مراسلو الجزيرة نت
15/6/2025–|آخر تحديث: 17:19 (توقيت مكة)
طرابلس– في مشهد غير مألوف منذ أكثر من 17 عاما، تحولت قافلة “الصمود المغاربية” إلى إحدى أكبر المبادرات التضامنية الشعبية المتجهة نحو قطاع غزة، بمشاركة واسعة من ناشطين من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ورغم انطلاقتها بزخم شعبي واسع، اصطدمت القافلة بمفاجآت غير متوقعة عند تخوم الانقسام السياسي الليبي، إذ وجدت نفسها محاصرة داخل الأراضي الليبية، في تحد جديد للتضامن الشعبي العربي.
انطلقت القافلة وسط أجواء من الحماسة، تضم نحو 15 حافلة كبيرة وأكثر من 150 سيارة محملة بمساعدات إنسانية وطبية، وعلى متنها قرابة 1500 مشارك من دول المغرب العربي. وقد لقيت ترحيبا واسعا من سكان الغرب الليبي، خاصة في طرابلس ومصراتة.
ووفرت السلطات في الغرب الليبي للقافلة التسهيلات اللوجستية اللازمة، من وقود وإمدادات وغذاء، فضلا عن التأمين الكامل لمسار القافلة.
ولكن هذا الزخم الشعبي اصطدم بعقبة مفصلية مساء الخميس12 يونيو/حزيران، حين أوقفت قوات الأمن التابعة لـ”القيادة العامة” في شرق ليبيا القافلة عند بوابة الثلاثين غرب مدينة سرت، بدعوى عدم صدور تعليمات أمنية من بنغازي تسمح لها بالعبور، رغم بيان رسمي سابق أصدرته وزارة الخارجية في حكومة “الاستقرار” بشرق ليبيا رحّب بالمبادرة وأهدافها.
حصار داخلي
وحسب عضو في تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، فإن التصريحات الرسمية المرحبة لم تترجم على الأرض، إذ وُضعت القافلة تحت حصار فعلي، فقد مُنعت عنها الإمدادات الغذائية والطبية بعد اليوم الأول من التوقيف، كما منع المشاركون من التحرك أو التزود بالمؤن، في وقت أجبر فيه بعضهم على التراجع نحو بوابة الخمسين دون السماح لهم بالعودة.
ورغم طلب السلطات في الشرق الليبي عقد لقاء مع ممثلين عن القافلة، فإن الاتصالات انقطعت بشكل مفاجئ، مما أثار الغموض بشأن مستقبل المبادرة ومصير المشاركين.
وقال عضو في تنسيقية مصراتة -فضل عدم كشف هويته- للجزيرة نت إن القافلة لم تُواجه مجرد عرقلة، بل تعرضت أيضا لانتهاكات أمنية متصاعدة، شملت اعتقال 4 مشاركين بسبب نشرهم فيديوهات توثق ظروف التوقيف القاسية.
وأضاف أن الجهات الأمنية نصبت نقطة تفتيش جديدة لمنع أي دعم لوجستي أو غذائي من الوصول، في حين تمت مصادرة أجهزة الإنترنت المحمولة، واستخدام أجهزة تشويش متقدمة لعزل المشاركين عن العالم الخارجي.
وأشار العضو إلى أن المشاركين حُرموا من النوم بفعل الإضاءة الكاشفة المتواصلة طوال الليل، وتحدث عن مضايقات لفظية وتحرشات طالت النساء المشاركات، مما أثار قلق منظمات مدنية كانت تتابع أو تدعم القافلة.
في المقابل، أقامت تنسيقية مصراتة نقطة دعم قرب آخر بوابة أمنية تتبع حكومة الوحدة، لتقديم المساعدة للمنسحبين قسرا، بينهم مصابون بنوبات مرضية بسبب الأوضاع القاسية.
مصير مجهول
في بث مباشر مساء السبت14 يونيو/حزيران، أعلن أحد ممثلي القافلة من موقع التوقيف رفضهم التفاوض مع السلطات قبل الإفراج عن المعتقلين الأربعة، كاشفا عن وجود قافلة ثانية مرابطة قرب بوابة الخمسين في انتظار الالتحاق بالقافلة الأساسية حال الاستجابة للمطالب.
لكن حتى اللحظة، لا يزال الاتصال بالقافلة مقطوعا، وسط محاولات خجولة من بعض الجهات الليبية للتدخل ورفع الحصار الأمني عنها، دون نتائج ملموسة.
وتأتي هذه المبادرة في سياق تصاعد موجة التضامن الشعبي العربي مع غزة، التي تخضع لحصار إسرائيلي خانق منذ أكثر من 17 عاما، وتفاقم عقب عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ردت عليها إسرائيل بشن حرب إبادة ضد المدنيين وإغلاق المعابر البرية والبحرية ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود.
وأدى ذلك إلى شلل شبه كامل في القطاع، حيث انهارت البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتوقفت الكهرباء والمياه، وانهارت المنظومة الصحية، في ظل أوضاع إنسانية وصفتها منظمات أممية بالكارثية.
ويرى مراقبون أن غزة تعلق آمالا على مبادرات مثل قافلة الصمود، لكن هذه المبادرات تجد نفسها عالقة خلف أسوار عربية، وتواجه عراقيل لا تقل وطأة عن تلك التي تفرضها سلطات الاحتلال، مما يطرح تساؤلات عن جدوى الدعم الشعبي العربي إذا ظل أسير الانقسامات والخطوط الحمراء السياسية.