تتصدر الرسوم الجمركية قائمة النزاعات بين أميركا وحلفائها الآسيويين، حيث تتعرض اليابان وكوريا الجنوبية حالياً لتهديد بفرض رسوم بنسبة 25%، وتشعر أستراليا بالغضب من شبح فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الصلب.

وفي غضون ذلك، دفع تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وغيرها من أدوات القوة الناعمة الأميركية – مثل إذاعة آسيا الحرة، والصندوق الوطني للديمقراطية – الحلفاء إلى محاولة سد الثغرات في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، قبل أن تمدهم بكين بالبنية التحتية للاتصالات من «هواوي»، والقواعد العسكرية ذات الاستخدام المزدوج لجيش التحرير الشعبي. وأخيراً، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، عن مراجعة اتفاقية «أوكوس» الثلاثية التي استثمرت بموجبها بريطانيا وأستراليا بالفعل، مئات الملايين من الدولارات لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، إلى جانب الولايات المتحدة.

ويثير ازدراء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الواضح لأوكرانيا وأوروبا، تساؤلات حول موثوقية الضمانات الأمنية الأميركية في آسيا. وهذه الأسئلة يعجز البيت الأبيض بشكل متزايد عن الإجابة عنها، بعد إقالة معظم خبراء الشؤون الآسيوية ذوي الكفاءات العالية الذين عيّنهم في البداية للعمل في مجلس الأمن القومي.

وفي ظل هذا الهجوم الشرس، من المتوقع أن تُظهر استطلاعات الرأي في المنطقة انخفاضاً حاداً في الثقة بالولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل. وفي مارس الماضي، كشف معهد «لوي» لاستطلاعات الرأي، أن 36% من الأستراليين فقط يثقون بالولايات المتحدة، وهو أقل رقم استطلعه المعهد على الإطلاق.

وفي أبريل الماضي، كشفت صحيفة «أساهي شيمبون» اليابانية، أن 15% فقط من المواطنين اليابانيين يعتقدون أن الولايات المتحدة ستدافع عن اليابان في عهد الرئيس دونالد ترامب، وهو انخفاض حاد مقارنة بأكثر من 40% في العام السابق.

وفي الوقت نفسه، يَعتبر 20% فقط من التايوانيين، الولايات المتحدة جديرة بالثقة، بانخفاض قدره 10% عن العام الماضي.

ومع ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي أيضاً أمراً آخر، وهو أن تحالفات الولايات المتحدة في آسيا، ظلت أكثر مرونة بكثير مما قد توحي به العناوين الرئيسة. وعلى سبيل المثال، وجد استطلاع «لوي»، أن 80% من الأستراليين يؤيدون التحالف الأميركي الأسترالي، ولاتزال الاستطلاعات في اليابان وكوريا الجنوبية تجد أن نحو 90% من المواطنين في تلك الدول يؤيدون التحالف مع الولايات المتحدة.

وكما قال الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن: «لا تقارنوني بالقوي، قارنوني بالبديل». وفي آسيا، لايزال «الطرف الآخر» هو التهديد المتزايد للصين، الذي لا يستطيع حلفاء الولايات المتحدة التعامل معه بمفردهم أو حتى بالتنسيق في ما بينهم في غياب الولايات المتحدة.

ويعتقد الحلفاء الأوروبيون – بشراكاتهم المكثّفة وتعرضهم لتحدٍ أقل بكثير مع روسيا – أن خيار الابتعاد عن الولايات المتحدة هو الأفضل، لكن الحلفاء الآسيويين لا يستطيعون ذلك.

ونتيجة لذلك، فبدلاً من فك الارتباط أو التحالف مع الصين، أو السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الأسلحة النووية، يضاعف حلفاء الولايات المتحدة جهودهم في التكامل معها. وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء الحلفاء يُديرون مخاطر التخلي عنهم من خلال أن يصبحوا أكثر أهمية بالنسبة للاستراتيجية الأميركية.

وتواصل اليابان السير على النهج الذي رسمه رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، الذي أعاد تفسير الدستور الياباني عام 2014 للسماح بـ«الدفاع الجماعي عن النفس» مع الولايات المتحدة، وشركاء مقربين آخرين مثل أستراليا.

وبدلاً من السعي إلى النأي بنفسها عن الولايات المتحدة في عهد ترامب، تعمل طوكيو مع واشنطن على ربط مقر قواتها المشتركة الجديد بمقر القوات الأميركية المحسّن في اليابان، وذلك للاستجابة بشكل أفضل للطوارئ الإقليمية.

ومن خلال برنامج اتفاقية «أوكوس»، لا تقتصر أستراليا على شراء غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية من فئة «فرجينيا»، من الولايات المتحدة فحسب، بل تعمل أيضاً على توسيع نطاق القوة العسكرية الأميركية في البلاد.

ويشمل ذلك عمليات تناوب رئيسة لقوات مشاة البحرية، ووحدات جوية، وغواصات في جميع أنحاء الإقليم الشمالي وغرب أستراليا. كما تستعد كانبيرا، لإنتاج الذخائر والصواريخ، من خلال مبادرة الأسلحة الموجّهة والذخائر المتفجرة التي ستُزوّد بها قوات الدفاع الأسترالية والجيش الأميركي. وتفتح الفلبين في عهد الرئيس فرديناند ماركوس الابن، مواقع جديدة للجيش الأميركي، بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز، بما في ذلك قواعد في الجزر التي تُعدّ بالغة الأهمية في حال حدوث أي طارئ يتعلق بتايوان.

وفي العام الماضي، أبحرت نيوزيلندا بأول سفينة حربية لها عبر مضيق تايوان الحساس منذ سبع سنوات، بينما أرسلت كندا في فبراير، فرقاطتها الثانية عبر المضيق في أقل من ستة أشهر.

ومن المفيد أن شخصيات بارزة في إدارة ترامب تُركز على آسيا. وكانت أول خطوة دبلوماسية لوزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، هي عقد اجتماع مع وزراء خارجية المجموعة الرباعية في اليوم التالي لتنصيب ترامب.

وقد حظي وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث بإشادة كبيرة في طوكيو ومانيلا، لالتزاماته بالتعاون الدفاعي خلال زياراته في مارس. وكانت دعوات هيغسيث لزيادة الإنفاق الدفاعي في «حوار شانغريلا» بسنغافورة في مايو الماضي، مثيرة للجدل سياسياً، لكنها لاقت صدى في المناقشات الدائرة بالفعل في طوكيو وكانبيرا. وباختصار، لا يوجد دليل على أن إدارة ترامب تُدمّر التحالفات في آسيا.  عن «الفورين بوليسي»

• اليابان وكوريا الجنوبية تواجهان حالياً تهديداً بفرض رسوم بنسبة 25%، وتشعر أستراليا بالغضب من شبح فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الصلب.

شاركها.