مراسلو الجزيرة نت
كوالالمبور- يبدو أن الزلزال الذي ضرب ميانمار في 28 مارس/آذار الماضي حرّك المياه الراكدة بين النظام العسكري ومنظمة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان).
وفي السياق، سارعت ماليزيا بصفتها رئيسة الدورة الحالية لمنظمة “آسيان” لعقد اجتماع عن بُعد على مستوى وزراء الخارجية، أعلنت بعده استعداد دول المنظمة لتقديم كافة أنواع المساعدات الإنسانية لميانمار، متجاوزة ما يعرف بالشروط الخمسة المجمع عليها للتعامل مع النظام العسكري.
وكانت المنظمة قد اتخذت جملة من الإجراءات في أعقاب انقلاب الأول من فبراير/شباط 2021 في ميانمار، شملت:
- عدم الاعتراف بشرعية النظام العسكري.
- ورفض مشاركة قادته من الصف الأول في اجتماعات آسيان سواء على مستوى القمة أو المؤتمرات الوزارية.
اجتماع بانكوك
وفيما اعتبر تحولا في سياسة آسيان تجاه النظام العسكري في ميانمار، التقى رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم برئيس النظام العسكري الجنرال مين أونغ هلاينغ، في العاصمة التايلاندية بانكوك الخميس الماضي (18 من الشهر الجاري)
وأعلن إبراهيم بعد اللقاء أن حكومة ميانمار وافقت على تمديد وقف إطلاق النار بما يسمح باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال.
وكان النظام العسكري والمنظمات المسلحة قد أعلنا وقفا مؤقتا لإطلاق النار عقب الزلزال الذي تسبب في مقتل أكثر من 3600 شخص وفق الإحصاءات الرسمية.
ويربط مراقبون زيارة أنور إبراهيم لبانكوك ولقائه بالجنرال هلاينغ بزيارة الرئيس الصيني لماليزيا التي اختتمت في اليوم ذاته، ومنحت رئيس الوزراء الماليزي فرصة لتقديم نفسه رجل دولة في ظل أزمة الرسوم الجمركية الأميركية، لا سيما أنها لم تستثنِ ماليزيا بسبب اقترابها من الصين، رغم أن الجمارك التي تفرضها على البضائع الأميركية لا تتجاوز 5 إلى 6%.
من ناحيته، انتقد وزير الخارجية الماليزي السابق سيف الدين عبد الله، لقاء أنور- هلاينغ، ووصفه بخطوة في الاتجاه الخطأ. وقال في بيان أرسله للجزيرة نت، إن سياسة آسيان للخروج من المأزق السياسي والحرب الأهلية التي تمر بها ميانمار، تقوم على أساسين:
- تشكيل حكومة وحدة وطنية.
- وانخراط جميع أطراف النزاع في مجلس استشاري للوحدة الوطنية. وهو ما ترفض الحكومة العسكرية التعامل معه.
ويطالب الوزير السابق دول آسيان بعدم السماح للنظام العسكري باستغلال آثار الزلزال من أجل الحصول على الشرعية. ويرى أنه ينبغي لماليزيا بصفتها رئيسة الدورة الحالية لآسيان الاتصال بحكومة المنفى لميانمار والتمسك بالنقاط الخمس التي اتخذتها قمة آسيان في جاكرتا عام 2022، والتي تتضمن:
- الموافقة على حوار شامل.
- والقبول بوسيط آسيان.
- والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى جميع المناطق.
لكنّ دبلوماسيًا ماليزيًا رفيع المستوى اعتبر في حديثه للجزيرة نت، أن موقف آسيان من ميانمار تسبب في تراجع المنظمة لحساب الصين، وبات يهدد وحدتها.
وأشار في ذلك إلى زيارة كل من وزير خارجية بروناي وكمبوديا، لنايبيداو (العاصمة الجديدة لميانمار) بما يخالف السياسة المعلنة لآسيان.
تأهيل النظام
وبينما يرفض وزير الخارجية السابق سيف الدين عبد الله، إعادة تأهيل النظام العسكري ويرى أن سلطاته لا تتجاوز 30% من مساحة البلاد، فإن خبراء في شؤون آسيان على علاقة مباشرة بالوضع في ميانمار يرون أن الدبلوماسية نجحت في إقناع القيادة العسكرية باتخاذ إجراءات للعودة للحياة السياسية قبل نهاية العام الحالي.
ويعربون عن قناعتهم بأن القيادة العسكرية تتجه نحو الانفتاح داخليا وخارجيا، ويتوقعون الإعلان عن موعد لانتخابات تشريعية لا يتجاوز فبراير/شباط المقبل.
ويقول الدبلوماسي الرفيع، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، إن قادة آسيان ينتظرون مبادرات حسن نية من النظام العسكري من أجل إفساح المجال للعودة للمشاركة الكاملة في اجتماعات آسيان، مثل الإفراج عن مسؤولين كبار في الحكومة السابقة لا سيما المستشارة سان سو تشي.
ويرى الدبلوماسي الماليزي أن القيادة العسكرية تتمسك بميثاق آسيان الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، لكنها تبدي مرونة في ملفات تتعارض مع هذا المبدأ، ويضيف بأنها قد تلجأ إلى الإعلان عن إجراءات تسمح لمنظمة آسيان بدعوتها للمشاركة في قمتها المرتقبة الشهر المقبل في كوالالمبور.
وفيما يبدو مغازلة للدول الإسلامية الأعضاء في آسيان، وهي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي، سمحت سلطات ميانمار للهيئات الإسلامية بإعادة إعمار نحو 50 مسجدا دمرها الزلزال، وأعلنت عن تخصيصها أراضي لإقامة مساجد في العاصمة الجديدة.
ويعتقد كثيرون أن وصول الرئيس برابوو سوبيانتو، وهو ذو خلفية عسكرية في إندونيسيا، وعرف بعلاقاته الوطيدة مع جنرالات ميانمار، من شأنه أن يسهل عودتها لحظيرة آسيان، والتي ستعقد قمتها النصف سنوية في الأسبوع الأخير من مايو/أيار المقبل والقمة الموسعة في نهاية أكتوبر/تشرين الأول.