2/7/2025–|آخر تحديث: 17:23 (توقيت مكة)
قبل 5 أشهر فقط، ومن خلال منشور واحد على وسائل التواصل الاجتماعي، عرّض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حياة نصف مليون شخص في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية للخطر، حين أعلن عن إغلاق وكالة التنمية الأميركية التي تعد أكبر جهة مانحة للمساعدات في البلاد.
ولكن قبل أيام فقط، في العاصمة الأميركية واشنطن، أعلنت الإدارة ذاتها عن نجاحها في إخراج الشعب الكونغولي من صراع دام استمر عقودا، وغالبا ما يُوصف بأنه الأكثر دموية منذ الحرب العالمية الثانية. ففي هذا العام وحده، قُتل آلاف الأشخاص، ونزح مئات الآلاف.
وبينما رحّبت واشنطن بالاتفاق واعتبرته “إنجازا دبلوماسيا”، فإنه ميدانيا تحيط به شكوك كثيرة بين السكان والمراقبين بشأن مدى جدواه وتأثيره الحقيقي.
يقول مايكل أوديامبو، خبير السلام في منظمة إيرين، إن الاتفاق لم يغيّر الكثير في حياة الناس العاديين في شرق الكونغو، حيث خسر آلاف النازحين سبل الوصول إلى المياه بعد قرار واشنطن خفض الدعم، مشيرًا إلى أن السكان ينتظرون أفعالًا ملموسة.
ويضيف أوديامبو أن حالة القلق تسود أوساط القاطنين بمناطق تسيطر عليها مجموعات مسلحة مثل إم23، خصوصا أن بعضهم ينظر إلى الدور الأميركي باعتباره تدخلا لفرض “سلام بالقوة”، يُخشى أن ينتهي بتجدد العنف تحت ذرائع اقتصادية.
اتفاق تاريخي؟
وصف وزير الخارجية الرواندي، أوليفييه ندهونغيريهي، الاتفاق بأنه “نقطة تحول” في مسار العلاقات بين البلدين، في حين رأت نظيرته الكونغولية، تيريز كاييكوامبا فاغنر، أن الاتفاق لا يمكنه محو الألم الذي خلفته سنوات الحرب، لكنه قد يمنح الناس شيئا من الأمان والكرامة والأمل.
أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي رعى الاتفاق فقد اعتبر نفسه جديرا بالإشادة لدوره في جمع الطرفين، بل ذهب إلى حد القول إنه يستحق جائزة نوبل على هذا الإنجاز.
ويقضي الاتفاق بانسحاب آلاف الجنود الروانديين من أراضي الكونغو خلال 3 أشهر، وتشكيل آلية تنسيق أمني مشترك خلال 30 يوما، إلى جانب إطلاق إطار للتكامل الاقتصادي الإقليمي في غضون 90 يوما.
كما يشمل بندا ينص على “تحييد” جماعة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا التي تضم عناصر متورطة في الإبادة الجماعية عام 1994.
وفي المقابل، تلتزم الكونغو بوقف دعمها المزعوم لهذه الجماعة، بينما تعهّدت رواندا بوقف دعمها لحركة إم23، رغم نفيها المتكرر لأي صلة بها.
مخاوف من تكرار التاريخ
ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل استبعاد حركة إم23 من الاتفاق، رغم سيطرتها على أجزاء واسعة من شمال كيفو وجنوبها. ويرى مراقبون أن غيابها قد يحد من فرص تحقيق تهدئة شاملة.
ويرى أوديامبو أن بند نزع سلاح “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” قد يسبب تصدعات في الاتفاق بالمستقبل، بينما تعزز إم23 موقفها بالسيطرة على مدن إستراتيجية.
لكن يرى المعلق السياسي الرواندي غاتيتي نيرينغبو روهوموليزا، في تصريح لقناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، أن “هذه الصفقة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليست متعلقة بحركة إم23، لأن الحركة قضية كونغولية ستُناقش في الدوحة”، مشيرا إلى أن الأولوية لكيغالي هي تحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، التي أسسها الهوتو ومرتبطة بمجازر التوتسي خلال حرب الإبادة في رواندا عام 1994.
وتشمل بنود الاتفاق المدعوم قطريا تشكيل آلية أمنية مشتركة خلال شهر واحد، وإنشاء إطار للتكامل الاقتصادي خلال 90 يوما، إضافة إلى تسهيل تفكيك “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، مقابل انسحاب رواندي مشروط.
بالنسبة لرواندا، فإن إثبات قدرتها على احتواء إم23 -وهو ما يشكك به العديد من المراقبين- قد يعيد تسليط الضوء على علاقات طالما نُظر إليها بعين الريبة.
أما كينشاسا، فستواجه اختبارا صعبا في تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة مع ضعف قدرات الجيش الكونغولي، مما قد يُغذّي الرواية القائلة بأن الدولة “عاجزة عن فرض سيادتها”.
في المقابل، يرى محللون أن حكومة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي قد تستفيد سياسيا من الانفتاح الدولي الجديد، وسط تراجع في الاحتجاجات الشعبية واعتراف ضمني بأن الخيار العسكري بات غير مرجّح.
سلام أم استغلال؟
لكن توقيت الاتفاق الذي تزامن مع استعداد الكونغو الديمقراطية لتوقيع صفقة تؤمّن المعادن مقابل الحماية الأميركية أثار تساؤلات بشأن ما إذا كان الأمن هو الهدف الحقيقي أم إن المصالح الاقتصادية هي المحرك الأساسي؛ إذ تأمل شركات أميركية في تسهيل الوصول إلى معادن حيوية كالذهب والكوبالت والليثيوم، وسط تنافس محتدم مع الصين في القارة الأفريقية.
ويعبّر منتقدون عن قلقهم من أن يكون الاتفاق “غطاء لاستغلال الموارد”، فقد أظهرت تقارير تخصيص كميات ضخمة من المعادن النادرة للشركات الأميركية.
وفي هذا الصدد، اعتبر الدكتور دينيس موكويغي، الحائز جائزة نوبل، أن الاتفاق “تنازل عن السيادة”، في حين ندد آخرون بتغييبه العدالة، محذرين من أن “السلام الحقيقي يبدأ بالمحاسبة”.
ويحذر مراقبون من أن إقصاء المجتمع المدني من مفاوضات الاتفاق يكرّس نمطا لطالما أخفق في إرساء سلام دائم.
وقال فافا تمبا، مؤسس منظمة “أنقذوا الكونغو”، إن الاتفاق يكرّس الإفلات من العقاب ويغيّب صوت الضحايا.
ورغم الترحيب الدولي، تبدو آمال الشارع الكونغولي محدودة، في انتظار ما إذا كان هذا الاتفاق بداية لتحول حقيقي، أم جولة جديدة من النزاع بثوب دبلوماسي مختلف.