في 24 يوليو الماضي، شرعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهدوء في تغيير سياسي قد يدفع نحو 170 ألف أميركي إلى التشرد هذا الشتاء. وربما أن معظم القراء لم يسمعوا بالأمر التنفيذي 14321، الذي «يهدف إلى إنهاء الجريمة والفوضى في الشوارع الأميركية»، لكنهم سيشهدون آثاره عندما تبدأ مخيمات المشردين بالظهور على طول الشوارع الرئيسة العام المقبل، إذا مضت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية قدماً في خطتها الموضوعة، والتي تم تعليقها مؤقتاً، ولم يتخذ حكام الولايات إجراءات للحد من الأضرار.
ويوجه الأمر التنفيذي وزارة الإسكان والتنمية الحضرية إلى تقليص «السكن الدائم» بشكل كبير، وهو نموذج خدمة ساعد في توفير سكن مستقر لآلاف الأشخاص دون اشتراط العلاج أو التعافي من الإدمان، كشرط مسبق للخروج من الشارع. وعلى مدى عقدين من الزمن، حظي هذا النهج بدعم أدلة قوية، وتبنته إدارات جمهورية وديمقراطية على حد سواء.
لكن الأمر الأخير وإشعار التمويل لعام 2025 يُظهران أن هذا الإجماع قد انتهى.
وبصورة فجائية، ودون سابق إنذار، كانت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية على وشك إلزام مقدمي خدمات المشردين المحليين بإعادة هيكلة أنظمتهم بالكامل لتتبنى نماذج «السكن الانتقالي» التي تضع شروطاً مسبقة للحصول على المساعدة السكنية، وتسهل تجريم المشردين من خلال التعاون مع جهات إنفاذ القانون لحظر المخيمات، وتوقعت الإدارة منهم إنجاز ذلك في غضون شهرين.
ولفهم هذا القرار، من المفيد معرفة كيفية عمل سياسة مكافحة التشرد، إذ تتقدم المجتمعات في جميع أنحاء البلاد سنوياً بطلبات للحصول على تمويل من وزارة الإسكان والتنمية الحضرية لتوفير السكن للمشردين والحفاظ عليه.
وتدعم هذه الأموال آلاف الأشخاص من خلال توفير المأوى الطارئ، وإعانات الإيجار. وعادة ما تصدر وزارة الإسكان والتنمية الحضرية إشعار التمويل في الصيف، ما يمنح الوكالات المحلية سبعة أشهر للتخطيط، وكتابة الطلبات، والتنسيق مع المنظمات غير الربحية، وإجراء تغييرات في النظام.
وستتطلب أيضاً مشاركة جهات تنفيذ القانون في الهيئات الإدارية المحلية إلى جانب أصحاب المصلحة الذين يتعاملون مع مشكلة التشرد بقيم مختلفة. وأخيراً، تتضمن التغييرات معايير أداء جديدة.
ومن المقرر أن تنتهي عقود التمويل للعام الماضي في عام 2026، إلا أن الجهة أعلنت نيتها إنهاء تلك الاتفاقيات قبل إصدار إشعار التمويل، في 13 نوفمبر الماضي، والذي فرض تغييرات جذرية على الوضع الراهن.
وتشمل هذه التغييرات شرطاً إلزامياً بالعمل 40 ساعة أسبوعياً، وهو أمر غير واقعي بالنسبة لمقدمي الخدمات الذين يعانون ضائقة مالية، كما تستبعد هذه التغييرات الأشخاص الذين يعانون أمراضاً عقلية أو اضطرابات تعاطي المخدرات، من برامج الإسكان الدائم. وتتطلب أيضاً مشاركة جهات تنفيذ القانون في الهيئات الإدارية المحلية، إلى جانب أصحاب المصلحة الذين يتعاملون مع مشكلة التشرد من منظور مختلف.
ولم تقدم وزارة الإسكان والتنمية الحضرية أي توجيهات تذكر حول كيفية تطبيق هذه الإجراءات. ورغم أنها عقدت ندوة عبر الإنترنت في 14 نوفمبر، وصفها مسؤولون بأنها مجرد حملة علاقات عامة تكرر نقاطاً محددة دون الإجابة على الأسئلة التي يحتاجونها بشدة لإكمال طلباتهم.
وتحدث مسؤولون في ثمانية أنظمة مختلفة لإيواء المشردين خلال الشهر الماضي، وكانوا جميعاً في حالة ذعر وارتباك، لكن الأهم من ذلك، كانوا يخشون بشدة ما سيحدث لعملائهم إذا لم يتمكنوا من الامتثال.
وقال أحد المسؤولين، الذي يقدم المساعدة في منطقة شديدة البرودة من البلاد: «سيموت الناس. بالنسبة لمن لا يمثل الأمر سوى أرقام في جداول البيانات، فهذا يعني مساكنهم، والطقس بارد. ولا يمكننا ببساطة أن نقول: معذرة، ليس لدينا مكان نؤويكم فيه».
ويمكن تجنب هذه الأزمة تماماً. ويدّعي مسؤولو الإدارة أن هذه التغييرات الجذرية ضرورية لأن برامج الإسكان الدائم قد فشلت، لكن هذا الادعاء لا تدعمه بيانات وزارة الإسكان والتنمية الحضرية نفسها.
