تضغط موسكو على الولايات المتحدة لفتح أجوائها أمام شركات الطيران الروسية، كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار مع أوكرانيا.
لكن ثمة مشكلة كبيرة في هذا المخطط، فالاتحاد الأوروبي غير متحمس، ومن دون دعم أوروبا لن يكون سهلاً على شركات الطيران الروسية السفر إلى الولايات المتحدة.
وقال مسؤول في المفوضية الأوروبية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن «عقوبات الاتحاد الأوروبي ثابتة ضد روسيا، وتشمل حظراً على تحليق شركات الطيران الروسية فوق المجال الجوي للاتحاد الأوروبي».
وإلى جانب القرارات السياسية المتعلقة بالعقوبات، أشار مسؤول الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى «قضايا رئيسة تتعلق بالسلامة والأمن»، وإمكانية إعادة فتح المجال الجوي للاتحاد الأوروبي أمام الطائرات الروسية، إذ «من غير المعروف ما إذا كانت الطائرات التابعة لشركات الطيران الروسية وخدمات الحركة الجوية قد حظيت بصيانة سليمة على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما يضع صلاحية الأسطول الروسي للطيران موضع تساؤل جدي».
ومنذ الحرب الروسية على أوكرانيا، في فبراير 2022، مُنعت شركات الطيران الروسية من التحليق فوق أراضي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك من الحصول على قطع غيار للطائرات من الشركات المصنعة الغربية مثل «بوينغ» و«إيرباص»، ورد الكرملين بمنع شركات الطيران الغربية من دخول مجاله الجوي.
قطع غيار مزيفة
في هذا السياق، قال مدير شركة «سيغ أفيايشن» الاستشارية، ساندر ستارفيلد، محذراً من المخاطر التي تهدد سلامة الطيران: «نتيجة لذلك، هناك احتمال كبير بأن يكون هناك استخدام لقطع غيار مزيفة في الطائرات العاملة داخل السوق المحلية الروسية».
وأضاف أن «السماح لهذه الطائرات بالعمل تجارياً في أوروبا ليس أمراً غير آمن فحسب، بل يخاطر أيضاً بإدخال قطع غيار مقلدة إلى الاتحاد».
من الناحية العملية، فإن إعادة فتح أجواء أوروبا أمام شركات الطيران الروسية، مثل شركة الطيران الوطنية «إيروفلوت»، سيلقي بعبء كبير على وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي.
وأكد ستارفيلد أن الوكالة ستكون مُلزمة بضمان أن تتمتع الطائرات الروسية بمستوى من السلامة يعادل الطائرات العاملة بالفعل في الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن هذه العملية تستغرق وقتاً، لاسيما بالنظر إلى حجم العمل المطلوب.
وأوضح أنه إضافة إلى مسائل السلامة والتصديق، قد لا يتمكن العديد من الطائرات الروسية من الهبوط في أوروبا مرة أخرى، لأنها في الواقع ليست روسية، بل تعود إلى شركات تأجير طائرات، تم الاستيلاء عليها بعد الحرب.
وأضاف ستارفيلد: «قد تُصادر بعض الطائرات فور هبوطها في أوروبا بسبب قرار روسيا الأحادي الجانب بتأميم الطائرات المستأجرة»، لافتاً إلى «وجود ديون ضخمة مستحقة لشركات التأجير الغربية»، متوقعاً أنها ستحاول استرداد أكبر قدر ممكن من الأصول.
ضغط من موسكو
على الرغم من هذه المشكلات، تطالب روسيا باستئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى الولايات المتحدة كجزء من أي اتفاق لوقف القتال.
وصرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 11 أبريل الجاري، بأن هذه الخطوة «يجب أن تكون نتيجة لرفع العقوبات عن شركة إيروفلوت»، وقال الوزير الروسي: «درس الأميركيون الأمر، لكن لم نر أي خطوة حتى الآن».
وأفادت التقارير بأن روسيا طلبت من واشنطن، الأسبوع الماضي، السماح لها بشراء طائرات من إنتاج شركة «بوينغ»، ودفع ثمنها من أصول الدولة الروسية المجمدة منذ بداية الحرب، شريطة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وحتى الآن، لم ترفع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أي عقوبات على روسيا، لكن بعض المؤشرات تعطي الكرملين أملاً.
وفي مارس الماضي، دعا رئيس غرفة التجارة الأميركية في روسيا، روبرت آغي، علناً إلى رفع العقوبات عن قطاع الطيران.
