كييف- خلال الأسابيع القليلة الماضية، عادت مصافي النفط ومحطات الغاز الروسية على كامل أراضي المقاطعات المجاورة للحدود مع أوكرانيا وحتى البعيدة عنها، لتكون هدفا رئيسا لضربات المسيّرات الهجومية الأوكرانية.

وركزت الضربات المتكررة على عدة مصافٍ في مقاطعة فولغوغراد، أهمها محطة تابعة لشركة “لوك أويل”، تُعد من أكبر 10 محطات في روسيا.

كما استهدفت عدة مصافٍ في إقليم كراسنودار، أبرزها “أفيبسكي” و”إيليا” و”نوفوكويبيشيفسك” و”سيزران”، واستهدفت أخرى في مقاطعات ومناطق ومدن ساراتوف وتفير وتامبوف وروستوف وريازان وبريانسك، إضافة إلى محطة لمعالجة الغاز الطبيعي في أستراخان.

أهداف كييف

وضربت مسيّرات كييف خطوطا لنقل النفط والغاز، ومحطات قطارات وقطارات لشحن الوقود ومحطات ضخ على أراضي روسيا، وكذلك داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة موسكو في مقاطعة لوغانسك شرقا والقرم جنوبا (محطة جانكوي ومصفاة النفط قرب مدينة فيودوسيا).

وأدت الضربات إلى توقف خط “دروجبا” الروسي لنقل النفط والغاز فترة وجيزة، الذي يعد من أهم خطوط التصدير الروسية، بعد تدمير محطة الضخ “نيكولسكو” في منطقة تامبوف الروسية، وفق ما أعلنته هيئة أركان القوات الأوكرانية.

باتت مثل هذه الضربات شأنا شبه يومي، وتفسرها البيانات الصادرة عن الهيئة بالقول إن “المصافي تزود جيش الاحتلال الروسي بالوقود”، لكن آخرين يرون في الأمر أبعادا أخرى لا تقل أهمية.

وقال الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط أوليغ جدانوف -للجزيرة نت- إن أوكرانيا، بهذه الضربات، تخلق وضعا تصبح فيه مشاكل الإمداد عاملا يحد بشكل كبير من التخطيط العسكري للجيش الروسي، وإتمام الجزء الأخير من “حملة هجمات الصيف البرية”.

أما خبير الشؤون الروسية في “المعهد الأوكراني للمستقبل” إيهور تيشكيفيتش، فقال “رأينا كيف شكلت هذه الضربات أزمة وقود حادة في المقاطعات التي تضمها، حيث اصطفت أرتال المركبات أمام محطات وقود خاوية”.

وأوضح للجزيرة نت أن هذه الضربات تفقد الاتحاد الروسي فرص تصدير النفط والغاز كما يريد، “وقد شعرت بذلك فعلا المجر وسلوفاكيا اللتان لم تقطعا العلاقات مع موسكو والمواليتان لها؛ وكذلك من المتوقع أن تتأثر الإمدادات الواصلة إلى بيلاروسيا أيضا بها”.

دعم أميركي

ووفقا للخبير تيشكيفيتش، تقدر خسائر موسكو بنحو 25% إلى 30% من إجمالي صادراتها السابقة. ويقول إنه سيتم ترميم بعض المصافي وخطوط النقل، لكن هذا سيستغرق وقتا، وقد يتراجع حجم الخسائر إلى 10% أو 11% على أساس سنوي، “وهذا كثير بالنظر إلى إجمالي الخسائر في عائدات النفط والغاز الروسيين”.

ويبدو أن كييف لا تريد التوقف عن ذلك، بل تلمح إلى المزيد بجهود محلية و”توافق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هذه المرة”.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يتفق مع ترامب حول أن “كييف لم تُمنح فرصة للنصر في الحرب مع روسيا، لأن سلفه جو بايدن لم يسمح لها بالرد، بل بالدفاع فقط”، وإنه “لا نصر من دون هجوم، حتى وإن كان الدفاع ممتازا”.

ويُعتبر تصريح ترامب تحولا كبيرا في موقفه، لكنه يتزامن أيضا مع إعلان أوكرانيا قرب الانتهاء من عمليات تصنيع صواريخ باليستية محلية الصنع.

وفي التوقيت ذاته، تعلن شركة “فاير بوينت” للإنتاج الدفاعي بدء إنتاج صاروخ “فلامينغو” بعيد المدى ودخوله في ترسانة البلاد؛ وهو صاروخ كروز يصل مداه إلى 3 آلاف كيلومتر، ويصل وزن رأسه الحربي إلى 1150 كيلوغراما.

وحسب تصريح الرئيسة التنفيذية للشركة إيرينا تيريخ لموقع “بوليتيكو”، فإن قدرة الإنتاج حاليا تبلغ صاروخا واحدا كل يوم، لكن الرقم سيرتفع إلى 7 صواريخ يوميا مع نهاية العام الجاري وبداية 2026.

الحديث يجري عن اجتماع ثلاثي يجمع بين ترامب (وسط) وزيلينسكي (يسار) وبوتين (غيتي)

مرحلة حساسة

يأتي هذا التصعيد على خلفية جهود غير مسبوقة لوقف الحرب وإحلال السلام، ومساعٍ أميركية لعقد قمة تجمع الرئيس الأوكراني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على طاولة تفاوض واحدة.

لكن خبراء يرون في ذلك ارتباطا وثيقا، تفسره أستاذة العلوم السياسية في جامعة “شيفتشينكو” بالعاصمة كييف، أوليسا ياخنو، بالقول للجزيرة نت: “على العكس، تقصف أوكرانيا المصافي وطرق الإمداد، ويحاول الروس التقدم وتدمير المدن المستعصية بكل ما أوتوا من قوة”.

وتتابع “كل طرف يريد الجلوس إلى الطاولة -إن تم ذلك- مع أكبر عدد ممكن من أوراق الضغط، حتى يحقق توازنا ملائما بين المطالب الضرورية والتنازلات المحتملة”.

لكن الرد الروسي جاء سريعا كما كان متوقعا، ولم يقتصر على الجبهات وقريبا منها، إذ عادت موسكو بدورها لاستهداف ما تبقى لدى ‏أوكرانيا من قدرات نفطية، بأضعاف مضاعفة من الصواريخ والمسيّرات، مقارنة بما تطلقه كييف.‏

خلال الأيام الماضية، قصفت موسكو منطقة مدينة كريمينتشوك في مقاطعة بولتافا وسط أوكرانيا، التي تضم إحدى أكبر محطات التخزين في البلاد، وكذلك مخازن ضخمة تابعة لشركة “سوكار” الأذربيجانية في مقاطعة أوديسا جنوبا، كما تعرضت خطوط السكك الحديدية في مقاطعات خاركيف ودونيتسك وزاباروجيا للقصف الروسي أيضا.

ويرى الخبير جدانوف أن الحرب تمر بمرحلة حساسة، يحاول كل طرف فيها إيلام الآخر أكثر، والفائز من سيصمد حتى النهاية، ويحصل على تأييد ودعم أكبر.

وباعتقاده، فإن “بنك الأهداف الأوكرانية في روسيا والأراضي المحتلة أغنى وأوسع نطاقا”، لكنه يخشى أن “يرد الروس بوحشية تشمل كل ما هو مدني، بما فيها المباني السكنية”، والعودة إلى استهداف محطات الطاقة، كما كانت الحال خلال العامين الماضيين.

شاركها.