في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، وصلت قوات الجيش الأوغندي إلى مدينة كاسيني الواقعة على ضفاف بحيرة ألبرت في مقاطعة إيتوري بشرقي الكونغو الديمقراطية.
ونشر رئيس أركان الجيش الأوغندي الجنرال موهوزي كاينيروغابا مقطعا مصورا -عبر منصة إكس- يظهر فيه السكان وهم “يستقبلون الجنود بحماس”، في حين صرح كريس ماغيزي، المتحدث المؤقت باسم قوات الدفاع الشعبي الأوغندية، بأن الجيش “احتل” كاسيني وبلدة تشوميا المجاورة.
وعندما أرسلت أوغندا قواتها إلى شرق الكونغو الديمقراطية لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، جاء ذلك بدعوى مطاردة “قوات الدفاع الديمقراطي”، وهي جماعة متمردة ذات جذور أوغندية كانت تنشط في منطقة بيني بمقاطعة شمال كيفو.
وقد تحالفت الجماعة لاحقا مع تنظيم الدولة في وسط أفريقيا، واتُّهمتها حكومتا أوغندا والكونغو الديمقراطية بارتكاب مجازر بحق المدنيين.
لكن الرقعة الجغرافية لانتشار القوات الأوغندية اتسعت اليوم، متجاوزة مناطق نشاط الجماعة، لتصل إلى إيتوري، رغم إقرار الجيش بأن الجماعة لم تعد نشطة في تلك المناطق، ومنها كاسيني.
وفي فبراير/شباط الماضي، صرح كاينيروغابا بأن “شرق الكونغو منطقة نفوذنا، ولن يحدث فيها شيء من دون موافقتنا”.
كما أدلى بتصريحات علنية مؤيدة لجماعة “إم 23” التي أحرزت تقدما كبيرا هذا العام في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو، وسط تقارير من الأمم المتحدة تشير إلى تلقي الجماعة دعما من أوغندا ورواندا، رغم نفي الدولتين تلك الاتهامات.
الأهداف الاقتصادية
يرى مراقبون أن اتساع العمليات الأوغندية يعكس تحوّلا في أولويات كمبالا، وفقا لما أكده المتحدث باسم الجيش، فيليكس كولاييجي، الذي قال إن الجيش لا يحمي المجتمعات الكونغولية فحسب، بل أيضا المصالح الاقتصادية لأوغندا.
وتقول تقارير إن الحكومة الأوغندية حصلت على إذن لبناء طرق معبّدة داخل الكونغو تربط بين مدن رئيسية، في خطوة تهدف إلى تعزيز التجارة. ورافق هذا الإذن دخول معدات عسكرية وورش بناء إلى الكونغو أواخر عام 2021.
وقال سولومون أسيموي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نكومبا، إن ما بدا دافعا أمنيا في ظاهره، يخفي في طياته دوافع اقتصادية بالدرجة الأولى.
السوق الكونغولية كجبهة تنافسية
تشير التقديرات إلى أن صادرات دول الجوار إلى الكونغو الديمقراطية بلغت نحو 2.9 مليار دولار على مدى 3 سنوات، استحوذت أوغندا على 68% منها، وفقا لتحليل نشرته “ذي إيست أفريكان”.
كما شهدت السنوات الأخيرة دخول المصارف الكينية إلى السوق، قبل أن تتوقف توسعاتها مؤخرا بسبب تصاعد التوترات.
لكن الاتهامات بتهريب المعادن والمنتجات الزراعية من الكونغو الديمقراطية عبر أوغندا ورواندا لا تزال قائمة، وقد أمرت محكمة العدل الدولية أوغندا بدفع 325 مليون دولار تعويضا عن استغلالها موارد الكونغو بين عامي 1998 و2003.
ويعكس ذلك الواقع، على سبيل المثال، ما أظهرته بيانات الصادرات الأوغندية عام 2024، حيث بلغت قيمة صادرات الذهب 3 مليارات دولار، رغم غياب مناجم كبرى في البلاد.
سيادة منتهكة
رغم إعلان أوغندا أن وجودها العسكري في إيتوري جاء بطلب من السلطات الكونغولية، فإن خبراء كونغوليين أعربوا عن شكوكهم، معتبرين أن دخول القوات الأوغندية غير قانوني ويمثل انتهاكا للسيادة.
كما يُرجّح أن حكومة كينشاسا تلتزم الصمت لتفادي المواجهة مع كل من أوغندا ورواندا في آن واحد.
وفي هذا السياق، قال محلل سياسي كونغولي إن الوضع الراهن “يمثّل احتلالا ينبغي أن يثير قلق كل من يؤمن بالسيادة والنزاهة الإقليمية”.
تاريخ يتكرر
يستحضر هذا التوغّل الذاكرة الجماعية للحقبة الدامية أواخر التسعينيات، حين دعم البلدان جماعات أطاحت بحكم موبوتو سيسي سيكو، ثم انقلبت على نظام لوران كابيلا لاحقا.
ويرى باحثون أن الصراعات الحالية متجذرة في تلك الحقبة، إذ لا تزال الشخصيات ذاتها –مثل يوري موسيفيني وبول كاغامي وجوزيف كابيلا– حاضرة على مسرح الأحداث، وإن اختلفت مواقعهم.
وفي حين تدعي أوغندا ورواندا أنهما تقاتلان جماعات متمردة تهدد أمنهما، يؤكد محللون أن الأمر لا يعدو كونه استمرارا لسياسة اقتطاع مناطق النفوذ واستغلال الموارد، في ظل استمرار معاناة الشعب الكونغولي.
ويقول الباحث في شؤون الصراعات ريغان ميفيري: “لا أعتقد أن الجنود الأوغنديين لديهم نيات حسنة، خاصة في العملية في إيتوري. لا أفهم لماذا هم هناك”.
ومع ذلك، يظل الشعب الكونغولي مشردا، فقيرا وبدون أمان. فقد أكدت الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي أن الاشتباكات المتجددة مع حركة “إم 23” هذا العام تسببت في نزوح ما يقرب من 4 ملايين شخص في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو فقط.