تسبب أكبر انقطاع للكهرباء في أوروبا منذ أكثر من 20 عاماً في شبه الجزيرة الأيبيرية، الأسبوع الماضي، في فوضى عارمة لساعات طويلة في إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا، قبل أن تعود تدريجياً إلى المدن التي تأثرت بانقطاع التيار.
وفي أعقاب ذلك، تساءل البعض في أنحاء القارة: هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه مرة أخرى؟
قدّم القادة السياسيون ومشغلو أنظمة الطاقة في أوروبا ضمانات بأن مثل هذه الانقطاعات نادرة للغاية، وأن شبكات الكهرباء الأوروبية من بين أكثر الشبكات استقراراً في العالم. ومع ذلك، حذر خبراء طاقة من تكرار الانقطاع، على الرغم من أن الانقطاعات واسعة النطاق قد تكون نادرة، لكنهم أكدوا أنه لا توجد شبكة لا تتعرض لأعطال ومشكلات.
وقال رئيس كلية الهندسة في جامعة كارديف، البروفيسور جيانتشونغ وو، إن انقطاعات الكهرباء «يمكن أن تحدث في أي مكان»، مضيفاً: «على الرغم من معايير الموثوقية العالية حالياً، لايزال من الممكن حدوث انقطاعات كهربائية منخفضة الاحتمال، لكنها شديدة التأثير».
وتابع: «هذه الشبكات ليست مصممة لتكون خالية تماماً من الانقطاعات، لأن تحقيق هذا المستوى من الموثوقية يتطلب استثمارات تتجاوز بكثير ما هو ممكن اقتصادياً».
من جهتها، قالت المديرة العليا في شركة «إنرجي سيستمز كاتابولت»، شارمالي جاياماها، المدعومة من الحكومة البريطانية: «لا يمكن لأي نظام أن يكون مرناً بنسبة 100%، لذا يجب موازنة المخاطر باستعدادنا للدفع لخفضها».
الظواهر الطبيعية
وحدّد خبراء ثلاثة أسباب رئيسة قد تؤدي إلى انهيار نظام الطاقة، موضحين أنه غالباً ما تنجم انهيارات كبيرة في أنظمة الطاقة عن عوامل يصعب التنبؤ بها أو السيطرة عليها. وتُشكّل الظواهر الجوية المتطرفة، والكوارث الطبيعية خطراً واضحاً، إذ يمكن أن تُلحق العواصف وموجات الحر والزلازل أضراراً مدمرة بالبنية التحتية الوطنية الحيوية.
كما عُرف أن الصواعق والتوهجات الشمسية تُلحق ضرراً بالمعدات الحيوية، مثل محطات الطاقة الفرعية، وخطوط الكهرباء، وهذه ضرورية للحفاظ على استقرار الشبكة.
وكانت تقارير أولية أشارت إلى أن انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا، ناتج عن «ظاهرة جوية نادرة» ناجمة عن تغير مفاجئ في درجة الحرارة، ما قد يزعزع استقرار الشبكة، لكن شركة «ريد إليكتريكا» المشغّلة للشبكة نفت هذه النظرية لاحقاً.
ويمكن تحديد معظم حالات انقطاع التيار الكهربائي الناتجة عن الكوارث الطبيعية بسهولة، ففي ولاية تكساس الأميركية، تسببت سلسلة من ثلاث عواصف شتوية في أوائل عام 2021 في تجمد مزارع الرياح ومحطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن 4.5 ملايين منزل وشركة، بعضها لأيام عدة. ويتزايد خطر هذه الأحداث مع ازدياد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة نتيجة لأزمة المناخ.
الهجمات الإلكترونية
وبعض حالات انقطاع التيار الكهربائي ناجمة عن عوامل بشرية بالكامل.
وأكدت جاياماها، أن العوامل الجيوسياسية والهجمات الإلكترونية لديها قدرة على التسبب في «انقطاعات كبيرة» في الشبكة، كما قد يلعب الخطأ البشري دوراً في ذلك.
وبعد انقطاع التيار الكهربائي في شبه الجزيرة الأيبيرية، تساءل كثيرون عما إذا كانت جهات خبيثة استهدفت الشبكة، إلا أن شركة «ريد إليكتريكا» سارعت إلى تأكيد عدم وجود أي مؤشر على وقوع هجوم، ثم استبعدت هذه النظرية لاحقاً.
ومع ذلك، فإن خطر وقوع هجوم إلكتروني على البنية التحتية لشبكة الكهرباء «ليس ضرباً من الخيال العلمي»، وفقاً لخبير الأمن السيبراني الهولندي، ديف ماسلاند، الذي صرح للصحافة الهولندية بأن «الهجمات على إمدادات الطاقة ممكنة، وقد تسببت فعلاً في انقطاعات في الماضي»، مشيراً إلى هجمات روسيا على شبكة الكهرباء في أوكرانيا عامي 2015 و2016، ومحاولة فاشلة بعد حربهما عام 2022.
أعطال غير متوقعة
وبعبارات أبسط، يحدث انقطاع التيار الكهربائي عندما يتوقف نظام الطاقة عن العمل، وقد يكون هذا بسبب خلل ميكانيكي غير متوقع في خطوط الكهرباء أو محطات الطاقة الفرعية، أو غيرها من البنى التحتية للشبكة، أو مشكلة أكثر تعقيداً في كيفية تشغيل النظام.
ومن أبرز المخاوف التي ظهرت بعد انقطاع الكهرباء في إسبانيا، الدور المحتمل للطاقة المتجددة في انهيار النظام.
وصرح خبراء بأنه من السابق لأوانه التعليق على الأمر، في ظل غياب تفسير واضح للانقطاع. وما نعرفه حتى الآن هو أن نظام الكهرباء في إسبانيا تكبّد خسارة كبيرة في توليد الكهرباء في جنوب غرب البلاد الغني بالطاقة الشمسية خلال ثوانٍ، ما قد يكون زعزع استقرار شبكة الكهرباء بين إسبانيا وفرنسا، وأدى في النهاية إلى انقطاع كامل للطاقة.
ويعدّ تشغيل شبكة غنية بالطاقة المتجددة أصعب من تشغيل شبكة تعمل بالوقود الأحفوري، حيث يرجع ذلك إلى أن الشبكة صُممت في الأصل مع مراعاة محطات الطاقة الكبيرة التي تعمل بالفحم والغاز والنووي، والتي تتميز بتوربينات دوارة تُحدث قصوراً ذاتياً في النظام، ما يساعد على الحفاظ على تردد الشبكة عند نحو 50 هرتز.
أما مزارع الرياح والطاقة الشمسية فلا تُحدث قصوراً ذاتياً في الشبكة، ما يعني أنه في أوقات ارتفاع إنتاج الطاقة المتجددة، قد يكون من الصعب الحفاظ على ثبات التردد في حال حدوث انقطاع مفاجئ للطاقة. ويمكن أن يؤدي التذبذب الكبير في التردد إلى فصل المولدات تلقائياً، وتالياً انهيار نظام الطاقة. عن «الغارديان»
. معظم حالات انقطاع التيار الكهربائي الناتجة عن الكوارث الطبيعية يُمكن تحديدها بسهولة.
. التذبذب الكبير في التردد يُمكن أن يؤدي إلى فصل المولدات تلقائياً وانهيار نظام الطاقة.