أفاد تقرير لصحيفة «رسبنسبل ستيتكرافت» أنه بينما كان الدبلوماسيون يعملون بجد للتوصل إلى اتفاقات «دايتون أكورد» في عام 1995، قدم وزير الدفاع حينها، بيل بيري النصح بقوله: «عدم التوصل إلى اتفاق خير من اتفاق سيئ». وبالنظر إلى أن حلفاء واشنطن في لندن وباريس وبرلين ووارسو، يعارضون أي نتيجة يمكن أن تؤدي إلى نهاية الحرب في أوكرانيا، وليس أي اتفاق يمكن أن يكون مرغوباً فيه.

لكن بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، لا جدوى من مساواة وهم السلام في أوكرانيا، بوقف إطلاق النار الذي لا معنى له، ولا يحل أي مشكلة في الحرب الدائرة.

وخلال هذه الأيام، تغرق أوكرانيا في مستنقع الفساد، بدءاً من أعلى مستويات الحكومة في كييف. وتبين أن إرسال 175 مليار دولار من الأموال المقترضة إلى هناك «بغض النظر عن طول المدة المفترضة»، يعدّ أكثر سوءاً من التهور.

ويرتفع الدين السيادي الوطني الأميركي إلى نحو 38 تريليون دولار، ويرتفع بمقدار 425 مليار دولار شهرياً. ويتعين على الرئيس ترامب أن يصرف انتباهه عن تمويل حروب جو بايدن، ويركز بدلاً من ذلك على الاقتصاد الأميركي المتعثر.

ويجب على ترامب إيضاح أن إصرار إدارة الرئيس السابق جو بايدن، على تقديم المساعدة لإنشاء مؤسسة عسكرية أوكرانية تهدف إلى شن حرب هجومية ضد روسيا، بدلاً من الانخراط في الدبلوماسية اللازمة لتجنّبها قبل عام 2022، كان خطأ استراتيجياً فادحاً.

ويُعتبر حلفاء واشنطن الأوروبيون مخطئين تماماً بإصرارهم على أن موسكو لا يحق لها إظهار التحدي لتهديد وجودي لها، ناجم عن حلف «الناتو» على حدودها.

ولولا المشروع الذي استمر عقوداً لنقل التكنولوجيا والمشورة والأموال إلى أوكرانيا، لما ظهر التهديد الذي تواجهه روسيا في أوكرانيا.

ويعدّ قرار ترامب الأخير بإعادة النظر في جدوى إرسال صواريخ «توماهوك» لاستخدامها في أوكرانيا، خطوة في الاتجاه الصحيح. ومثلما أن لواشنطن مصالح مشروعة في المكسيك وحوض البحر الكاريبي، حان الوقت لواشنطن للاعتراف بمصالح الأمن القومي المشروعة لموسكو في ما يتعلق بأوكرانيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الواقعة في منطقتها.

وحان الوقت لأوروبا والولايات المتحدة لإدراك أن الاستقرار في المنطقة، مصلحة الجميع، وهذا يعني عدم تشجيع أوكرانيا على حرب لا نهاية لها.

ونأمل أن يكون الرئيس ترامب قد اطلع أخيراً على مخزون الصواريخ الأميركية. ويشير تردّده في إرسال صواريخ «توماهوك» التي لا يمكن تشغيلها دون تخطيط وتنفيذ أميركي للمهام، إلى أنه وفريقه ربما طلبوا أيضاً معرفة وضع أنظمة صاروخية أكثر حيوية، مثل سلسلة صواريخ «ستاندرد»، كما أن الأرقام الدقيقة لمخزون الصواريخ الأميركية غير معروفة، لكن ينبغي على الرئيس ترامب أن يطلب إجابات مفصلة على تساؤلاته.

ومن المهم بالنسبة لترامب أيضاً أن يفهم أنه بغض النظر عن مدى الضغوط التي يمارسها على قاعدة صناعة الدفاع الأميركية لزيادة الإنتاج، فإن الجداول الزمنية للتسليم لن تتغير كثيراً. ويمتلك الطرف الذي لديه أكبر عدد من الصواريخ في البداية، فرصة ممتازة للفوز. أما الطرف الذي يمتلك عدداً أقل منها فسيخسر.

ويبدو أن القوة العسكرية الأميركية في حالة من التراجع تستلزم عدداً من العقود لإعادتها إلى وضعها السابق. ويجب على الرئيس الأميركي خلال سعيه وراء القوة العسكرية الحقيقية، ألا يخلط بين حرص كبار قادته العسكريين على الامتثال لسياساته أو أفكاره، كدليل على الولاء أو الاحترافية. وتعاني واشنطن العاصمة، نقصاً في الجنرالات المتملقين والمتبجحين الذين لا تتجاوز خبرتهم في الحرب الحقيقية – في أحسن الأحوال – مستوى الإلمام العادي دون التجارب الحقيقية.

واكتسب قائد القوات الأميركية في أوروبا وإفريقيا، الجنرال كريستوفر دوناهو، سوء السمعة عندما صرح في يونيو من هذا العام، بأن قوات الولايات المتحدة (الناتو) قادرة على الاستيلاء على منطقة كالينينغراد الروسية شديدة التحصين «في إطار زمني غير مسبوق».

