لابد من الاعتراف بأن قيادة حزب المحافظين في بريطانيا تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الانهيار السياسي الذي يمر به الحزب اليوم، بعد أن ارتكبت خطأ استراتيجياً جسيماً أدى إلى تدميره فعلياً.
فقد يتطلب الأمر جهداً كبيراً للقضاء على حزب سياسي ظل فاعلاً على الساحة السياسية البريطانية لما يقارب قرنين من الزمن، وكان يُعدّ الأنجح في تاريخ المملكة المتحدة.
ومع ذلك، فإن النسخة الحالية من حزب المحافظين وصلت إلى نهايتها، ويُنظر إليه الآن على أنه «حزب سابق».
نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، التي جرت الأسبوع الماضي، أكدت ذلك بشكل قاطع، حيث خسر الحزب السيطرة على جميع المجالس الـ16 التي كان يدافع عنها، وفاز برئاسة بلدية واحدة فقط من بين ستة سباقات.
تراجع التأييد
أما على الصعيد الوطني، فقد تراجعت نسبة التأييد للحزب إلى 15% فقط، وفق تقديرات هيئة الإذاعة البريطانية، وهو رقم قياسي منخفض يُضاف إلى سلسلة من النتائج الكارثية خلال السنوات الأخيرة.
وكان أداء حزب المحافظين مثيراً للشفقة، خصوصاً أنه لطالما كان يتم وصفه غالباً بأنه الحزب الطبيعي للحكومة.
هذا التراجع ليس مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لاستراتيجية فاشلة لطالما حذر كثيرون منها، مشيرين إلى أن استراتيجية «الإصلاح الخفيفة» لمحاولة تجاوز الإصلاح، ستؤدي إلى الفشل وكارثة انتخابية.
وفي يوليو 2024، وُصفت هذه اللحظة بأنها «وجودية» بالنسبة للحزب، لكن قيادته تجاهلت التحذيرات، فكانت النتيجة خسارة ساحقة.
غضب حقيقي
بعكس ما كان يحدث في الماضي، لم يعد بإمكان الحزب الانتظار لاستعادة زمام المبادرة، حيث إن الناخب البريطاني اليوم يتصرف كما يفعل المستهلك، إن خذله حزب ما، ببساطة يختار غيره.
وبالتالي، فإن حزب المحافظين، بانشغاله بالأيديولوجيا الضيقة، والحروب الثقافية، والإحساس بالاستحقاق، فشل في مواكبة هذا التحول الجذري في السلوك الانتخابي.
وبات الناخبون يرون أن الحزب يفتقر إلى الهدف والرسالة، في حين نجح حزب العمال بقيادة كير ستارمر في تقديم نفسه كرمز لـ«التغيير»، ولو لم يكن برنامجه مفصلاً بعد.
وفي ظل هذا الفراغ، بدأ كثيرون يتجهون نحو حزب «الإصلاح»، رغم حدة خطابه، لأنه يعكس غضباً حقيقياً من الواقع السياسي الراكد.
تحدٍّ صحي
وهناك من ينتقد هذه الخيارات السياسية لهؤلاء الناخبين الإصلاحيين، لكنهم مخطئون. وعلينا، بدلاً من ذلك، أن ندرك مدى سخط ملايين الناس على الوضع الراهن في بريطانيا. ويشعر هؤلاء الناخبون بأنهم سمعوا كل شيء من الحزبين الرئيسين.. وعود ضخمة وخطابات رنانة، ثم لا شيء يتغير.
فهل هذه نهاية سياسة الحزبين؟ كان من الأفضل لحزب المحافظين أن يأمل ذلك، وإلا لكانت هناك مشكلة أكبر، لأنه بالنسبة لأي حزب لم يعد له هدف حقيقي ومتميز، فإن سياستنا الحزبية الثنائية، التي يقودها نظام الفائز الأول، تعني أن المحافظين سيتم طردهم من المنافسة في كل مكان تقريباً، حتى في جنوب وجنوب غرب إنجلترا من خلال جولة الإعادة بين حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين أو الديمقراطيين الأحرار والإصلاح، وفي الشمال أيضاً من خلال جولة الإعادة بين حزب العمال والإصلاح، وفي المملكة المتحدة عموماً من خلال وجود أحزاب مستقلة.
