رام الله- في معهد الحقوق بحرم جامعة بيرزيت الفلسطينية شمال مدينة رام الله، والذي امتلأ بهوه بصور الصحفيين الشهداء، كانت الطالبة لقاء ملوح، المقبلة على عامها الثالث في دراسة الإعلام، تحمل كاميرتها على كتفها وتلتقط بين الحين والآخر صورا لزملائها الصحفيين الشهداء الذين تخطى عددهم منذ بداية الإبادة الـ238 شهيدا وشهيدة.

أما الحدث في اليوم 683 من الإبادة المستمرة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، فهو لقاء للإعلان عن الفائزين بجائزة ومنحة الشهيدة شيرين أبو عاقلة للتميز الإعلامي لعام 2025، والتي تقدمها جامعة بيرزيت سنويا.

تنتمي لقاء إلى جيل من الصحفيين الفلسطينيين الذين يتشكل وعيهم أمام صور شيرين أبو عاقلة وإرثها من جهة، ومن جهة أخرى أمام الأثمان فادحة الألم التي يدفعها الجسم الصحفي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ بداية الإبادة للإبقاء على صوت الحقيقة عاليا وواضحا.

وإلى جانب الصحفيين الشهداء، لا يزال أكثر من 50 صحفيا فلسطينيا معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قرابة النصف منهم معتقلون إداريا بحجة وجود “ملف سري”.

فعالية الإعلان عن جائزة ومنحة الشهيدة شيرين أبو عاقلة للتميز الإعلامي لعام 2025 (الجزيرة)

الصحفي مستهدف

لقاء، القادمة من قلقيلية شمال الضفة الغربية، حيث يواصل جيش الاحتلال عملياته العسكرية، تعي أن الصحفي الفلسطيني مهما كانت طبيعة عمله وأينما كان فهو مستهدف، وتدرك كذلك أن حياتها مهمة.

وبينما كانت لقاء مستغرقة في النظر إلى صور زملائها الشهداء المتدلية من السقف كأنها تهبط من السماء، تحدثت إليها الجزيرة نت، حول أثر الاستهداف الممنهج للصحافة على الأجيال الجديدة التي توشك على الانضمام للعمل الصحفي محمَلة بإرث من المسؤولية التاريخية والإنسانية المعمَدة بالدماء، فقالت “كصحفية، لست الوحيدة الموجودة في هذه البلاد وحياتي ليست أهم من حياة أهلنا في غزة، وواجبي أن أحمل الرسالة صوتا وصورة لكل من يتعرض للمعاناة”.

تحمل الأجيال المتلاحقة من الصحفيين الفلسطينيين على أكتافها واجب الاستمرار في نقل الرسالة، رغم ما يكتنف ذلك من مخاطر لا تغيب من أمام أعينهم، لكنها لا تحد من جرأتهم، وفي هذا الصدد تقول لقاء “نستمد الاستمرارية من زملائنا الشهداء، الذين كان نهجهم أن يكملوا واجبهم رغم كل التهديدات، وواجبي اليوم أن أكمل الطريق”.

وبتأثر بدا واضحا في التماعة عينيها قالت لقاء “مثلا أنس الشريف من بداية الحرب، حسيناه واحد من عيلتنا، أخونا، فاستشهاده كان مؤثر علينا كأشخاص قبل ما نكون صحفيين، احنا كبرنا على صوتهم”.

مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت قدم كتابا لقصص استشهاد 125 من الصحفيين بحرب الإبادة في غزة  (الجزيرة)

عهد أجيال

عشرات من طلبة كلية الإعلام في جامعة بيرزيت، إلى جانب أساتذتهم، جلسوا قبالة صور الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي قتلتها رصاصة قناص إسرائيلي في جنين صباح 11 مايو/أيار 2022، في انتظار الإعلان عمن سيفوز بجائزتها والتي تُخصص للعام الثاني على التوالي لصحفيي وصحفيات قطاع غزة الذين يواصلون تغطية الإبادة.

وقال رئيس جامعة بيرزيت طلال شهوان في كلمته الافتتاحية إن هذه الجائزة واستمرار الرسالة الإعلامية في فلسطين بمثابة “فعل مقاومة في وجه النسيان لروح تلهم الأجيال، ولصوت كان يدخل كل بيت في فلسطين في أصعب اللحظات ليقول لنا لستم وحدكم” مشيرا في ذلك إلى ما تركته أبو عاقلة من إرث إنساني يمس كافة الفلسطينيين لا الصحفيين فحسب.

