استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أول من أمس، رؤساء خمس من دول آسيا الوسطى بواشنطن، في قمة «5 + 1»، العاشرة التي تضم دول آسيا الوسطى الخمس (كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان) مع الولايات المتحدة.

وفي الدورة العاشرة لهذه القمة السنوية، تضع الولايات المتحدة نصب عينيها هدفين: الأول هو صفقات تتيح لها الوصول إلى المعادن النادرة وغيرها من المعادن الحيوية التي تهيمن عليها الصين، وطرق تجارية لا تمر عبر روسيا، في حين أن الهدف الثاني هو تحويل الدول الخمس إلى كتلة واحدة تعمل معاً بشكل أوثق، حيث ترى واشنطن أن التكامل الإقليمي أساسي لمساعدة هذه الدول على مقاومة هيمنة موسكو وبكين، مع إفساح المجال أمام الوجود الأميركي.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، قالت المدير المؤسس لمركز الحوكمة والأسواق والأستاذ المساعد في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة «بيتسبرج» الأميركية، جنيفر بريك مورتاتساشفيلي، إن آسيا الوسطى التي كانت تعتبر في وقت ما جبهة نائية لا تستحق اهتماماً كبيراً، أصبحت القلب النابض لمنطقة أوراسيا، حيث غير التعاون الإقليمي قواعد اللعبة، لتتحول هذه الدول التي وصفتها بـ«الحبيسة» من مجرد مشاهدين في سياسات القوى العظمى إلى محرك يقود نظاماً قارياً جديداً.

وأضافت أنه في الوقت نفسه لم تعد واشنطن تُلقي الدروس على آسيا الوسطى حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أوضحت إدارة ترامب أن الشراكة الاقتصادية والتعاون الاستراتيجي هما الأهم بالنسبة لها، مشيرة إلى أن هذا التحول موضع ترحيب بالنسبة لحكومات آسيا الوسطى التي تعد أكثر تجاوباً مع ضغوط الرأي العام لديها من أجل توفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.

ووفقاً لمورتاتساشفيلي، فإنه لطالما ادعت واشنطن حرصها على الديمقراطية بالكلام فقط، بينما كانت تعطي الأولوية للأمن. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تغاضت الولايات المتحدة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان للوصول إلى القواعد الجوية في تلك الدول خلال الحرب في أفغانستان.

والآن أصبحت الطبيعة النفعية للعلاقة بين الولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى واضحة، حيث يريد قادة تلك الدول شركاء قادرين على منافسة بكين وموسكو في البنية التحتية.

«الممر الأوسط»

وأصبح الممر الذي يعرف باسم «الممر الأوسط» وهو طريق تجاري يمر عبر آسيا الوسطى وبحر قزوين إلى أوروبا بعيداً عن روسيا، شرياناً رئيساً للتجارة العالمية، حيث يقلص أوقات العبور وتكاليف النقل، ويمنح اقتصادات آسيا الوسطى نفوذاً جديداً.

وتصنفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جزءاً حيوياً من «مشهد المواصلات الجديد» الذي أعادت الحرب تشكيله.

وترى واشنطن أن هذا الطريق يساعد في «تقليل مخاطر نقاط الاختناق» في سلاسل الإمداد العالمية وينوع مسارات التجارة بعيداً عن الممرات التي تهيمن عليها روسيا أو إيران. وتبرز الجغرافيا أهمية هذا الأمر، فدول آسيا الوسطى محاطة بدول خاضعة للعقوبات الغربية مثل روسيا من الشمال، وإيران من الجنوب الغربي، وأفغانستان من الجنوب، ما يجعل هذه الدول تتوق إلى منافذ جديدة للاقتصاد العالمي.

كما يخدم الممر المصالح الأميركية، حيث يتيح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الوصول إلى الأسواق الإقليمية دون المرور عبر روسيا، ويساعد على تنويع سلاسل التوريد عندما يكون التنويع في غاية الأهمية.

اندماج

في المقابل، تريد آسيا الوسطى مستثمرين وخبرات عملية بشأن الاندماج في الأسواق العالمية، وليس جولة أميركية أخرى من محاولة فرض النفوذ بذريعة الترويج للديمقراطية.

وجعلت واشنطن الحصول على المعادن النادرة أولوية لها في ظل سيطرة الصين على إمدادات وصناعة هذه المعادن المطلوبة بشدة في مجموعة كبيرة من الصناعات بدءاً من الأجهزة الإلكترونية وحتى الطائرات ومركبات الفضاء.

وتعتبر آسيا الوسطى إحدى الفرص القليلة لتنويع سلسلة توريد هذه المعادن، حيث برزت كازاخستان كمنتجٍ نشط لهذه المعادن. ووقعت أوزبكستان مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن المعادن النادرة في عام 2024. وأعربت مؤسسة التمويل الدولية عن اهتمامها بالتمويل المشترك للتعدين والمعالجة، لكن هذه المبادرات لاتزال في مراحلها الأولى.

 

لحظة ذكية

وإذا كان الهدف من منصة «5 + 1»، التي أنشأتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015، هو تعزيز التعاون الإقليمي كقوة موازنة لروسيا والصين، فإن هذه لحظة دبلوماسية ذكية لتحقيق هذا الهدف، فالولايات المتحدة تستطيع بناء نفوذها من خلال مساعدة الدول على التنسيق في التجارة والطاقة والنقل مع توسيع خياراتها بعيداً عن موسكو وبكين وطهران.

وبدلاً من خلق الفراغ، أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان إلى تراجع القتال ليفتح مجالاً للتجارة. وأصبحت أفغانستان الآن أكثر ارتباطاً بآسيا الوسطى من أي وقت مضى، كما تعمل كازاخستان وأوزبكستان على مد خطوط سكك حديدية جديدة عبر أفغانستان إلى جنوب آسيا، وهي مشروعات لم تكن لتخطر على بال عندما كانت القوات الأميركية لاتزال في أفغانستان.

شاركها.