارتر بطاقته – وهي البطاقة التي يستخدمها الرئيس لتأكيد هويته عند إصدار أمر بشن ضربة – بعد أن أرسلها بالخطأ مع ثيابه إلى المغسلة.

سلطة حصرية

بعد انتهاء الحرب الباردة، كان الدافع وراء مبدأ السلطة الحصرية للرئيس على إطلاق الأسلحة النووية، هو الخوف من هجوم عدو يمنع الولايات المتحدة من الرد عن طريق تعطيل الحكومة أو نظام القيادة والسيطرة في البلاد – سيناريو «الإطلاق تحت الهجوم».

من خلال تركيز سلطة القيادة النووية في يد شخص واحد بدلاً من لجنة أو الكونغرس، تتيح السلطة الحصرية الرد السريع اللازم لتجنب مثل هذا السيناريو. والأمل هو أن يخشى خصوم الولايات المتحدة مهاجمتها، لأن السلطة الفردية ستؤدي إلى تدميرهم النووي السريع.

لكن هناك مشكلة في السلطة المطلقة، فإن إثقال كاهل فرد بمصير العالم ينطوي على خطر إضعاف قدرته على اتخاذ القرار في الوقت الذي تكون فيه الحاجة إليه أشد ما تكون. فالسلطة المطلقة تفرض بالفعل متطلبات أعلى من قدرات الفرد على اتخاذ القرار، وهي قدرات ستتأثر سلباً في ظل الواقع المجهول والمليء بالتوتر الذي تسببه الأزمة النووية، ويزيد عدم استعداد الرئيس من سوء الوضع.

فأزمة نووية مفاجئة ستؤثر في نفسية الرئيس مثل امتحان مفاجئ لطالب في الثانوية. وتخيل التوتر الذي يشعر به وهو يكافح لتذكر مادة تعلمها بشكل غامض مرة واحدة، لكنه لم يراجعها أبداً.

مباغتة

والآن، تخيل أن مئات الملايين من الأرواح على المحك، كما يظهر في رواية «بيت من ديناميت»، خلال أزمة نووية، قد لا يكون أمام الرئيس سوى دقائق معدودة. إن مباغتة الحرب النووية وشدتها تعنيان أن الحدس أو الاندفاع قد يتغلبان بشكل خطير على التفكير المتأني.

ما الذي يمكن فعله حيال نظام يثقل كاهل فرد واحد بمصير العالم؟

تسعى العديد من الحلول المقترحة إلى إشراك أكثر من شخص واحد في عملية صنع القرار. حالياً، يمكن للرئيس أن يختار التشاور مع كبار المسؤولين لاتخاذ القرار المناسب، لكنه غير ملزم بذلك. وقد يُطلب من الأفراد المشاركين في الاجتماع التشاوري الموافقة أو التصديق بشكل مشترك على استخدام الأسلحة النووية. وفي حل آخر مقترح، يتطلب استخدام الأسلحة النووية موافقة مسبقة من الكونغرس، ما يفرض رقابة ديمقراطية على سلطة الرئيس.

ومع ذلك، فإن كلا الحلين لهما عيوب تقوض مزاياهما، فقد يؤديان ببساطة إلى استبدال قرارات الرئيس السيئة بقرارات سيئة تتخذها مجموعة من الأشخاص. فعلى سبيل المثال، يمكن القول إن حرب الولايات المتحدة على العراق في عام 2003 كانت نتيجة «تفكير جماعي»، حيث أدت رغبة المجموعة في التوصل إلى إجماع إلى قمع الآراء المخالفة. وفي عام 1962، قاوم الرئيس جون كينيدي لحسن الحظ نصيحة مستشاريه المبكرة والساحقة بقصف كوبا خلال أزمة الصواريخ الكوبية، بعد أن وافق في البداية. وقد أثمر حذر كينيدي وتردده، فقد قلل صانعو السياسة الأميركية من شأن مستوى الانتشار السوفييتي في كوبا، وكان من شأن اتباع نصيحة المجموعة – شن غارات جوية – أن يؤدي بالتأكيد إلى تصعيد الحرب، وربما إلى حرب نووية. عن «فورين بوليسي»


عالم الخيال

قال المفكر والفيلسوف الإيطالي، نيكولو مكيافيلي، إن القائد يجب أن يفكر فقط في «الحرب وأوامرها وانضباطها». ولا داعي لأن نذهب إلى هذا الحد لندرك فائدة أن يولي الرئيس اهتماماً أكبر لخطورة الحرب النووية وعدم يقينها. ولن يحل التدريب النووي للرئيس كل المشكلات، لكن مثل هذا التدريب قد يدفعنا إلى عالم تظل فيه تصورات الحرب النووية مثل فيلم «بيت من ديناميت» في عالم الخيال.

. بعد انتهاء الحرب الباردة، كان الدافع وراء مبدأ السلطة الحصرية للرئيس على إطلاق الأسلحة النووية هو الخوف من هجوم عدو يمنع أميركا من الرد.

شاركها.
Exit mobile version