يبدو أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد هدأت ولو لبعض الوقت، فقد كان الاجتماع الأخير بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية، نقطة تحول مهمة.

وأثار إعلان الصين قبل أسابيع عن ضوابط تصدير المعادن النادرة مخاوف مألوفة في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن أخرى بشأن نقاط ضعف سلاسل التوريد، والتبعيات التكنولوجية، والمخاطر الجيوسياسية.

وزُرعت بذور هذه الأزمة قبل عقود، عندما انتقل إنتاج ومعالجة المعادن النادرة إلى الصين لرخص التكاليف، وقلة القيود البيئية.

ومن خلال الاستعانة بمصادر خارجية تحمل العبء البيئي لإنتاج المعادن النادرة مقابل مواد رخيصة، خلق المشترون الأجانب تبعية هيكلية أصبحت منذ ذلك الحين محفوفة بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية.

وقد استفادت دول كثيرة من انخفاض الأسعار، بينما كانت تبني تقنياتها العسكرية عالية التقنية، والآن صناعاتها الخضراء، على أسس غير مستقرة للغاية.

لمواجهة هذه المخاطر الجيوسياسية وتنويع سلاسل توريد المعادن النادرة، وقعت الولايات المتحدة وأستراليا اتفاقية جديدة بقيمة 8.5 مليارات دولار في 20 أكتوبر الماضي، بعد أشهر عدة من المفاوضات.

وفي تعليقه على الصفقة، قال ترامب إنه «بعد عام تقريباً من الآن، سيكون لدينا وفرة من المعادن الأساسية والمعادن النادرة، لدرجة أننا لن نعرف ماذا سنفعل بها»، مشيراً إلى أن «قيمتها ستبلغ دولارين».

إمدادات كافية

تبدو هذه التقديرات بعيدة كل البعد عن الواقعية، حيث سيستغرق الأمر سنوات، بل قد يصل إلى عقد من الزمن، لتوفير إمدادات كافية. وفي الواقع بدلاً من أن تصبح المعادن النادرة أرخص، فإنها تزداد تكلفة مع سعي الدول إلى تنويع سلاسل التوريد.

ويصاحب بناء مناجم جديدة ومنشآت تكرير ومصانع معالجة في مناطق مثل أستراليا والولايات المتحدة وأوروبا، تكاليف أعلى بكثير، ولوائح بيئية أكثر صرامة، وعمالة وتدابير طاقة أكثر تكلفة.

وتحظى مشروعات استخراج المعادن النادرة التي كانت غير مجدية سابقاً بسبب انخفاض الأسعار بالاهتمام الآن، لكنها تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي، وعقود الشراء المضمونة، أو الطلب المرتبط بالدفاع.

والنتيجة هي أسعار آخذة في الارتفاع لا في الانخفاض، وهذا يعني أن التنويع يضيف الأمان والمرونة، لكنه لا يقلل التكلفة.

هناك بالفعل مؤشرات واضحة على ارتفاع الأسعار، وعلى وجود استعداد لدفع التكاليف المرتفعة لتأمين الإمدادات، فعلى سبيل المثال، اتخذت وزارة الحرب الأميركية خطوة استثنائية في يوليو بتوقيع اتفاقية شراء لمدة 10 سنوات مع شركة «إم تي ماتيريلز» الأميركية، تضمن حداً أدنى للسعر يبلغ 110 دولارات للكيلوغرام لـ«أكسيد النيوديميوم-براسيوديميوم»، وهي مادة أساسية لتصنيع المغناطيس. وكان هذا السعر ضعف سعر السوق الصينية تقريباً، الذي بلغ نحو 60 دولاراً للكيلوغرام في ذلك الوقت.

كما أن السعر المستقبلي المتوقع من ترامب وهو دولاران فقط، سيمثل مشكلة كبيرة من وجهة نظر كل من المستثمرين والحكومات التي تمول عقود التعدين الجديدة بمئات الملايين من الدولارات الأميركية، وسيجعل ذلك من المستحيل على المستثمرين استرداد الاستثمارات اللازمة لتطوير وتشغيل مشروعات التعدين والتكرير الجديدة، ما يقوض فعلياً الجدوى المالية لأي سلسلة توريد غير صينية.

حقوق توريد

في عام 2023، استحوذت الحكومة اليابانية، من خلال منظمة اليابان للمعادن وأمن الطاقة، على حصة 65% من حجم إنتاج أستراليا.

واستثمرت نحو 131 مليون دولار، في شركة «ليناس للمعادن النادرة»، من أجل دعم مشروعات نمو الإنتاج. وتمنح الاتفاقية اليابان حقوق توريد أولوية حتى عام 2038.