وبدلاً من معالجة هذه المشكلات الاقتصادية، تقوم وزارة الإسكان والتنمية الحضرية بإحياء نماذج الإسكان الانتقالي التي تُرجع أسباب التشرد إلى أوجه قصور شخصية. وقد تم التخلي عن هذه الأساليب تحديداً لأن العديد من التجارب العشوائية أثبت أنها أقل فعالية وأكثر كلفة.
واستشهدت الإدارة بدراسة تقول إن 75% من المشردين يعانون اضطرابات تعاطي المخدرات، و78% يعانون مشكلات في الصحة النفسية. وخلصت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في إعلانها عن التمويل إلى أن السكن الانتقالي ضروري لمعالجة السبب الجذري للتشرد.
لكن التقرير المذكور يعد دراسة غير شاملة تغطي 15 ولاية فقط، وتحذر صراحة من أن نتائجها لا تفسر أسباب التشرد. وبالتالي، فإن تبرير الإدارة لهذا التغيير الجذري في السياسة لا تدعمه الأدلة التي تستشهد بها في وثائقها.
وبناءً عليه يبقى هناك احتمالان: إما أن الإدارة أساءت تفسير الأدلة بشكل كبير، أو أنها تسعى لتحقيق أجندة سياسية لا علاقة لها بالحقائق، وكلا التفسيرين غير مطمئن.
لكن الأمر المؤكد هو اتساع الأضرار، إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من القيام بأي تحرك مفيد. ويوجد لدى بعض المجتمعات مشاريع ينتهي تمويلها الحالي في يناير المقبل.
وإذا لم تتمكن هذه المجتمعات من تقديم طلبات مستوفية للشروط، وهو ما جعلته وزارة الإسكان والتنمية الحضرية شبه مستحيل، قد يفقد نحو 100 ألف مستأجر دائم إعانات الإيجار الخاصة بهم. وسيجد الكثيرون أنفسهم بلا مأوى، وستكتظ الملاجئ، وسيُطلب من السجون المحلية استيعاب التداعيات.
وقد ينسحب مُلاك العقارات الخاصة، الذين يعد تعاونهم أساسياً لمستفيدي خدمات المشردين، من البرامج تماماً إذا لم يتمكنوا من الاعتماد على تمويل مستقر. وبناء هذه العلاقات قد يستغرق سنوات، بينما قد ينهار في أيام. وبالطبع فإن الامتناع عن دفع الإيجار في منتصف مدة العقد سيدمر هذه العلاقات، ويشل أنظمة المشردين المحلية لسنوات.
ولا يمكن لحكومات الولايات أن تأمل قيام المحاكم بحل هذه الأزمة، ورفعت مجموعة من الحكومات دعوى قضائية مشتركة في أواخر نوفمبر، ضد قرار وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأخير بشأن الإسكان الدائم.
وأجبر الضغط المتزايد الوزارة على سحب إعلانها التمويلي في الثامن من ديسمبر، قبل 90 دقيقة فقط من جلسة المحكمة للنظر في هذه الدعوى، لكن هذا لا يعني انتهاء الأزمة، إذ إن توجه وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في ظل الإدارة الحالية، يعني أنه لا يمكن للمحافظين افتراض أنها ستحمي المستأجرين المستضعفين.
وأظهرت حكومات الولايات، خلال الجائحة في جميع أنحاء البلاد، أنها تمتلك أدوات فعالة لتحقيق استقرار الإسكان أثناء الأزمات، من خلال إصدار قرارات بتعليق عمليات الإخلاء أو المرافق العامة وتوزيع مساعدات الإيجار الطارئة، وحافظت حكومات الولايات على استقرار مساكن ملايين الأشخاص.
ويجب على حكام الولايات إعداد قرارات تعليق مؤقتة لعمليات الإخلاء للأسر المتضررة من انقطاع التمويل. كما يجب أيضاً أن يكونوا على أهبة الاستعداد لتخصيص مساعدات إيجار طارئة، لضمان عدم فقدان أي شخص لمسكنه في ذروة الشتاء، وعليهم التعاون مع مُلاك العقارات لسد الفجوة إلى حين حل الطعون القانونية أو تدخل الكونغرس.
وإذا فشل حكام الولايات في التحرك، ستكون النتائج مرئية في الشوارع الرئيسة بحلول الربيع المقبل. ولا ينبغي اعتبار هذه الصور دليلاً على فشل توفير السكن الدائم أو حتمية التشرد، وإنما ستكون النتيجة المتوقعة لـ«تهوّر» الحكومة الفيدرالية وتقاعس الولايات عن التدخل لمصلحة مستأجري المساكن الدائمة.
ولا يمكن، في الواقع، منع جميع أسباب التشرد، لكن بالإمكان منع كارثة مفتعلة ناتجة عن تقاعس الحكومة.
*غاريت غرينجر
*باحث في جامعة «مانشيستر متروبوليتان»
عن «ذا هيل»
. سياسة مكافحة التشرد تتضمن قيام المجتمعات في جميع أنحاء البلاد سنوياً بطلبات للحصول على تمويل من وزارة الإسكان والتنمية الحضرية لتوفير السكن للمشردين والحفاظ عليه.
. إذا فشل حكام الولايات في التحرك ستكون النتائج مرئية في الشوارع الرئيسة بحلول الربيع المقبل.
