في عام حاسم للانتخابات بالقارة الإفريقية، تحدثت ثلاث نساء تولين مناصبهن في 2024، عن العقبات التي يرينها في السياسة، وأين يمكن للمرأة تحقيق المكاسب.
وخلال العام الماضي ذهبت 18 دولة من أصل 54 في إفريقيا إلى صناديق الاقتراع لانتخابات رئاسية أو عامة، ما يجعل 2024 عاماً مهماً في القارة.
وكانت هناك آمال كبيرة في تجديد الالتزام بالحكم العادل والشفافية والتمثيل المتساوي، وعلى وجه الخصوص انعقدت الآمال في المشاركة السياسية للمرأة، وانتخاب مزيد من النساء لشغل مناصب لتشكيل سياسات تعالج احتياجات السكان في القارة السمراء.
طريق طويل
وكشفت الإحصاءات المتعلقة بتمثيل النساء في البرلمان قدراً أكبر من التفاؤل، فقد ارتفعت نسبة عضوات البرلمان في إفريقيا بشكل طفيف من 25% عام 2021 إلى 26% حتى يوليو 2024، ما يشير إلى أن الطريق إلى البرلمان لايزال شائكاً أمام النساء الإفريقيات.
وأسفرت الحصص الرامية إلى تعزيز تمثيل المرأة عن نجاحات ملحوظة في بلدان مثل رواندا وجنوب إفريقيا والسنغال وتنزانيا، لكن هذه الزيادة التي بلغت نقطة مئوية واحدة، تكشف عن أن الطريق لايزال طويلاً لتحقيق المساواة في المشاركة السياسية بالنسبة للمرأة الإفريقية.
إن كسر الحواجز أمام النساء يتطلب أكثر من مجرد إصلاحات سياسية، فهو يتطلب تحولاً ثقافياً في المواقف المجتمعية، وتطبيقاً أقوى لتدابير المساواة بين الجنسين، ودعوة دؤوبة لضمان مشاركة المرأة بشكل كامل في الساحة السياسية.
وللكشف عن مزيد من التفاصيل في هذا الموضوع تم توجيه سؤال واحد لثلاث سياسيات من السنغال وموزمبيق وجنوب إفريقيا عن كفاحهن للوصول إلى البرلمان في عام 2024، والتغيير الذي يأملن إحداثه.
السنغال
تحدثت السنغالية، تيريز فاي ديوف (43 عاماً)، في بداية تعليقها عن ذكرى لا تنساها أبداً خلال ترشحها لمنصب عمدة مدينة، قائلة: «في اجتماع عقدته مع المجتمع المحلي، كان هناك رجل عجوز أكد أنه سيكون من الصعب عليه للغاية دعم مرشح يرتدي أقراطاً ذهبية، حيث كانت هذه طريقته في الحديث، إنه لا يريد عمدة امرأة، لكن بعد انتخابي عاد ليقول إنه نادم على كلماته، وأدرك أن النساء أكثر فاعلية من الرجال في ما يتعلق بالحكم».
وأضافت ديوف: «في نوفمبر، انتُخبت للمرة الأولى واحدة من 73 امرأة في برلمان مكوّن من 165 عضواً، وهي أعلى نسبة في غرب إفريقيا، هذه علامة صغيرة على التقدم، حيث لم يكن هناك سوى أربع نساء في مجلس الوزراء التنفيذي المكوّن من 34 شخصاً والمعين في أبريل».
وتابعت: «يعرفني أطفالي الستة باعتباري والدتهم، لكن ناخبيّ في دياري بمنطقة فاتيك جنوب غرب السنغال، يعرفونني باعتباري أمّ مجتمع دياري، فقد كنت رئيسة بلديتهم من عام 2014 إلى عام 2022، وكنت أول امرأة تُنتخب لهذا المنصب، كما شغلت سابقاً منصب وزيرة لشؤون المرأة وتنمية المجتمع والمساواة الاجتماعية في ظل حكومة الرئيس ماكي سال السابقة».
تحديات
وأوضحت ديوف: «بعد دراسة علم الاجتماع في الجامعة، عملت مساعدة تشريعية ثم ترأست وكالة لرعاية الطفولة المبكرة، وكان والدي، وهو شرطي، متردداً في البداية في السماح لي بالمشاركة في السياسة، وواجهت تحديات أخرى، لكن تعدد المهام ساعدني كثيراً، حيث جمعت بين العمل والأوساط الأكاديمية والسياسة، ودافعت عن أطروحتي للماجستير بعد أسابيع قليلة من الولادة».
