لم تستغرق جيني بولتون سوى دقائق لتحريك «بيتها العائم» على نهر ستورت في إنجلترا، وفي ظهيرة أحد أيام أغسطس رفعت الأوتاد الفولاذية، وحبست القطط في الداخل، وانطلقت لتنقل قاربها الملون بطول 60 قدماً من مكان إلى آخر على ممر مائي في ضواحي لندن، حيث ينصّ القانون على وجوب القيام بذلك كل أسبوعين على الأقل.
وقالت بولتون: «سيكون هذا جيداً»، وبعد ساعتين أوقفت محرك قاربها في امتداد ضفة مملوءة بالأعشاب، ورست بالقارب على بُعد أمتار من محال البقالة ومحطة قطار «هارلو»، وعلى بُعد 40 دقيقة من مكان عملها مدرّسةً بدوام جزئي في المدينة.
هذا هو إيقاع بولتون كـ«مسافرة دائمة»، وهي من بين المئات من مجتمع أصحاب القوارب الرُحّل الذين يعيشون على قنوات بريطانيا وأنهارها الصالحة للملاحة من دون دفع ثمن رسو دائم، وأحياناً تكون القوارب في وسط لندن مُحاطة بأغلى العقارات في بريطانيا.
لطالما كانت هذه القوارب جزءاً لا يتجزأ من المشهد في الممرات المائية لعقود، إذ إنها دائمة الحركة بسبب مُرتادي القوارب الذين يجذبهم نمط الحياة أو تدفعهم إليه كُلفة الإسكان الباهظة في بريطانيا، لكن الآن، تقول بولتون وآخرون في مجتمعها المائي إن طريقة حياتهم أصبحت مهددة.
إصلاح شامل
في نوفمبر المقبل، ستعلن مؤسسة القنوات والأنهار، وهي منظمة غير ربحية مكلفة بإدارة 2000 من القنوات والأنهار التاريخية في إنجلترا وويلز، إصلاحاً شاملاً للأنظمة ورسوم التراخيص، ويخشى مُرتادو القوارب الرُحّل أن تُجبرهم على ترك الماء.
وتصاعدت التوترات بين مسؤولي قنوات بريطانيا وغيرهم ممن يستخدمونها وبين أصحاب القوارب الرُحّل، الذين يحترمهم البعض كمسافرين من نوع نادر، ويحتقرهم آخرون كمستوطنين بحريين.
وقالت بولتون، التي تقضي نحو نصف وقتها في الممرات المائية الراقية بوسط لندن: «أعتقد أن هناك شعوراً بأننا نفلت من العقاب، وأننا وجدنا ثغرة للعيش برخاء»، مضيفة: «نعم، بعض السكان هنا لأنهم لا يستطيعون تحمل كُلفة أي شيء آخر، لكن الكثير منا هنا لأننا نحب ذلك».
ومن بين التغييرات التي يُعتقد أنها قيد الدراسة، زيادة رسوم الترخيص، وأنظمة تصاريح للحد من عدد الرحلات البحرية المستمرة في بعض المناطق، وقواعد من شأنها أن تُلزم أصحاب القوارب على التنقل لمسافات أطول كل عام، ما قد يفصلهم عن وظائفهم على الشاطئ والمدارس التي يلتحق بها أطفالهم.
تحديث اللوائح
أفادت مؤسسة القنوات والأنهار بأنه من السابق لأوانه التكهن بتوصيات محددة ستخرج من اللجنة المستقلة التي تراجع القواعد، غير أن المؤسسة أشارت إلى ضرورة تحديث اللوائح وصلاحيات الإنفاذ، لتلبية الطلب المتزايد على المساحات في جميع أنحاء شبكة القنوات التي يبلغ عمرها 200 عام، لاسيما في لندن وما حولها.
