تناول مراسل صحيفة «التايمز» البريطانية، مارك بينيتس، في تقرير حديث، جانباً إنسانياً حساساً من واقع الحرب في أوكرانيا، يتمثل في الصراع الداخلي الذي يعيشه عدد كبير من الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية، فهذه اللغة التي تعد لغة التواصل الأولى لكثير من المواطنين، ومن بينهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه، أصبحت اليوم محملة بمعانٍ متناقضة، حيث يجد المتحدثون بها صعوبة في تقبل فكرة أنهم يستخدمون لغة الدولة التي تحاربهم، وتسببت لهم بالكثير من المآسي.
ويشير بينيتس إلى أن بعض الأوكرانيين يسعون إلى التخلص من اللغة الروسية في الخطاب العام، تعبيراً عن رفضهم لكل ما يرتبط بروسيا سياسياً، رغم إدراكهم العميق لصعوبة هذا المسعى نظراً لتجذر هذه اللغة في حياتهم اليومية وثقافتهم الشخصية.
في المقابل، يرى آخرون أن اللغة الروسية لا يجب أن تُحمل وزر أفعال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكدين أنه لا مشكلة في استخدامها، فهي جزء من هويتهم وثقافتهم، وليست ملكاً للنظام الروسي.
خطوة رمزية
وخلال زيارته إلى العاصمة الأوكرانية كييف، التقى بينيتس امرأة وُلدت في مدينة دونيتسك الناطقة بالروسية، والتي تقع حالياً تحت السيطرة الروسية، وقد روت له كيف غيرت تهجئة اسمها لتصبح أوكرانية، وقررت أن تُجبر نفسها على التحدث باللغة الأوكرانية طوال الوقت، بل والتفكير، وحتى – كما تقول – الحلم بها. ووصفت تجربتها بأنها فعل سياسي بامتياز وانتصار على الذات، حيث تعتبر محو لغتها الأولى التي نشأت عليها وتحدثت بها داخل منزلها قبل الحرب الروسية عام 2022 خطوة رمزية قوية تعبر عن استقلالها الشخصي والوطني.
وقال بينيتس إنه أدرك خلال جولاته أن معظم الأوكرانيين الكبار في السن لا يبدون حساسية كبيرة تجاه اللغة المستخدمة في التواصل معهم، غير أن بعض الشباب يتخذون مواقف رمزية في هذا الصدد، موضحاً أنه على سبيل المثال يقال إنهم يعاقبون سائقي سيارات الأجرة الذين يتحدثون الروسية عبر منحهم تقييمات منخفضة على تطبيق خدمات نقل الركاب «بولت».
رؤية ساخرة
وفي ختام تقريره، دعا بينيتس القراء إلى الاطلاع على رواية «صيف أوكراني واحد»، وهي مذكرات كتبتها الطالبة الأوكرانية فيف غورسكو حول سنتها الدراسية في الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، حيث عاشت تجربة مليئة بالمفارقات اللغوية والثقافية. وتحكي غورسكو في مذكراتها عن قصة حبها لموسيقي أوكراني يُدعى بوغدان، كان شغوفاً بالعزف والموسيقى، ومدخناً نهماً للسجائر السوفييتية.
وتتناول الكاتبة بأسلوب طريف المواقف اليومية التي واجهتها بسبب تداخل اللغتين الأوكرانية والروسية، مقدمة للقارئ رؤية ساخرة وساحرة لعلاقة الأوكرانيين المعقدة بلغتهم الأم ولغة جيرانهم.
عن «التايمز»
. أوكرانيون يجدون صعوبة في تقبل فكرة أنهم يستخدمون لغة الدولة التي تحاربهم.
. بعض الأوكرانيين يعتبرون أن اللغة الروسية جزء من هويتهم وثقافتهم، وليست ملكاً للنظام الروسي.
