عاشت عارضة الأزياء سيدة الأعمال الإيطالية، باميلا جينيني (29 عاماً)، حياة كان الكثيرون يحسدونها عليها، فهذه الشابة، التي كانت مقيمة في مدينة ميلانو، بدأت مشوارها المهني وكيلةَ عقارات ناجحة، حيث تركز عملها على العقارات الساحلية التي تدر أرباحاً كبيرة نظراً إلى ارتفاع العمولات فيها.
ولم يكن نجاحها مقتصراً على هذا المجال فحسب، حيث كانت أيضاً مؤثرة معروفة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن اكتُشفت قبل 10 سنوات عبر أحد البرامج التلفزيونية الواقعية الشهيرة، لتطلق لاحقاً خط إنتاج خاصاً بملابس السباحة بالشراكة مع مؤثرة أخرى.
واستطاعت جينيني أن تفرض نفسها بقوة في مجال الأعمال، في بلد يعاني معدلات بطالة مرتفعة، وفرص عمل غير مستقرة بالنسبة للشباب دون سن الـ30 عاماً.
غير أن حياتها الواعدة انتهت فجأة وبشكل مأساوي، في إحدى أمسيات منتصف أكتوبر الماضي، عندما دخل صديقها جيانلوكا سونشين (52 عاماً)، إلى شقتها وطعنها حتى أودى بحياتها.
وعندما وصلت الشرطة إلى المكان، عثرت على جثة جينيني في شرفة شقتها، فيما كان سونشين يقف إلى جانبها، وفق ما أكّد قاضي التحقيق.
ويقبع سونشين حالياً في السجن داخل زنزانة انفرادية بانتظار توجيه التهم إليه رسمياً، التي تشمل القتل العمد، والقسوة، والمطاردة، والتخطيط المسبق.
أما محاميه فقال لشبكة «سي إن إن» الأميركية، إن موكله لم يجب حتى الآن عن أي سؤال يتعلق بما حدث.
حالات متزايدة
كانت جينيني الضحية رقم (72) من ضحايا جرائم قتل النساء في إيطاليا منذ بداية عام 2025، وهي جرائم في الأغلب يرتكبها شريك حالي أو سابق، بحسب مرصد «نون أونا دي مينو» الذي يتابع هذه الحالات المتزايدة.
ومنذ مقتل جينيني، قُتِلت أربع نساء أخريات، من بينهن لوسيانا رونشي (62 عاماً)، وفاندا فينديتي (80 عاماً)، فيما تتم مراجعة ست حالات أخرى باعتبارها جرائم قتل محتملة ضد النساء.
وفي العام الماضي، سُجِلت 116 جريمة قتل بحق نساء، وهو رقم لا يختلف كثيراً عن إحصاءات عامَي 2022 و2023.
تساؤلات وانتقادات
وبعد مرور ثلاث سنوات على تولي جورجيا ميلوني منصب أول رئيسة حكومة في تاريخ إيطاليا، يتساءل محللون ونقاد عمّا إذا كانت اتخذت الإجراءات الكافية للتعامل مع تزايد العنف ضد المرأة أو لمواجهة عدم المساواة المستمرة في سوق العمل.
ودفعت هذه التساؤلات والانتقادات إلى خروج تظاهرات تطالب بحماية النساء، وتحقيق المساواة في الوظائف.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى انخفاض معدل المواليد في إيطاليا بنسبة 6.3%، في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، إضافة إلى أن بعض النساء الإيطاليات مازلن يحصلن على أجور تقل بنسبة تصل إلى 40% عن أجور الرجال في الوظائف نفسها.
ويمتد تاريخ إيطاليا مع جرائم قتل النساء إلى عقود طويلة، وقد أصدرت حكومة ميلوني تشريعات لمكافحة الملاحقة المرتبطة بجرائم سابقة، واعتبرت العنف المنزلي عاملاً مشدداً للعقوبات، ما يعني أن المدانين في هذه القضايا قد يواجهون الآن أحكاماً بالسجن لفترات طويلة، بما في ذلك السجن المؤبد في بعض الحالات.
وعلى الرغم من ذلك، يرى كثيرون أن ما قامت به ميلوني لا يرقى إلى مستوى التوقعات، خصوصاً أنها أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة.
