في جزيرة «جيجيو» التي تبعد نحو 80 كيلومتراً إلى الجنوب من شبه الجزيرة الكورية، يعيش مجتمع شهير من النساء يطلق عليهن «نساء الهينيو»، أو «نساء البحر»، اللاتي يعملن بالصيد وصيد الحيوانات البحرية، خصوصاً نوعاً مميزاً من «الحلزون»، يطلق عليه اسم «الأبالوني»، بهدف جمع المال لعائلاتهن.
ويرجع تاريخ «الهينيو» إلى القرن الـ17 في جزيرة «جيجيو» بكوريا الجنوبية، حيث يعملن على اصطياد السمك بصورة مستدامة، والغوص مراراً وتكراراً لجلب المحار والأعشاب البحرية.
وتقول ميونغهيو غو، وهي من «الهينيو» وتعيش بقرية «إيهو دونغ» في «جيجيو»، إن «المشهد الذي تدور أحداثه في الستينات، ببساطة لن يحدث اليوم»، وتضيف: «يبدو أن الأعشاب البحرية هنا تختفي، والأعشاب البحرية هي غذاء (الأبالوني)، ولأننا لا نملك الأعشاب البحرية، لم يعد يوجد لدينا هذا النوع من الحلزون».
وميونغهيو ليست مجرد أحد أفراد شعب «الهينيو»، فهي مواطنة عالمة، وناشطة بيئية، وتمثل وهي في الأربعينات من عمرها الجيل الجديد من النساء الغواصات التقليديات في كوريا الجنوبية، وتتمثل مهمتها في تغيير الطريقة التي ينظر من خلالها العالم الخارجي إلى هؤلاء النساء.
وتعد نساء «الهينيو» من أشهر الصادرات الثقافية للبلاد، حيث أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، أعمالهن رسمياً في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، نظراً إلى تركيزهن على الاستدامة، إلا أن مستقبل هؤلاء النسوة بات على مفترق طرق، فمعظمهن تجاوزن الـ70 من العمر الآن، لذا تحرص الحكومة الوطنية وسلطات «جيجيو» على بروز جيل جديد، وعندما قدمت حكومة المقاطعة (جيجيو تتمتع بالحكم الذاتي ضمن كوريا الجنوبية) طلبها لـ«اليونسكو»، وصفت كيف أن نساء «الهينيو» يمثلن «شخصية الجزيرة، وروح الشعب»، وتشعر ميونغهيو بأن الانبهار الناتج عن «الهينيو» لم يكن دائماً مفيداً لمستقبل النساء.
وتقول: «أشعر بعدم الارتياح عندما يتم نشر قصص عن (نساء الهينيو)»، وتضيف: «يقوم من ينشر هذه القصص باستبعاد كل ما هو مهم من هذه القصص، وينشرون سمات محددة من حياتنا فقط».
وتتابع ميونغهيو: «يوجد جوقة مشهورة للغاية من (نساء الهينيو)، وإذا كان هناك حدث رسمي يجري دعوتهن على الأغلب وقد يقدمن الأغاني الجميلة، ولكن تقاليد (الهينيو) في الغناء بصورة جماعية بدأت عندما أصبحت الأمور متعبة وصعبة (خلال العمل) وبناء عليه فإن أغنياتنا ليست مرحة، بحد ذاتها، وما يمكن أن ترونه ليس حقيقياً».
وبلغ الافتتان بنساء «الهينيو» ذروته خلال السنوات القليلة الماضية، كجزء من الهوس بالثقافة الكورية، التي نجمت عن شهرة بعض فرق الأغاني الشعبية الكورية، إضافة إلى بعض الأعمال الدرامية الكورية، وتناول مسلسل بعنوان «أحزاننا» حياة نساء البحر، وفي العام الماضي تم إصدار فيلم وثائقي بعنوان «آخر نساء البحر» تم إنتاجه لمحطة تلفزيون «أبل».
وخلال الشهر الجاري، ستعرض محطة «بي بي سي» البريطانية برنامجها الأول، الذي أنتجته في كوريا بالتعاون مع شركة «جي تي بي سي للبث»، وهو بعنوان «الغوص العميق في كوريا الجنوبية» ويتابع البرنامج عارضة الأزياء والممثلة الكورية سونغ جي هيو، وهي تحاول أن تصبح «هينيو».
وتريد ميونغهيو استغلال شعبية «الهينيو» لتشكيل مدرسة لتعليم الناس عن الوضع البيئي في المحيط وتشكيل فريق من العلماء المواطنين.
وتقول ميونغهيو: «عندما أشعر بأننا (أي نساء الهينيو) يجري استغلالنا، يجعلني ذلك أشعر بالوحدة الشديدة، ومن ثم بدأت أغير أفكاري وأفكر في ما إذا كان بإمكاني توظيف هذا الاهتمام كي أروي القصة الحقيقية، بالنسبة لي فإن هذه القصة مستوحاة من تقاليد تهدف إلى حماية الضعيف، سواء كان ذلك في مجتمعنا أو في العالم الطبيعي».
وتعمل نساء «الهينيو» أيضاً في البحر عندما يصطدن الأسماك، ولا يغصن خلال موسم تكاثر المحار، على سبيل المثال، بل يجمعن الأعشاب البحرية بدلاً من ذلك، كما يتجنبن صيد المحار إذا كان حجمه أصغر من 7 سنتيمترات لمنحه فرصة التكاثر قبل صيده. وتقول ميونغهيو: «نعيش على جمع وبيع الأطعمة البحرية، ولكننا نعمل على حمايتها أيضاً، ونوضح للعالم كيفية التعايش بين البشر والطبيعة» عن «الغارديان»
. نساء «الهينيو» من أشهر الصادرات الثقافية للبلاد، وأدرجت «اليونسكو» أعمالهن في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.