29/6/2025–|آخر تحديث: 13:56 (توقيت مكة)
قالت مجلة بوليتيس إن أيديولوجية التسريع تثبت نفسها كقوة محركة لإرهاب اليمين المتطرف، مدفوعة برؤية كارثية وعنصرية للعالم، تدعو إلى انهيار النظام لفرض مجتمع أبيض.
وأوضحت المجلة -في تقرير بقلم جولييت هاينزليف- أن مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب سلط الضوء على مفهوم “التسريع” لوصف أيديولوجية من يخططون لهجمات معادية للإسلام، وذلك أثناء محاكمة جماعة “عمل القوى العملياتية” “أفو” (Afo) اليمينية المتطرفة بتهمة تكوين “جمعية إجرامية إرهابية”.
وبدأت يوم الثلاثاء، العاشر من يونيو/حزيران، محاكمة 16 عضوا من قوات “أفو” أمام محكمة باريس الجنائية، تشمل خططهم قتل 200 إمام، ومهاجمة مساجد، وتسميم طعام حلال.
وتشكل هذه المدرسة الفكرية -وفقا لتقرير يوروبول لعام 2024- “التهديد الأكثر خطورة” بين إرهاب اليمين المتطرف، ويقول أستاذ العلوم السياسية ستيفان فرانسوا، المتخصص في اليمين المتطرف، إنها “تنظر للعمل العنيف الذي يستدعي تسريع الحركة لإفقاد النظام القائم قوته”.
وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الحركة ليست مقتصرة على أقصى اليمين، بل هي مستمدة جزئيا من الماركسية، وتتمثل إستراتيجيتها في تسريع الرأسمالية لتدميرها تحت وطأة تناقضاتها، ولكنها عند اليمين تكون “بإثارة الحرب العنصرية للوصول إلى تحقيق المجتمع المنشود، وذلك بالوقوف في وجه أسطورة “الاستبدال العظيم” التي ألهمت العديد من إرهابيي اليمين المتطرف.
ويفتخر اليمين المتطرف بموقفه الدفاعي، لأن التغيير الجذري الذي يروج له، يأتي ردا على هجوم الفيضانات الديموغرافية القادمة من أفريقيا، مما يشكل “إبادة جماعية للبيض”، حسب رأيهم.
وينبثق هذا الخطاب -حسب الكاتبة- من رؤية مستقبلية كارثية، مدفوعة بعقيدة باطنية تقدس العرق، وتعود إلى سبعينيات القرن الماضي في إيطاليا، “سنوات الرصاص”، وهي فترة توتر سياسي حاد اتسمت بالصراعات المسلحة وأعمال الإرهاب.

ظاهرة قديمة
وقد ازدهرت هذه الحركة اليمينية المتطرفة بسبب كتابين أميركيين، أولهما رواية “مذكرات تيرنر” لأندرو ماكدونالد، وهي تصف انقلاب قاده البيض في الولايات المتحدة على السود واليهود الذين يفترض أنهم سيطروا على الدولة الأميركية، وثانيهما بيان “الحصار” الذي كتبه النازي الجديد الأميركي جيمس ماسون عام 1993، داعيا إلى العنف العنصري ضد “النظام” لإرساء قومية عرقية مستوحاة من الرايخ الثالث.
وتكمن قوة هذه الجماعات في انتشارها الرقمي، إذ يقول المؤرخ نيكولا ليبورغ “بين عامي 2011 و2017، شكلت حركة المسيرة الحديدية منصة عابرة للحدود الوطنية للقوميين البيض من مختلف البلدان، وجمعت أكثر من 1600 مستخدم”، كما أسهمت تليغرام وديسكورد في اتساع نطاق الحركة جغرافيا.
ويرى ستيفان فرانسوا أن “الإنترنت يجعل المجتمعات شديدة الانسيابية، ويسمح بانتشار الأيديولوجيات المتطرفة على نطاق واسع، بحيث تنشر مجموعة نظرية على الإنترنت، ويمكن لمختلف الأشخاص الوصول إلى المنشور”، خاصة أن هؤلاء المسرعين لا قادة لهم، بل هم ذئاب منفردة متفرقة تعمل في خلايا صغيرة.
وقد سرعت الهجمات الإسلامية هذا التوجه في فرنسا، حيث نشر الإرهابي برينتون تارانت، المسؤول عن مقتل 51 شخصا في كرايستشيرش بنيوزيلندا، بيانا تسارعيا بعنوان “الاستبدال العظيم”، وفي الشهر التالي، أطلق جون إيرنست النار على شخص في كنيس يهودي في كاليفورنيا بعد نشره “رسالة مفتوحة” على المنصة نفسها.
وتبع ذلك في العام نفسه باتريك كروسيوس، الذي قتل 22 شخصا في سوبر ماركت في تكساس، وترك بيانا بعنوان “حقيقة مزعجة”، يشير إلى نص برينتون تارانت قائلا “لم يكن المجتمع الإسباني هدفي حتى قرأت كتاب الاستبدال العظيم”.
ومع ذلك، يعتقد ستيفان فرانسوا أن هذا التوجه نادر في فرنسا مقارنة بالولايات المتحدة، ومع ذلك، يحذر نيكولا ليبورغ قائلا “إذا كان إنكار وجود إرهاب اليمين المتطرف تقليدا فرنسيا، فإن حالة التسارعية أسوأ، لأنها تتجاهل ببساطة”.
الهوس بالحرب الأهلية
وفي تقرير آخر للصحيفة نفسها ذكرت الكاتبة بولين ميجفان أن الهوس بالحرب الأهلية عاد منذ بدء محاكمة 16 عضوا من منظمة “أفو” بتهمة التآمر الإرهابي في العاشر من يونيو/حزيران، وقد تحدث جميع المتهمين تقريبا عنها، كما فعلوا خلال جلسات الاستماع أثناء التحقيق.
وأورد التقرير مقتطفات من حوار بين اثنين من المتهمين تم تسجيله دون علمهما، حيث يقول دانيال ر. الملقب بتومي، وهو جندي سابق خدم في أفغانستان “بمجرد أن نرى رجلا ملتحيا يرتدي قميصا هناك، سنصفعه صفعة قوية، وإذا صادفنا فتاتين أو ثلاثا محجبات، سنصفعهن ثم نغادر”.
بمجرد أن نرى رجلا ملتحيا يرتدي قميصا هناك سنصفعه صفعة قوية، وإذا صادفنا فتاتين أو ثلاثا محجبات، سنصفعهن ثم نغادر
ثم يقول أيضا “علينا أن نضرب بشكل أعمى. ليس حتى بشكل أعمى لأنهم هم من يكشفون وجوههم. إنهم يكشفونها لأنها ليست عباءة دينية، بل عباءة سياسية.” ويجيب أوليس “أجل، لكننا في حالة حرب بالفعل. بدأت الحرب في باتاكلان (مسرح في باريس تعرض لهجوم قتل فيه 90 شخصا عام 2015)”.
ومن جانبه، قال جان س. مدرس الرياضيات السابق إنه يغير مساره عندما يرى مسلما في الشارع وأوضح أن “الوطن في خطر مميت، والشريعة الإسلامية قادمة. إذا اندلعت حرب أهلية ضد الجهاد، سيتعين علينا الرد. أعتقد أنها ستحدث قريبا جدا”.
وفي جلسات الاستماع المتتالية، لوح المتهمون بهذا الخوف واليقين بأن الحرب الأهلية قادمة، للتهرب مما يتهمهم به مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب من التخطيط لأعمال عنف تستهدف الجالية المسلمة.