ويوجد أكثر من 8500 شخص يعيشون على الماء، ويشكلون ربع إجمالي القوارب، وفي لندن يفوق عدد القوارب المتنقلة الآن عدد القوارب الخاصة والسياحية التي تدفع آلاف الجنيهات الإسترلينية سنوياً لأماكن رسو ثابتة.
ووفقاً لأرقام مؤسسة القنوات والأنهار، ارتفع إجمالي عدد القوارب المرخصة، بما في ذلك السفن التجارية والقوارب السكنية ذات المراسي الخاصة الدائمة والقوارب السياحية المستمرة، بنسبة 15% في العقد الماضي، وتضاعف عدد القوارب السياحية بأكثر من الضعف.
وقال رئيس برامج القوارب في المؤسسة، ماثيو سيموندز: «عندما تكون لديك مساحة محدودة في القناة، فقد تنشأ خلافات بين المستخدمين، لقد شهدت بعض المناطق نمواً كبيراً».
ويقول روّاد القوارب الترفيهية، الذين يحتفظون بقواربهم في المراسي العامة أو الخاصة لكنهم يتنقلون عبر الشبكة، إن الرُحّل يحتكرون مساحات الرسو المحدودة، وإن بعضهم يخالف القواعد وينتقل كل أسبوعين، ويشكو مُلّاك الأراضي والمطوّرون على الواجهة البحرية من القوارب المُتهالكة، وأحياناً من روّاد القوارب غير الودودين.
مهمة شاقة
من جهته، قال مسؤول حكومي محلي، إيان بوروز، كان أشرف، أخيراً، على إزالة عشرات القوارب التي كانت تشغل جزءاً من نهر «التايمز» أمام قصر «هامبتون كورت»: «لقد واجهنا المزيد من المشكلات منذ جائحة كورونا وأزمة غلاء المعيشة».
بدوره، قال حارس سابق على نهر «التايمز»، أندرو هاميلتون، إن «مطالبة أصحاب القوارب بالتحرك كانت مهمة شاقة، حيث كان البعض يكتفي بالبقاء، وكانت المراسي تُشغل من قبل أشخاص، بعضهم لا يملك المال وبعضهم الآخر مُتعجرف».
ويقول «الرُحّل المائيون» إن شكاوى الاكتظاظ مُبالغ فيها، وإنه يجب التوقع بأن ازدحام الممرات المائية في لندن سيكون بقدر ازدحام شوارعها للسيارات، ومترو الأنفاق.
ولدى أصحاب القوارب شكاوى خاصة بهم بشأن إدارة هيئة النقل النهري للممرات المائية، بما في ذلك نقص أماكن الرسو بأسعار معقولة، كما أن محطات ضخ مياه الصرف الصحي غير كافية أو غير صالحة للتشغيل، فضلاً عن ضفاف الأنهار التي تحتاج إلى أعمال صيانة.
يعدّ هؤلاء الرُحّل أنفسهم فئة مستحقة، وإن كانوا بلا عناوين ثابتة، ويقول الكثيرون إن استهدافهم يُعدّ «غطرسة».
وقال الممرض آلان غوف – أولايا، (39 عاماً)، وهو على متن قاربه الضيق على حافة حي «إزلنغتون» بلندن، بينما كانت قطة تلهو بجانبه في مقصورة مملوءة بالكتب وأواني الطهي: «دائماً هناك نوع من التناقض بين القوارب المُتهالكة والقوارب اللامعة، ويبدو أن هيئة النقل النهري تقول إنه لا يمكنك الوجود كثيراً على سطح الماء، لأنك لست الشخص المناسب». عن «واشنطن بوست»
القوارب المُستأجرة
لا تسعى هيئة النقل النهري في بريطانيا إلى طرد القوارب الرُحّل من القنوات المائية، حيث يقول مسؤولون إن عودة القوارب المُستأجرة في ستينات القرن الماضي إلى الحياة في القنوات التي أصبحت راكدة بشكل قاتم، جاء نتيجةً لاختفاء نقل البضائع في أوائل القرن الـ20.