وربما رحب وزير الدفاع، بيت هيغسيث أو الرئيس ترامب بهذه التصريحات. وغالباً ما تلعب العواطف دوراً أكبر مما ينبغي في صنع القرار الوطني، ومع ذلك يجب التعامل مع الجنرالات الذين ينشرون علناً مزاعم التفوق العسكري، بعين الريبة، لأن ذلك حدث من قبل.

وبعد اندلاع الحرب الكورية، أصر قائد فرقة المشاة الـ24، اللواء دين، على أن رجاله «ما عليهم سوى الظهور في ساحة المعركة، وسيختفي جيش الشعب الكوري الشمالي في التلال». ووفقاً للصحافي والمؤرخ البريطاني، ماكس هاستينغز، عندما هاجم الكوريون الشماليون فرقة دين، كانت الهزيمة الساحقة الناتجة تشبه انهيار الجيش الفرنسي عام 1940، والجيش البريطاني في سنغافورة عام 1942.

وقبل اللقاء المستقبلي مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يجب على ترامب تجاهل الادعاء الزائف بشأن ضعف الروس والادعاء «بقوة أوكرانيا» التي يروج لها المبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، ومجموعة من المحافظين الجدد في الكونغرس. وعليه أن يُولي اهتماماً لما تم الكشف عنه من حالة الجاهزية الحقيقية للقوات المسلحة الأميركية.

وقد تدفع التصريحات الصادقة، ترامب إلى إعادة النظر في دفع موسكو إلى حافة الهاوية، أملاً في تحقيق «انتصار» يمكنه إعلانه للجمهور الأميركي. ويجري تقديم تحليل للحالة الذهنية والجاهزية الحالية للبحرية الأميركية في مقالة تحمل عنوان «أزمة البحرية الكونية»، تعدّ توضيحاً أكبر للأمور. وهذه المقالة هي الأحدث في سلسلة من التحذيرات التي تعود إلى أعقاب عاصفة الصحراء وما يسمى «بعائد السلام»، حيث قال كاتب المقالة، إن «الاختلالات في كل مكان»، مشيراً إلى عدد من النقاط مثل:

– سفن القتال الساحلية التي تم إيقاف تشغيلها قبل نشرها، وهي تجربة تبلغ قيمتها 30 مليار دولار لم تستطع الصمود أمام الواقع.

– مدمرات تأخرت لسنوات، من فئة «زوموالت» التي جرى تصميمها باعتبارها ثورية الصنع، كانت معطلة عند تسلمها.

– طائرة «إف-35 سي»، رمز لخلل في عمليات الاستحواذ المشتركة.

– أحواض بناء سفن لا يمكنها صنع أو إصلاح السفن في الوقت المحدد.

ولا تقتصر المشكلات على القوات الجوية والبحرية، فوفق مصادر في الكونغرس، فإن معظم مركبات القتال البري التي يستخدمها الجيش الأميركي وسلاح مشاة البحرية غير جاهزة لدعم مهام العمليات، بسبب نقص الصيانة وقطع الغيار.

ويعدّ خوض المعارك بالقوات المتوافرة لديك أمراً لا مفر منه، لكن يجب تجنّب الصراع إذا لم تتم قيادة القوات بصورة فعالة، وتنظيمها، وتدريبها وتجهيزها بالمعدات المناسبة من أجل القتال، حتى عندما يكون العدو ضعيفاً مثل فنزويلا. وقبل أن يقرر الرئيس ترامب وحكومته البدء في صراع جديد مع فنزويلا، فإن القلق الذي يجب أن يشعر به ترامب قبل غيره، هو العجز الفكري وليس المالي.

ويجب على ترامب باعتباره القائد الأعلى للجيش، أن يُلغي العادة المؤسفة السائدة في الرتب العسكرية العليا، وهي الانصياع للأفكار الساذجة، وأن يعمل على إنشاء بديل عنها، هو مجموعة أساسية من المحترفين العسكريين ذوي النزاهة والكفاءة اللازمة، لمواجهة ما هو غير متوقع عند ظهوره.

وباختصار، إذا كانت إعادة نظر الرئيس ترامب في خيار «التوماهوك» تُشير إلى ميل جديد نحو تقييم ذاتي جاد لحدود القوة العسكرية الأميركية، فهي أخبار سارة، وخلال ذلك يتمثّل التحدي الاستراتيجي الرئيس للرئيس ترامب في عدم التدخل في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية.

وتكمن الأولوية القصوى للرئيس ترامب في استعادة الازدهار الاقتصادي الأميركي. وسيعتمد أمن الولايات المتحدة – مستقبلاً – بشكل متزايد على قوتها الاقتصادية أكثر من قوتها العسكرية. وجادل أول رئيس أميركي (جورج واشنطن) عام 1797 قائلاً: «20 عاماً من السلام إلى جانب وضعنا النائي، ستمكننا من تحدي أي قوة على وجه الأرض»، ولاتزال كلمات الرئيس واشنطن سارية. عن «رسبنسبل ستيتكرافت»

• أوكرانيا تغرق، خلال هذه الأيام، في مستنقع الفساد، بدءاً من أعلى مستويات الحكومة في كييف.

• يُعتبر حلفاء واشنطن الأوروبيون مخطئين تماماً بإصرارهم على أن موسكو لا يحق لها إظهار التحدي لتهديد وجودي لها، ناجم عن حلف «الناتو» على حدودها.

شاركها.
Exit mobile version