ولعبت منظمة اليابان للمعادن وأمن الطاقة دوراً محورياً بعد أن فرضت الصين قيودها على تصدير المعادن النادرة عام 2010، ما ساعد في تمويل «ليناس للمعادن النادرة» في أستراليا وماليزيا.

وساعدت هذه الخطوة اليابان على تنويع إمداداتها من المعادن النادرة بعيداً عن الصين، لكنها جاءت بتكلفة أعلى.

وفي وقت أصبحت الحكومات والمشترون الصناعيون على استعداد لدفع مبالغ إضافية بشكل متزايد، سيتعين على أسعار المعادن النادرة المستقبلية أن تأخذ في الاعتبار تكلفة الإنتاج الموثوق والشفاف والمسؤول بيئياً.

حتى الآن كانت التكاليف الحقيقية للتلوث البيئي والآثار الصحية يتم تحمُلها محلياً فقط، بدلاً من تسعيرها في مواد أو منتجات العناصر الأرضية النادرة، وقد خلقت المعايير البيئية والعمالية الصارمة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فجوة في التكلفة البيئية، والتي كانت رادعاً رئيساً للاستثمار الغربي في إمدادات العناصر الأرضية النادرة على مدى العقد الماضي.

وقد خدمت صناعة تعدين ومعالجة العناصر الأرضية النادرة في الصين الأسواق العالمية بشكل رئيس حتى فُرضت قيود التصدير الأخيرة، حيث كان ما يصل إلى ثلاثة أرباع إنتاجها مخصصاً للتصدير.

وفي عام 2015 قدر الباحثون التكلفة البيئية السنوية والمرتبطة بهذه الصادرات بنحو 5.4 مليارات دولار، ما يعكس التلوث الكبير والضرر البيئي الذي تتحمله الصين محلياً في أماكن مثل بايان أوبو، وهي منطقة تعدين تقع على بعد 150 كيلومتراً شمال باوتاو في مقاطعة منغوليا الداخلية، أو مقاطعة جيانغشي، وهي مركز صناعي لصهر العناصر الأرضية النادرة الأيونية.

العبء البيئي

إدراكاً منها للعبء البيئي الناتج عن صناعة المعادن النادرة، عمدت الصين في السنوات الأخيرة إلى تشديد اللوائح البيئية، كما نقلت بعض عمليات تعدين ومعالجة المعادن النادرة شديدة التلوث إلى ميانمار التي مزقتها الحرب، ما أدى إلى آثار وخيمة على البيئة والموارد المائية هناك.

إذا كان المشترون يبحثون عن أرخص المعادن النادرة، فإن ميانمار أصبحت الوجهة الأمثل للحصول عليها على حساب حقوق الإنسان وحماية البيئة والاستقرار الإقليمي.

إن جهود تنويع الإنتاج وإعادة تصديره ستعني حتماً قبول بعض الآثار البيئية في الداخل، لكن يجب أن يتم ذلك وفقاً لأعلى معايير البيئة والسلامة، وهي ضرورية لتقليل الضرر.

ومع ذلك ستؤدي هذه المعايير إلى رفع تكاليف التشغيل، ما يؤكد أن سلسلة توريد المعادن النادرة المرنة والمسؤولة تأتي بتكلفة أعلى لكنها ضرورية. ويجب أن تتضمن عقود تعدين ومعالجة المعادن النادرة الجديدة بشكل صريح التزامات الامتثال البيئي والاستدامة. وغالباً ما تنتج معالجة المعادن النادرة نفايات مشعة وخطرة كمنتج ثانوي لعمليات التخصيب. عن «فورين بوليسي»


مواد ثانوية ونفايات

توجد المعادن النادرة في مجموعة واسعة من المواد الثانوية والنفايات، وتوجد أيضاً في مخلفات احتراق الفحم، مثل الرماد المتطاير.

وتشير دراسة أجراها باحثون من جامعة تكساس الأميركية، وهي أول تقييم وطني شامل، إلى أن رماد الفحم في الولايات المتحدة يحتوي على ما يصل إلى 11 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة المتاحة، أي ما يقارب ثمانية أضعاف الاحتياطيات المحلية للبلاد. ويمكن أن يمثل هذا المورد الثانوي ما قيمته نحو 8.4 مليارات دولار من المعادن النادرة.

• صناعة تعدين ومعالجة العناصر الأرضية النادرة في الصين خدمت الأسواق العالمية مع تخصيص ثلاثة أرباع إنتاجها للتصدير.

شاركها.
Exit mobile version