في قلب حي الطالبية غربي القدس -الذي سُلب وهُجّر أهله منه بقوة الاحتلال عام 1948- افتُتح فندق “المسرح” الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، لاستقبال النزلاء.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية تناولت خبر الافتتاح إلى تزامن ذلك مع عملية “الأسد الصاعد” ضد إيران، ووصفت الافتتاح باللحظة المفاجئة والشجاعة، وأن القدس حظيت هذا الأسبوع بإضافة مرموقة إلى خارطة فنادقها، في خطوة ترمز إلى الثقة بمستقبل السياحة الإسرائيلية حتى في ظل الوضع الأمني المعقد.
ويأتي هذا الافتتاح في ظل وضع مأساوي يعيشه قطاع السياحي الفلسطيني بالقدس، حيث تطرق رئيس التجمع السياحي المقدسي رائد سعادة إلى أن الفلسطينيين حاولوا تاريخيا الاستثمار وبناء الفنادق، لكن بعد حرب عام 1967 التي احتلت فيها إسرائيل شرقي القدس بني فندق واحد جديد فقط هو فندق “الدار”.
التسهيلات للإسرائيليين فقط
وأضاف سعادة -في حديثه للجزيرة نت- أن السلطات الإسرائيلية لم تسمح بالتوسع العمراني في القدس، وصادرت الكثير من الأراضي، وما تبقى منها كان من الصعب على المقدسي إثبات ملكيته لها لأنها غير مسجلة في سجل الأراضي (الطابو).
وفي حال أثبت المقدسي حقه في الملكية فإنه سيجد صعوبة في استصدار رخصة لبناء فندق ثم تكاليف هذه الرخصة، ولاحقا تكاليف البناء، وفقا لسعادة.
“وبالتالي فإن القدرة الاستيعابية لفنادق القدس انخفضت إلى أكثر من النصف بعد حرب النكسة، إذ كان يوجد لدينا 4 آلاف غرفة فندقية موزعة على نحو 40 فندقا، واليوم توجد لدينا 1200 غرفة فقط موزعة على 24 فندقا، وهذا العدد لا يشمل النُزل السياحية التابعة للكنائس”، يضيف سعادة.
ومقابل هذا الرقم المتواضع فإن الفنادق الإسرائيلية في شقي المدينة الشرقي والغربي تضم 9 آلاف غرفة موزعة على عشرات الفنادق أضيفت إليها الآن 74 غرفة مع افتتاح الفندق الجديد رغم أن عددها لم يتجاوز ألف غرفة قبل عام 1967.
أرقى الأحياء العربية
وبالعودة إلى حي الطالبية، ووفقا للدراسة التي أعدها الأكاديمي والباحث المقدسي عدنان عبد الرازق بعنوان “الازدهار المعماري العربي في غربي القدس المحتلة”، أُدرجت أسماء المالكين العرب من أصحاب الأراضي والعقارات في هذا الحي.
وهذه العائلات هي سلامة والجمل وبشارات وطنّوس وسنونو ودجاني والأطرش وماركوس وكنعان وأبو شقرة، بالإضافة إلى أوهان والكتاني وعوض والحلاق وحداد وأندوني وناصر وحجّار وأيوب وصبّاغ وشبر ومغنّم وخضر وكارمي وجلّوق وهاغوبيان والحسيني وجقمان وسلّومة وحبش.
وكل هذه العائلات طُردت بقوة الاحتلال إبان النكبة، واليوم وبعد 77 عاما يُفتتح فندق لعائلة “حاسيد” اليهودية في هذا الحي المسلوب.
وإضافة إلى هذه التفاصيل ورد في الفصل الثالث من الدراسة -الذي يحمل عنوان “نبذة عن الأحياء العربية الواقعة في الشطر الغربي المحتل من القدس الجديدة”- أن هناك إجماعا هندسيا ومعماريا على أن الأحياء العربية التي بنيت خارج أسوار البلدة القديمة -خاصة تلك التي بنيت في عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ20- كانت فريدة في جودتها وطابعها المعماري.
ازدهار معماري فريد
ووفقا للباحث عبد الرازق، هناك أيضا إجماع على أن هذه الأحياء -ومن بينها الطالبية- أعطت القدس خارج الأسوار الطابع الحضاري المزدهر، إذ تميزت ببيوتها العائلية الفردية الواسعة، والتي لم تُشيّد عشوائيا بل كانت ضمن مخططات معمارية، بما في ذلك حجم قطع الأرض للبناء وتخطيط الشوارع والحارات بما يتوافق مع المخططات المعمارية الحديثة، ولم تقل قطعة الأرض للبناء فيها عن 800 متر مربع للمنزل الواحد.
وتميزت هذه المنازل -وفقا للدراسة- بالبوابات الفاخرة العريضة والجنائن المحيطة بها -خاصة المداخل الفاخرة المزروعة بالورود والأشجار المثمرة والبرية- وبحجرها المقدسي الملون وأسطحتها المزينة بالقرميد.
وبالتالي، فحتى الحجر الملون الذي شُيّد به الفندق الجديد سُرقت فكرته من المنازل العربية المسلوبة التي يتوق أصحابها للعودة إليها رغم مرور قرابة 8 عقود على طردهم منها.