طالما تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب بلهجة حادة عن الصين، فقد عاد إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، مستعداً لحرب تجارية متجددة، ومطالباً بكين بقمع تجارة عقار «الفنتانيل» غير المشروعة، التي تودي بحياة عشرات الآلاف من الأميركيين سنوياً، لكن يبدو أنه لم يخطط للرد، فالصين تُشدد نهجها تجاه إدارته.

في وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت بكين أنها ستُشدد ضوابط تصدير المعادن النادرة، حيث تعد هذه العناصر أساسية لتصنيع أشباه الموصلات، وأنظمة الأسلحة المتطورة، وغيرها من المنتجات الحيوية للأمن القومي الأميركي.

وتُنتج الصين 90% من المعادن النادرة عالمياً، والآن قد تحتاج بعض الشركات الأجنبية التي تستخدمها في منتجاتها إلى موافقة الحكومة الصينية لتصدير هذه المنتجات إلى العملاء.

تقليص الصادرات

بدأت الصين تقليص صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة في ذروة النزاع التجاري بين البلدين في أبريل الماضي. وكان فريق ترامب «القلق» يولي تأمين الإمدادات الأولوية في مفاوضاته مع الصين آنذاك، لكن خطوة هذا الشهر وضعت واشنطن في موقف دفاعي مرة أخرى، حيث قال ترامب: «لا أريدهم أن يلعبوا لعبة المعادن النادرة معنا».

بعد أيام قليلة من الإعلان بشأن المعادن النادرة، شنت بكين حملة على صناعة بناء السفن الأميركية. وفي تحقيق حديث، خلصت واشنطن إلى أن الصين كانت تنخرط في ممارسات غير عادلة للترويج لشركات بناء السفن التابعة لها.

ووفقاً لبكين، تعاونت خمس شركات مرتبطة بالولايات المتحدة تابعة لشركة بناء سفن كورية جنوبية تُدعى «هانوا أوشن» مع هذا التحقيق الأميركي. وتُعد «هانوا أوشن» مستثمراً رئيساً في بناء السفن الأميركية، وهي صناعة يسعى ترامب إلى توسيعها. وأعلنت الصين الآن عن عقوبات تمنع الشركات والمواطنين الصينيين من التعامل مع الشركات التابعة لـ«هانوا أوشن». وقد يؤدي فقدان الوصول إلى المعدات الصينية الصنع إلى إعاقة خطط الشركة لتوسيع عملياتها في الولايات المتحدة.

تدابير

وأسهمت تلك الإجراءات في نجاح تدابير أخرى قامت بها الصين في الربيع الماضي. ففي مايو، توقفت بكين عن شراء فول الصويا الأميركي، وأثرت الخسارة بشدة في المزارعين الأميركيين، الذين ينتمون إلى الدوائر الانتخابية الأساسية لترامب، ووعد ترامب منذ ذلك الحين بخطة إنقاذ من المتوقع أن تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

من المقرر أن يلتقي ترامب والرئيس الصيني، شي جين بينغ، في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية نهاية الشهر الجاري. وقد يقرر القادة الصينيون مواصلة تصعيد التوترات، وربما حتى تعطيل المحادثات وإعادة إشعال حرب الرسوم الجمركية.

وقد هدد ترامب بالفعل بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية في الأول من نوفمبر المقبل، رداً على ضوابط بكين على المعادن النادرة، وحذرت الحكومة الصينية من أنها سترد بالمثل.

تقليل التوتر

يبدو أن ترامب وفريقه حريصون على التقليل من شأن التوتر بين البلدين. وسيلتقي وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، بنظيره الصيني في الأيام المقبلة في ماليزيا، على الأرجح في محاولة لتخفيف حدة التوتر.

وقال ترامب على وسائل التواصل، بعد أن أثارت المخاوف من تجدد الصراع التجاري موجة بيع في بورصة «وول ستريت»: «لا تقلقوا بشأن الصين، كل شيء سيكون على ما يرام»، مضيفاً: «لقد مر الرئيس شي، الذي يحظى باحترام كبير، بلحظة عصيبة».

أثبت قادة الصين براعتهم في استغلال نقاط ضعف ترامب السياسية بحجب ما يريده أو يحتاجه، ما جعله في حاجة لعقد اتفاقية تجارية، على سبيل المثال، أو اتفاقية بشأن «الفنتانيل»، أو حتى استيراد فول الصويا. ولم ينجح الرئيس الأميركي في انتزاع سوى تنازل واحد من بكين والمتمثل في صفقة لإنقاذ عمليات «تيك توك» في الولايات المتحدة، من خلال ترتيب حصول المستثمرين الأميركيين على حصة الأغلبية، لكن حتى هذا قد لا يكون صفقة محسومة، إذ لم تؤكد الحكومة الصينية موافقة الرئيس الصيني.

