لم ترتكب إسرائيل مدعومة بأميركا خلال الحرب على غزة منذ أكتوبر 2023 جرائم حرب فقط، بل مارست جرائم ضد الإنسانية وفق كل المعايير الدولية، أبرزها الإبادة الجماعية الممنهجة.

فمنذ اليوم الأول للحرب، اتبعت إسرائيل سياسة قتل جماعي استهدفت فيه السكان من دون تمييز، ودون خطوط حمر، وركزت على المناطق المكتظة بالنازحين مستهدفة أسلحة مدمّرة في مناطق سكنية، بما فيها قنابل ارتجاجية تؤدي إلى قتل جماعي وتدمير شامل.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

كما استهدفت عائلات بأكملها داخل منازلها ومراكز الإيواء وخيام النازحين، ما أدى إلى محو مئات العائلات من السجلات المدنية، ولا تزال تتبع تلك السياسة.

هذه المعلومات أكدها تقرير للأمم المتحدة صدر في نوفمبر 2024، إضافة إلى تقارير منفصلة للعفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش.

القتل العشوائي

نفذت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عشرات عمليات القصف العشوائي التي استهدفت المواطنين في الشوارع وعلى المفترقات وأمام البيوت، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا.

كما استهدفت عشرات المواطنين بالقصف العشوائي أثناء ما يسمونه “عملية تمهيد الأرض لاجتياح منطقة” مهما كلف الأمر من ضحايا يقتلون بهذا القصف العشوائي ودهسا تحت جنازير الدبابات.

يضاف إلى ذلك، قصف سيارات الإسعاف، وطواقم الإنقاذ، والنازحين، والمستشفيات، ومراكز الإيواء، الصحفيين، والأطفال والنساء وكبار السن وهم النسبة الأعلى من عدد الضحايا وفق التقديرات الفلسطينية والدولية.

أبرز عمليات القتل العشوائي في الفترة الأخيرة، كانت للمجوعين منتظري المساعدات حيث سقط المئات قتلى ومصابين، أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات الغذائية في ظل التجويع الإسرائيلي، على أبواب مقار المساعدات الأميركية الشريكة في عمليات القتل تلك.

سياسة التجويع والإغلاق

وهي السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ اللحظات الأولى للحرب، وبدأت بإغلاق المعابر والمنافذ ومنع إدخال أي من المساعدات والبضائع والأدوية وفق تقارير عدة، أبرزها الاتحاد الدولي لعلماء الإبادة (IAGS)، وتقرير تصنيف الجوع من الأمم المتحدة (IPC).

ولا يزال الاحتلال يستخدم كل منافٍ للقوانين الدولية، منه سلاح التجويع، كأحد أبرز الأسلحة في وجه أكثر من مليوني مواطن، بهدف تهجيرهم قسرا.

وسقط مئات الضحايا خاصة من الأطفال بفعل التجويع وسوء التغذية، ولا يزال التجويع يستخدم في غزة رغم محاولات الاحتلال إنكار ذلك، بالسماح بدخول بعض الشاحنات من أجل إظهار صورة مغايرة للعالم عن حقيقة الوضع الكارثي والمأساوي في غزة.

تدمير البنية التحتية

دمر الاحتلال بشكل كامل، عشرات المستشفيات والمدارس والجامعات ومحطات الكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي والبنية التحتية، والمساجد والكنائس.

هدم شوارع بأكملها بأحزمة نارية أو بتجريفها، وحاليا يهدم مربعات سكنية وأحياء بالكامل، ويحولها إلى أرض محروقة لا تصلح للحياة، بإدخال عربات مفخخة وتفجيرها ما يدمر مناطق بأكملها، حيث تعد محافظة رفح مدمرة بشكل شبه كامل، وكذلك مناطق بيت حانون والشجاعية والزيتون وجباليا.

كيان مظلوم أم ظالم؟

حرب الإبادة على غزة، كشفت حقيقة الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم والمجتمع الدولي، وصورته الحقيقية فضحت، فبعد أن كان يروج أنه “كيان مظلوم”، كشفت حقيقة أنه “كيان ظالم وقاتل”.

هذه الحقيقة لم تكن وليدة لحظة واحدة أو جريمة واحدة، بل نتيجة تراكم طويل من الأحداث والمجازر والمذابح.

فبعد نكبة الفلسطينيين وتهجيرهم وطردهم من بيوتهم وأراضيهم عام 1948، نجحت إسرائيل في الترويج لنفسها كـ”كيان ديمقراطي صغير محاط بأعداء عرب”، موظفة سردية “الناجين من الهولوكوست” و”الشعب الذي عاد لأرضه بعد الشتات” للحصول على تعاطف غربي واسع.