اتهام «سخيف»
ونفت ميلوني، في تصريحات سابقة، معارضتها لقضايا المرأة، وأكدت أنها، باعتبارها امرأة، تدافع عن الأسرة التقليدية، وترى أن اتهامها بالتقصير تجاه حقوق المرأة «سخيف».
كما أشارت، في خطاب عبر منصة «تيك توك»، إلى أن ما يُقال عنها مجرد «أخبار كاذبة»، مستشهدة بوعود حكومتها بتوسيع حقوق الوالدين، وتقديم إعفاءات ضريبية للأسر وفق عدد الأطفال.
النوع الاجتماعي
وتبقى إيطاليا واحدة من الدول القليلة في أوروبا التي لا تعتمد التربية الجنسية الإلزامية في مدارسها الحكومية، ولا يتوقف التحدي عند العنف المنزلي فقط، حيث تواجه النساء في إيطاليا صعوبات متزايدة، مع تدهور مؤشرات المساواة المرتبطة بالتوظيف، والاستقلالية الاقتصادية، والقدرة على تكوين أسرة.
وتراجع معدل المواليد المنخفض أصلاً ليصل العام الماضي إلى 1.18 مولود، مواصلاً بذلك انخفاضه للسنة الـ16 على التوالي، ثم انخفض مجدداً في الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، ليصل إلى 1.13 مولود، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي.
ويلقي بعضهم باللوم على النساء الإيطاليات لعدم إنجابهن، ومن بين هؤلاء ميلوني التي لطالما دعمت نموذج الأسرة التقليدية، ودفعت باتجاه تشريعات تُجرِّم تأجير الأرحام، وتتيح للمعارضين للإجهاض الوصول إلى العيادات، وصرّحت في فعالية عام 2023 بأن شابات كثيرات يتعرّضن لضغوط اجتماعية، للتركيز على حياتهن المهنية أولاً، ما يجعل الإنجاب خياراً مؤجلاً.
أما منتقدوها فيقولون إنها لم توفر البدائل التي تساعد الأسر على تحمل أعباء رعاية الأطفال، رغم الوعود التي أطلقتها خلال حملتها الانتخابية عام 2022، إذ اقترحت على سبيل المثال، إنشاء مراكز للرعاية النهارية، لكنها ألغت جزءاً كبيراً من ميزانيتها بعد توليها السلطة. عن «سي إن إن»
الفجوة بين الجنسين
أفاد تقرير الخصوبة الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء في إيطاليا، بأن هناك أسباباً عدة وراء انخفاض معدل المواليد، منها تناقص عدد الآباء المحتملين، بسبب انخفاض المواليد منذ سبعينات القرن الماضي، إضافة إلى انعدام الأمن الوظيفي، وانتشار العقود المؤقتة، وانخفاض الأجور، وكلها عوامل تؤثر بشكل كبير في قرار الإنجاب لدى الإيطاليين.
وبحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025 حول الفجوة بين الجنسين، تحتل إيطاليا المرتبة 85 من بين 148 دولة في مجالات المشاركة الاقتصادية والفرص والتعليم والصحة والتمكين السياسي.
وعلى الرغم من تحقيقها تقدماً بسيطاً بارتفاع درجتين، منذ انتخاب ميلوني، فإن إيطاليا لاتزال من بين أدنى الدول الأوروبية في تقييمات المساواة بين الجنسين، كما تراجعت إلى المرتبة 117 لمشاركة المرأة في الاقتصاد، بانخفاض ست مراتب مقارنة بتقرير عام 2024.
تبايُن آراء النساء حول سياسات ميلوني
زعيمة الحزب الديمقراطي إيلي شلاين من أبرز منتقدي ميلوني. من المصدر
زعيمة الحزب الديمقراطي، إيلي شلاين، التي تقود أكبر أحزاب المعارضة في إيطاليا، تُعد من أبرز المنتقدين لسياسات حكومة جورجيا ميلوني في ما يتعلق بقضايا المرأة، وخلال ظهورها في أحد البرامج التلفزيونية، الأسبوع الماضي، طُرِح عليها سؤال بشأن التخفيضات الجديدة في الميزانية التي اقترحتها ميلوني، والتي يناقشها حالياً مجلس الشيوخ الإيطالي، وعلّقت شلاين قائلة: «النساء الأكثر تضرراً، فعندما تخفض تمويل الرعاية الاجتماعية والمدارس وتمويل خدمات ذوي الإعاقة، ينتقل عبء الرعاية إلى الأسر، وبالتالي يقع بشكل أساسي على النساء».