تفاوض

ربما يستغل شي قيود المعادن النادرة وواردات فول الصويا لتعزيز نفوذه التفاوضي، ودفع ترامب إلى تخفيف ضوابط التصدير الأميركية على رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة، على سبيل المثال، أو سحب دعمه لتايوان. غير أن هذه الإجراءات تشير أيضاً إلى جانب أكثر شمولية في فهم الصين لقوتها الاقتصادية.

ويمكن استخدام القيود الجديدة على المعادن النادرة ليس فقط ضد الولايات المتحدة، بل ضد أي دولة تجرؤ على تهديد المصالح الصينية. ويمثل هذا تحولاً حقيقياً في السياسة الصينية، حيث يشير إلى استعدادها لاستخدام القوة الاقتصادية لإجبار الشركات حول العالم على العمل بما يخدم مصالح بكين.

وربما تأتي هذه الخطوة بنتائج عكسية بسهولة، فقد يسعى الشركاء التجاريون إلى إقصاء الصين من سلاسل التوريد العالمية إذا ما وجدوا أن الوصول إلى المنتجات الصينية الحيوية أصبح غير موثوق. لكن هذه مخاطرة قد تكون بكين مستعدة لخوضها في عالم تحدد فيه العلاقات الاقتصادية العالمية بالمنافسة أكثر من التكامل. وقد يكتشف ترامب، برسومه الجمركية وتهديداته، أن أي قرارات يتخذها لها عواقب.

اتفاق عادل

قال ترامب في برنامج «مورنينجز ويذ ماريا» على شبكة «فوكس بيزنس» تم تسجيله الأسبوع الماضي: «أعتقد أننا سنكون على ما يرام مع الصين، لكن يجب أن يكون لدينا اتفاق عادل، ويجب أن يكون عادلاً».

وبينما كان يستعد لتناول الغداء في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمناقشة جهود إنهاء الحرب مع روسيا، قال ترامب: «تريد الصين التحدث، ونحن نحب التحدث مع الصين».

وساعد هذا التخفيف في اللهجة وتأكيد عزمه الاجتماع مع الرئيس الصيني على الحد من الخسائر المبكرة التي تكبدتها «وول ستريت» الأسبوع الماضي. وفي غضون ذلك، ارتفع أداء البورصة مع تقييم المستثمرين الإيجابي لتصريحات ترامب بشأن الصين.

من ناحيتها، حثت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، نجوزي أوكونجو إيويالا، البلدين (أميركا والصين) على تهدئة التوتر التجاري، محذرة من أن الفجوة بين أكبر اقتصادين في العالم قد تقلل من الناتج المحلي الإجمالي العالمي 7% على المدى الطويل.

وقالت إيويالا، في مقابلة مع «رويترز»، إن المنظمة قلقة للغاية بشأن هذا التصعيد، مشيرة إلى أنها تحدثت مع مسؤولين من كلا البلدين للتشجيع على المزيد من الحوار.  عن «ذي أتلانتك»

قواعد الامتثال

شددت الصين ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة بداية أكتوبر الجاري، لتضيف خمسة عناصر جديدة ومزيداً من التدقيق على مستخدمي أشباه الموصلات في إطار تشديد بكين الرقابة على القطاع قبل المحادثات المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ.

والصين أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة في العالم، وأعلنت عن قواعد تتطلب الامتثال من منتجي المعادن الأرضية النادرة الأجانب الذين يستخدمون المواد الصينية.

يأتي ذلك في أعقاب دعوة المشرعين الأميركيين إلى فرض حظر أوسع على تصدير معدات تصنيع الرقائق إلى الصين.

وتوسع القائمة نطاق الضوابط التي أعلنتها بكين في أبريل، إذ تسببت بنقص في أنحاء العالم، قبل أن تخفف سلسلة من الاتفاقات مع أوروبا والولايات المتحدة من أزمة الإمدادات.

وقال مسؤول في البيت الأبيض لوكالة «رويترز»: «يقيم البيت الأبيض والوكالات ذات الصلة أي تأثير للقواعد الجديدة من كثب، والتي أُعلن عنها فجأة في محاولة واضحة لفرض السيطرة على سلاسل إمدادات التكنولوجيا حول العالم».

وتستحوذ الصين على الحصة الكبرى من العناصر الأرضية النادرة المعالجة والمواد المغناطيسية. وتُعد العناصر الأرضية النادرة، وعددها 17، موادَّ حيوية في منتجات منها السيارات الكهربائية ومحركات الطائرات والرادارات العسكرية.

• قادة الصين أثبتوا براعتهم في استغلال نقاط ضعف ترامب السياسية بحجب ما يريده أو يحتاجه، ما جعله بحاجة لعقد اتفاقية تجارية.

• الصين بدأت تقليص صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة في ذروة النزاع التجاري بين البلدين خلال أبريل الماضي.

شاركها.
Exit mobile version