كما صور الاحتلال المقاومة الفلسطينية في الإعلام الغربي كـ”إرهاب”، ووجد ذلك صدى واسعا واقتناعا في العالم نظراً لقوة الإعلام الأجنبي الذي تبنى رواية الاحتلال.

جاءت حرب غزة 2023 بعد سلسلة حروب بدأت من العام 2008 حتى 2021 وكانت كل حرب تُعرّي إسرائيل أكثر وتفضح استهداف المدنيين والمنازل والعائلات وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد ومراكز الإيواء، وقتل آلاف الأطفال والنساء وكبار السن، والأطباء والصحفيين.

تغير تلك النظرة بدا واضحاً، من تغيير مواقف الشعوب الحرة في العالم، وخروج مظاهرات ضخمة في لندن، باريس، نيويورك، إسطنبول، جنوب أفريقيا، وغيرها.

هل خسرت أم كسبت؟

فهل فعلا خسرت إسرائيل في حربها المستمرة على غزة أمام العالم أكثر مما كسبت، فقد انفضحت أمام العالم، وظهرت صورتها الحقيقية وعرف العالم أن “الضحية” كما روجت للرأي العام العالمي لا يمكن لها أن تكون ” الظالمة” لطبيعة الانتقام الذي تمارسه ضد مدنيين عزل لا حول ولا قوة لهم.

وتحوّلت في أنظار ملايين في العالم إلى قوة احتلال تمارس الإبادة الجماعية على شعب أعزل لا يطلب سوى حقه في العيش الكريم، وفي أرضه المحتلة.

وتصاعد الحديث الحقوقي عن “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، ما أسقط ورقة التوت عن الرواية الإسرائيلية.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، بدأت بعض الدول تراجع علاقاتها مع إسرائيل، وظهر انقسام واضح داخل الاتحاد الأوروبي حيال الموقف من الحرب.

ورفعت دعاوى أمام محكمة العدل الدولية على إسرائيل بتهم الإبادة الجماعية، بينما جنوب أفريقيا، بلجيكا، أيرلندا، بوليفيا ودول أخرى تبنّت مواقف صريحة ضد إسرائيل.

وتصدعت التحالفات الغربية، فرغم الدعم الأميركي العلني، ظهرت انقسامات داخل المؤسسات الأميركية نفسها (الكونغرس، وزارة الخارجية، الجامعات).

كما انتهت “حصانة” إسرائيل الإعلامية، حيث فقدت لأول مرة السيطرة الكاملة على الرواية الإعلامية، إذ أصبحت وسائل التواصل تنقل الواقع من قلب غزة، بالصوت والصورة.

لكن، هل هذا ما خسرته فقط، بل ستخسر أيضاً المزيد، فهناك ملاحقات قانونية دولية متواصلة، وصدرت مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين إسرائيليين، إضافة إلى تآكل مكانتها في الأمم المتحدة مع تزايد التعاطف مع فلسطين داخل الهيئات الأممية.

المطلوب لتعزيز المظلومية

لتعزيز مظلومية الشعب الفلسطيني وإيصالها بفاعلية للعالم، لا يكفي الاعتماد على عدالة القضية وحدها، بل يجب العمل بخطاب مدروس، وتحرك جماعي، وتحرك قانوني وحقوقي لتفنيد رواية الاحتلال.

في الخطوة الأولى، مطلوب توحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني والعربي والتركيز على القضايا الإنسانية، والحديث عن العائلات التي أبيدت والشهداء من الأطفال والنساء والصحفيين والأطباء، والحديث عن تجويع غزة، وتدمير البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والمؤسسات، بلغات عديدة تصل إلى جميع العالم ومؤسساته.

يرافق ذلك تحرك قانوني وحقوقي دولي، يعتمد على ما يتم ويجب توثيقه من جرائم بالأدلة والشهادات لرفعها أمام محكمة الجنايات الدولية والمؤسسات الأممية والقانونية الدولية، إضافة لدعم الجهود القانونية الحالية مثل القضايا المقدمة من جنوب أفريقيا، وأيرلندا، وبلجيكا ضد إسرائيل.

يجب أيضاً تنظيم مظاهرات ضخمة مستمرة في كل دول العالم، واستثمار حراك النقابات والطلاب والجامعات، مع استمرار الضغط الشعبي على الشركات والمؤسسات المتواطئة مع الاحتلال في إبادة غزة.

شاركها.
Exit mobile version