وأكّدت الهيئة أنها لا تمانع وجود قوارب من جميع الأنواع على القنوات المائية، إلا أنها أشارت إلى ضرورة إدارة شبكة القنوات بشكل عادل للجميع.
زيادة الرسوم
أقلية من أصحاب القوارب الجائلين يخالفون القواعد. أرشيفية
أقرّ رئيس برامج القوارب في مؤسسة القنوات والأنهار البريطانية، ماثيو سيموندز، بأن أقلية فقط من أصحاب القوارب الجائلين يخالفون القواعد، لكنهم جميعاً يزيدون الطلب على أماكن الرسو ومحطات الضخ والبنية التحتية الأخرى للقنوات المائية.
وفي العام الماضي، بدأت هيئة النقل النهري فرض رسوم إضافية بنسبة 10% على السفن السياحية، إضافة إلى رسوم الترخيص السنوية التي يدفعها جميع أصحاب القوارب، وسترتفع هذه الرسوم إلى 25% بحلول عام 2028. وقال سيموندز: «الأمر يتعلق فقط بمدى بقائك على الماء، فالسفن السياحية الدائمة تكون في الأغلب على سطح الماء».
ويقول العديد من أصحاب القوارب، إن أي زيادة في الكُلفة تُقرّبهم من نقطة التحول، وقالت جوجو كيس (37 عاماً)، التي تعيش على متن قارب ضيق على طول قناة ريجنت في لندن: «مسألة السعر مخيفة حقاً بالنسبة لي»، وبعد سنوات من استئجار الغرف والمشاركة مع الأصدقاء، اشترت (كيس) قارباً أزرق اللون بطول 50 قدماً، العام الماضي، مقابل نحو 36 ألف دولار، عن طريق الحصول على قرض واستخدام بطاقات الائتمان إلى أقصى حد، مشيرة إلى أنه أول عقار تمتلكه.
وقالت (كيس)، وهي تداعب قطتها، بينما يمر عداؤون على مسار القناة: «لم يكن امتلاك منزل يوماً ما محل اهتمامي»، وأضافت: «من المهم أن تكون لدينا أنماط حياة بديلة في ظل ارتفاع أسعار الإيجار».
لكن التغييرات التي تُقلق (كيس) أكثر، هي القواعد التي قد تُبعدها عن استوديو شمال لندن، حيث تكسب عيشها من بيع أعمال المنسوجات الفنية.
مخالفة القانون
يتعيّن على أصحاب القوارب تغيير أماكنهم كل أسبوعين. أرشيفية
ينصّ القانون في لندن على وجوب انتقال أصحاب القوارب، الذين لا يملكون مراسي خاصة، كل أسبوعين، لكنه غامض بشأن المسافة.
حالياً، تغيّر جوجو كيس (37 عاماً) مكان قاربها مرتين شهرياً ضمن قنوات هيئة النقل البحري، التي يبلغ طولها نحو 100 ميل في العاصمة، وفي الأغلب تضطر إلى الرسو لمرتين أو ثلاث مرات جنباً إلى جنب مع قوارب أخرى تفعل الشيء نفسه.
وتقول هيئة النقل البحري، إن هذا التنقل ضمن منطقة عامة واحدة يُخالف القانون، الذي يدعو إلى استخدام القوارب «بحسن نية للملاحة»، وتطبق الهيئة معياراً للتحرك لمسافة لا تقل عن 20 ميلاً سنوياً، وقد تزيد القواعد الجديدة تلك المسافة أو تنص على تقييد استخدام المراسي.
. لدى أصحاب القوارب شكاوى، منها نقص أماكن الرسو بأسعار معقولة، وقلة عدد محطات ضخ مياه الصرف الصحي.
. عدد القوارب المتنقلة في لندن، يفوق عدد القوارب الخاصة والسياحية التي تدفع آلاف الجنيهات الإسترلينية سنوياً لأماكن رسو ثابتة.