وذكرت أنه في مارس 2011، اتهمتها الحكومة بالمشاركة في انقلاب فاشل، لكن تمت تبرئتها، مشيرة إلى أن ابنتها كانت تبلغ ستة أشهر فقط في ذلك الوقت.
وقالت ديوف: «بصفتي وزيرة لشؤون المرأة، دفعت بمشروع قانون للحماية الاجتماعية، لكن بعد أن تركت منصبي، لم يتطرق إليه أحد»، مضيفة: «بصفتي عضواً في البرلمان عن حزب التحالف من أجل الجمهورية، يمكن أن تكون هذه فرصة لي لإعادة طرحه على الطاولة، سأدفع أيضاً من أجل حصول النساء على الأراضي.. يجب أن تكون هذه الأشياء محل اهتمام الحكومة، ويجب أن نركز على التعليم الأساسي، وحثّ الشباب على تبني احترام المثقفين، لاختيار الأفضل».
موزمبيق
من جهتها، قالت روتي مانجاتي (56 عاماً) من موزمبيق: «رسالتي إلى النساء والفتيات هي أنهنّ إذا أردن التغيير في هذا البلد، فيجب عليهن النضال من أجله، والنضال يعني المشاركة السياسية».
وأوضحت: «في أكتوبر ترشحت للمرة الثانية لعضوية البرلمان عن حزب بوديموس في مدينة مابوتو، لم نفز بأي مقعد في انتخابات عام 2019، لكننا الآن أكبر حزب معارضة.. نحن في حزب (بوديموس) نشعر بخيبة أمل إزاء حزب فريليمو الحاكم، فقد أصبحت بلادنا في حالة صعبة بسببه، فهناك طبقة ترى نفسها سيدة للآخرين، حيث إن حزب (فريليمو) هو الذي يحكم فقط لصالح هذه الطبقة وليس لصالح البلاد».
وأضافت: «لدينا موارد طبيعية، لكن الناس لا يستفيدون منها على الإطلاق، فعلى سبيل المثال لدينا كثير من الخشب، غير أن هناك أطفالاً يجلسون على الأرض في المدرسة بسبب نقص المقاعد، كما أن لدينا كثيراً من الغاز، لكن العديد من الموزمبيقيين لايزالون غير قادرين على الطهي بالغاز، ولدينا أيضاً محطة (كاهورا باسا) للطاقة الكهرومائية، لكن الطاقة باهظة الثمن للغاية».
تجربة مريرة
وتابعت مانجاتي: «إن أعظم أحلامي هو أن تذهب النسبة الأكبر من مواردنا المستخرجة إلى الشعب الموزمبيقي، وطموحي هو أن أصبح رئيسة برلمان متوازن سياسياً، حيث تستطيع كل الأحزاب مناقشة القوانين وإقرارها بالإجماع، لصالح الشعب».
وبيّنت: «النساء في موزمبيق يشغلن 43% من المقاعد البرلمانية، وآمل أن يستمر هذا، لأن لدينا ما نقوله في الساحة السياسية.. لا أعاني أي تمييز في حزب (بوديموس)، وهناك فرص وحقوق متساوية، لذلك لم أشعر قط بالحرمان لأنني امرأة».
وقالت: «مررت بتجربة مريرة للغاية خلال انتخابات عام 2024، وهو ما يوضح مدى صعوبة العمل السياسي في موزمبيق عندما تتسم الانتخابات بالمخالفات، كما شهدت تبادل الاتهامات والتلاسن في أحد مراكز الاقتراع في مابوتو، حيث ذهبت لمراقبة عملية فرز الأصوات».
جنوب إفريقيا
بدورها، قالت ستيف ليتسيكي (38 عاماً) من جنوب إفريقيا: «عندما وصلت إلى مرحلة المراهقة، كنت عضواً في رابطة الشباب التابعة للمؤتمر الوطني الإفريقي (أكبر حزب سياسي في جنوب إفريقيا)، لكنني لم أظل نشطة كشخص بالغ، لأن العمل الذي كنت أقوم به كناشطة في حركة العدالة الاجتماعية كان في الواقع يحاسب الدولة. لقد رأيت الإهمال السياسي، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا النوع الاجتماعي، وقضايا المرأة، والفئات الضعيفة»، متسائلة: «هل نسمح بإهدار النضال الذي خاضه المؤتمر الوطني الإفريقي وغيره، والحرية التي ناضلوا من أجلها؟».
وأضافت ليتسيكي: «عندما ترشحت للجنة التنفيذية الوطنية في عام 2022، كنا نعلم أننا بحاجة إلى حملة قوية، لكنني لم أنجح في ذلك العام، غير أن قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي كانت مستعدة لتغيير جذري وتعزيز نشاطها».