وبمعنى ما، فإنه تحدٍّ صحي لحزب المحافظين، إضافة إلى أنه كذلك لحزب العمال، حيث يحتاج كلا الحزبين إلى تجديد وتحديث لعبته السياسية، غير أن حزب العمال على الأقل لديه منصة الحكومة كي يظهر أنه يستطيع أن يغير، لكن بالنسبة للمحافظين فإن هذا التحدي يبدو بأنه وجودي من حيث طبيعته، ويبدو أن هذه النسخة من حزب المحافظين قد انتهت كقوة سياسية في المملكة المتحدة.
مسار الحزب
وللمرة الأولى، فإنه حتى تغيير مسار الحزب ربما لن يكون كافياً لتحسين حظوظ الحزب، ولم تكن رحلة الحزب الممتعة في مأزقه السياسي مجرد ومضة عابرة، لقد كانت رحلة طويلة، على مدار أفضل جزء من عقد من الزمان، وتثبت نتائج الانتخابات المحلية لما يرقى إليه الشك أنها وصلت إلى طريق مسدود سياسياً.
وبالمعنى الحرفي، فقد أخذت الطبيعة السياسية مجراها، وحاول الحزب أن يكون النسخة «الحقيقية» من حزب الإصلاح البريطاني، ومن غير المستغرب أن يفضّل ناخبو الإصلاح الشيء الحقيقي أكثر من هذه النسخة.
وقد أدى هذا النهج إلى عزل الناخبين الوسطيين ذوي الميول المحافظة، ما دفعهم إلى التوجه إما إلى الديمقراطيين الأحرار أو حزب العمال، أو إلى حزب الخضر الذي لم يحقق أي أغلبية فائزة في أي فئة عمرية للناخبين غير تلك التي فوق السبعينات من العمر، وهذه ليست أساساً لاستراتيجية انتخابية ناجحة على المدى البعيد.
فشل كبير
قد لا يصمد حزب الإصلاح، بقيادة نايجل فاراج، طويلاً أمام تحديات الواقع السياسي، تماماً كما فشلت تجربة المحافظين في عهد بوريس جونسون.
ومع ذلك، فإن الغضب الشعبي الناجم عن انعدام المساواة الاجتماعية، وضعف الحراك الاجتماعي، سيستمر، ما لم تُقدَّم حلول سياسية حقيقية. وربما تقضي الثورة الشعبوية التي أشعلها كلا الحزبين على الجيل المقبل من السياسيين في الحزبين، وليس أحدهما فقط.
ومع ذلك، سيبقى الدافع وراءها عدم تكافؤ الفرص، وعدم قبول الحراك الاجتماعي البريطاني الضعيف بشكل مزمن، وستظل هناك حاجة إلى حلول سياسية مستقبلية.
لكن بالنسبة للوقت الراهن، فإن كل ما يمكن أن يقوم به الجيل الحالي من قيادة حزب المحافظين هو الاعتراف بمسؤوليته عن فشله الكبير، ويجب أن يتحلوا بالروح المتواضعة للاعتراف بأن استراتيجيتهم كانت خطأ كارثياً. إنها تماماً نعي سياسي للحزب، لكونهم «قتلوا» حزب المحافظين.
جاستن غريتنغ*
*عضو سابق في حزب المحافظين (2005 – 2019).
عن «الغارديان»
. «المحافظين» خسر السيطرة على المجالس المحلية الـ16 التي كان يدافع عنها، وفاز برئاسة بلدية واحدة فقط من بين 6 سباقات.
. الحزب فشل في مواكبة التحول الجذري بسلوك الناخبين مع انشغاله بالأيديولوجيا الضيقة والحروب الثقافية.