لكن هذا الرأي لا يلقى اتفاقاً من جميع النساء، فهناك نساء إيطاليات لديهن رؤية مختلفة، من بينهن بياتريس كوستا، التي تشعر بسعادة كبيرة لوجود ميلوني في السلطة، فقد كانت كوستا تجلس في مقهى بوسط روما، تحتضن طفلها البالغ ستة أشهر، بينما طفلها الآخر، البالغ ثلاث سنوات، في طريقه إلى حضانة حكومية، وقالت كوستا لشبكة «سي إن إن»: «أشعر كأنني حصلت على إذن لأكون أماً»، موضحة أنها نشأت تحت ضغط كبير يدفعها إلى اختيار المهنة على حساب الأسرة، أو على الأقل البدء بمسيرتها المهنية قبل التفكير في الإنجاب، وأكّدت أن الضغط الناجم عن عدم إنجاب الأطفال شديد، في حين يصعب مقاومة الضغط المقابل المرتبط بالعمل خارج المنزل، والتخلي عن حلم تكوين أسرة.
وأضافت كوستا، الحاصلة على شهادة جامعية في مجال الاتصالات، أنها أنجبت طفلها الأول قبل انتخاب ميلوني، وتابعت: «لا أعرف ما إذا كان قرار إنجاب طفل ثانٍ نتيجة تركيز ميلوني على مفهوم الأسرة التقليدية، أو أننا كنا سنفعل ذلك على أي حال، لكنني سعيدة لأن لديّ القدرة على أن أكون أماً».
وأشارت إلى أن زوجها يعمل محاسباً ضريبياً ناجحاً، وأن والديها يقدمان أيضاً دعماً كبيراً في رعاية الأطفال، وقد ساعدا الزوجين في توفير منزل يجمعهما كأسرة.
غياب الحوافز لتكوين أسرة
صوّتت الموظفة أريانا ريتشي (32 عاماً)، وهي تعمل مديرة موارد بشرية لحزب رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني «أخوة إيطاليا» في انتخابات عام 2022، على أمل أن تعطي الأولوية لجهود معالجة التفاوت في الأجور، وحقوق الإنجاب، وسلامة المرأة، لكنها أكّدت أن آمالها قد خابت.
أريانا – التي تخرجت في جامعة بوكوني المرموقة في ميلانو ودرست أيضاً في الخارج – تؤكد أنها ترغب في البقاء بإيطاليا، وتحقيق النجاح في وطنها، وتأسيس أسرة، وامتلاك منزل خاص بها.
ورغم أن العثور على عمل لها يبدو أمراً سهلاً من الناحية النظرية، فإنها تقع ضمن فئة الوظائف «الهشّة»، وهي فئة تعاني غياب العقود الدائمة التي توفر الاستقرار الوظيفي والمزايا الأساسية.
وتعمل ريتشي بموجب عقود مؤقتة لا تضمن لها أي أمان وظيفي.
وتقول ريتشي: «لو أردتُ تكوين أسرة بينما أنا على عقد مؤقت، فلن أحصل على إجازة أمومة مدفوعة، ولن أستعيد وظيفتي بعد الولادة، ولن أستطيع تغطية تكاليف رعاية الأطفال، حتى لو كان لديّ عمل أعود إليه»، ثم تضيف متسائلة: «أين الحافز لتكوين أسرة إذن؟».
. 72 امرأة قُتِلن على أيدي شركائهن منذ بداية 2025.
. النساء في إيطاليا يواجهن صعوبات متزايدة مع تدهور مؤشرات المساواة المرتبطة بالتوظيف والاستقلالية الاقتصادية.
. حكومة ميلوني أصدرت تشريعات تنصّ على حكم المدانين في قضايا العنف المنزلي بالسجن لفترات طويلة بما في ذلك المؤبد.