وأوضحت: «في يناير 2023، كنت من بين أربعة أشخاص تم جلبهم إلى اللجنة التنفيذية الوطنية لضمان تمثيل القيادة للمجتمع في جنوب إفريقيا، وفي مايو 2024 انتُخبت في البرلمان ممثلة للمؤتمر الوطني الإفريقي، وفي يوليو تم تعييني نائباً لوزير شؤون المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة».
اسم رجل
وتابعت ليتسيكي: «أستخدم اسمي الأول (ستيف) لأنني حصلت عليه عندما كنت لاعبة كرة قدم، لذا فإن الكثير من الناس يرتبكون، ويتساءلون: ستيف؟ هل هو رجل؟ أنا لا أعرّف نفسي كرجل ولن أفعل ذلك أبداً، كنت أتعرض لكثير من سوء تحديد الجنس، ويجب عليّ دائماً تصحيح ذلك، كما كانت هناك تعليقات تنمر ضدي عبر الإنترنت، ويعرف الناس أنني لا أتحمل الهراء، وسأتولى أمرهم، وسأتحداهم، ولن أترك أي شيء دون أن أغيّره، وإذا كان الأمر خطأ، فهو خطأ ويجب أن يُنتقد».
وقالت ستيف: «في الوزارة، لا يحق لك أن تبعد نفسك من المجتمع، بل عليك أن تصبح تلك الحكومة الناشطة، وعندما تحدث صراعات، أقدّم المساعدة لكل من يحتاج إليها، مجرد أشياء بسيطة مثل هذه، لأنها أشياء ذات مغزى.. طموحي هو أن يتمكّن أهل جنوب إفريقيا من الازدهار، وأن يتمكّنوا من رؤية أنفسهم كجزء من التغيير». عن «الغارديان»
تفاوت كبير بين الجنسين
لأكثر من عقد من الزمن، كانت منظمة حقوق الإنسان «دعونا نجعل كل امرأة مهمة»، تتابع المشاركة السياسية للمرأة في جميع أنحاء إفريقيا.
ولسوء الحظ لم ترَ تلك المنظمة التقدّم الذي كانت تأمله خلال العام الماضي، حيث كان هناك ثلاث نساء يشغلن منصب رئيس دولة في جميع أنحاء إفريقيا خلال عام 2014، بينما في عام 2024 كانت هناك اثنتان فقط هما: رئيسة تنزانيا، سامية سولوهو حسن، ونيتومبو ناندي ندايتواه التي أصبحت أول رئيسة منتخبة لناميبيا في الثالث من ديسمبر الماضي.
وكانت ندايتواه المرأة الوحيدة بين 15 مرشحاً، ما يؤكد التفاوت الكبير بين الجنسين في التنافس على المناصب العليا. غير أن غانا حققت نصراً تاريخياً للمرأة بانتخاب البروفيسورة نانا جين أوبوكو أجييمانغ نائبة للرئيس للمرة الأولى.
تضاريس وعرة أمام السياسيّات الإفريقيات
من بين النساء الإفريقيات اللاتي كسرن الحواجز رئيسة ليبيريا السابقة، إلين جونسون سيرليف، والرئيسة السابقة لمالاوي، جويس باندا، ورئيسة موريشيوس، أمينة غريب فقيم، والرئيسة المؤقتة السابقة لجمهورية إفريقيا الوسطى، كاثرين سامبا بانزا، لكن بالنسبة لمعظم النساء الإفريقيات فإن التضاريس السياسية وعرة للغاية، بحيث يصعب عليهن الصعود للمناصب السياسية العليا.
وقليلات هنّ من يقمن بهذه الرحلة، حيث يدركن أن زملاءهن من الرجال قد يحاولون تقويض مساعيهن.
وفي محاولتهن لتولي مناصب قيادية، يمكن للنساء الإفريقيات المؤهلات أن يتوقعن مواجهة هجمات قائمة على النوع الاجتماعي.
وقالت عضو مجلس الشيوخ النيجيرية السابقة، ليليان إكوونيف، إن المقترحات التي يطرحها كبار شاغلي المناصب من الرجال، شرطاً مسبقاً لدخول المجال، غير مقبولة، مشيرة إلى أن هذا تكتيك استخدمه الرجال لسنوات لإثناء النساء عن دخول المعترك السياسي.
. 3 سياسيّات من السنغال وموزمبيق وجنوب إفريقيا، يروين قصصهن عن كفاحهن للوصول إلى البرلمان في عام 2024.
. نسبة عضوات البرلمان في إفريقيا ارتفعت بشكل طفيف من 25% في عام 2021 إلى 26% حتى يوليو 2024.