وأضاف شهوان أن استهداف الصحفيين في غزة “ليس حدثا عابرا بل هو مخطط واضح لطمس الحقيقة وتغييب الرواية الفلسطينية لأن الاحتلال يدرك أن الصورة الخارجة من غزة أقوى من دباباته وأن كلمة الصحفي الفلسطيني في الميدان أصدق من دعايته وسرديته التي يتبدى للعالم هشاشتها وزيفها”.

وتابع أنه “بالرغم من البطش والترهيب يثبت الصحفيون الفلسطينيون كما أثبتت شيرين من قبلهم أن الحقيقة لا تُقتل وأن الصوت الحر لا يُغتال، بل يمتد صداه وتأثيره كلما حاول الطغاة إسكات أصحابه”.

آية جودة عبر زوم: شيرين أبو عاقلة ستظل دوما رمزا للحرية والصوت الذي لا يلين (الجزيرة)

فائزتان

وبحضور وليد العمري مدير مكتب الجزيرة في فلسطين رفقة مجموعة من طاقم المكتب، وممثلا عن نقابة الصحفيين، أعلن رئيس الجامعة منح الجائزة لعام 2025 للصحفية آية جودة الحاصلة على درجة البكالوريوس في الاتصال الجماهيري من جامعة الأزهر عام 2020،  والتي تعمل مراسلة في وكالة تسنيم للأنباء عن عملها “معاناة الصحفيات في الميدان”، وألقت جودة كلمتها على الحضور عبر تطبيق “زوم” من أمام مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة.

وقالت في كلمتها إنها تهدي فوزها “لأطفال فقدوا طفولتهم، وأمهات يحملن أثقالا فوق أثقال، ولروح زملائنا الشهداء” مضيفة أنه “لشرف عظيم أن يقرن اسمي باسم الصحفية القدوة شيرين أبو عاقلة التي ستظل دوما رمزا للحرية والصوت الذي لا يلين”.

وبحسب عضو لجنة التحكم في المسابقة نردين ميمي، فإن اللجنة استقبلت 18 مشاركة من قطاع غزة، وصلت واحدة منها إلى اللجنة في 30 يونيو/حزيران 2025 باسم الصحفي كنان الحناوي، والذي ارتقى شهيدا مع عائلته بعد 7 أيام من تسليم مشاركته.

أما منحة شيرين أبو عاقلة، وهي منحة دراسية سنوية  تُقدم لإحدى طالبات الإعلام المتميزات أكاديميا كتشجيع لهن، فقد منحها رئيس الجامعة للطالبة سالي عباسي من مدينة القدس، والتي قالت إن هذه المنحة بالنسبة لها ليست مجرد احتفاء بل هي مسؤولية تحملها تجاه جامعتها ووطنها، لتبقى وفية لرسالة الصحافة التي حملتها الشهيدة شيرين أبو عاقلة حين قالت “اخترت الصحافة لأكون قريبة من الإنسان”.

سالي عباس فازت بمنحة شيرين أبو عاقلة الدراسية بجامعة بيرزيت (الجزيرة)

لا مكان للخوف

وفي حديث للجزيرة نت قالت الطالبة سالي عباسي بوصفها صحفية صاعدة “لا بد لكل طَموح من قدوة تعينه على تلمس الطريق، لذلك أرى أننا لم ننقطع عن جيل العمالقة السابقين في الصحافة والذين نتعلم منهم الجرأة وأن الخوف لا مكان له، وعلينا أن نختار إما أن نكون ضحايا للجرائم أو نكون ممن يعمل على إيقافها، وبين هذا وذاك تدفعني نفسي لعدم الاكتفاء بموقف المتفرج”.

وعلى هامش الفعالية، قدم مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت للحضور كتابا توثيقيا بعنوان “الإبادة الصحفية: توثيق لقصص استشهاد 125 من الصحفيين الفلسطينيين في الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2023-2024”.

وكانت جامعة بيرزيت قد أعلنت في 12 مايو/أيار 2022 عن إطلاقها لجائزة الشهيدة شيرين أبو عاقلة للتميز الإعلامي وفاء لإرث الزميلة شيرين التي كانت قد ارتبطت بجامعة بيرزيت بعلاقة خاصة، فكانت واحدة من المدربين الإعلاميين في مركز تطوير الإعلام في الجامعة، ونقلت تجربتها لطلبة الجامعة عبر تدريسها مساقات في التقارير التلفزيونية لطلبة الإعلام.

وكانت حصلت شيرين عام 1997 على دبلوم إذاعي من مركز تطوير الإعلام في الجامعة، وألحقته دبلوما في الفوج الأول من دبلوم الإعلام الرقمي من جامعة بيرزيت عام 2020.

شاركها.
Exit mobile version