وقال آغي لصحيفة روسية محلية: «تمتلك روسيا أسطولاً ضخماً من الطائرات الغربية، معظمها من طراز (بوينغ)، ونعتقد أنه يتعين علينا توفير قطع الغيار والدعم الفني لها، لذلك سنسعى إلى رفع هذه العقوبات»، وأضاف: «هذه ليست رغبة تجارية بقدر ما هي ضرورة إنسانية، فالمواطنون العاديون يعانون في المقام الأول».
خطوات مماثلة
أي جهد أميركي لتخفيف القيود المفروضة على شركات الطيران الروسية من شأنه أن يزيد الضغط على شركات الطيران الأوروبية لاتخاذ خطوات مماثلة، ولطالما اشتكت هذه الأخيرة الكلفة الإضافية لتجنب المجال الجوي الروسي الواسع عند السفر إلى آسيا، ما منح شركات الطيران الصينية أفضلية.
وعلى الرغم من هذه المخاوف التنافسية، تبدي بروكسل حذراً من الدخول في مفاوضات مع موسكو بشأن الوصول إلى مجالها الجوي، ويعود ذلك جزئياً إلى الطبيعة غير الآمنة للأجواء الروسية.
ووصف مسؤول في المفوضية الأوروبية، أمن المجال الجوي الروسي بأنه «إشكالي»، مستشهداً بتحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية يوم عيد الميلاد، بعد أن أصيبت بصاروخ دفاع جوي روسي مزعوم، ما دفع وكالة سلامة الطيران الأوروبية إلى نصح شركات الطيران بتجنب التحليق في جميع أنحاء غرب روسيا، واعتذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحادث، لكنه لم يحمّل روسيا مسؤوليته.
عن «بوليتيكو»
أسواق مفقودة
روسيا تمتلك أسطولاً ضخماً من الطائرات الغربية معظمها من طراز «بوينغ ». رويترز
أصدرت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي، في يناير الماضي، تحذيراً جديداً لشركات الطيران غير الأوروبية بخصوص التحليق داخل المجال الجوي الغربي لروسيا، نظراً إلى خطر استهدافها عن غير قصد من قِبَل أنظمة الدفاع الجوي الروسية.
ونددت هيئة الطيران المدني الروسية بهذا التحذير، معتبرة إياه فرضاً جديداً للعقوبات على الشركات الروسية، ومحاولة لتمكين شركات الطيران الغربية من استعادة أسواقها المفقودة.
وذكرت وكالة سلامة الطيران الأوروبية أن حادث تحطم طائرة تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية، بعد أن أطلقت الدفاعات الجوية الروسية النار على طائرات أوكرانية مسيرة، يظهر المخاطر الكبيرة المحتملة، وقد لقي ما لا يقل عن 38 شخصاً حتفهم في الحادث.
وأضافت الوكالة: «يشكل الصراع الدائر في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية خطر استهداف الطائرات المدنية عن غير قصد في المجال الجوي للاتحاد الروسي، نظراً إلى احتمالية وجود قصور في التنسيق بين السلطات المدنية والعسكرية، واحتمال حدوث خطأ في تحديد الهوية».
وأوصت الوكالة بعدم التحليق داخل المجال الجوي للاتحاد الروسي الواقع غرب خط الطول 60 درجة شرقاً على جميع الارتفاعات ومستويات الطيران.
وكان هذا التحذير موجهاً لشركات الطيران من دول أخرى، والمرخص لها من قبل وكالة سلامة الطيران الأوروبية، نظراً لإغلاق المجال الجوي الروسي أمام شركات طيران الاتحاد الأوروبي، منذ أن فرض الاتحاد عقوبات متعلقة بأوكرانيا تستهدف قطاع الطيران الروسي.
في غضون ذلك، أكدت هيئة الطيران المدني الروسية أن سلامة الطيران هي أولويتها القصوى، وأن هذه التوصية غير مبررة.
وكتبت الوكالة على تطبيق «تليغرام»: «هذه التوصية ليست سوى استمرار لسياسة العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على قطاع الطيران في الاتحاد الروسي». وأضافت أن «وكالة سلامة الطيران الأوروبية تسعى إلى ضمان خفض عدد رحلات شركات الطيران الآسيوية إلى وجهات الاتحاد الأوروبي باستخدام طريق سيبيريا». وتابعت: «تحاول وكالة سلامة الطيران الأوروبية، من خلال هذه التوصية، ببساطة استعادة ميزتها التنافسية المفقودة لشركاتها».
وفي تصريحات لوكالة «رويترز»، الشهر الماضي، ذكرت أربعة مصادر مطلعة على النتائج الأولية لتحقيق تحطم طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية، أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت الطائرة عن طريق الخطأ.
. من غير المعروف ما إذا كانت الطائرات الروسية وخدمات الحركة الجوية قد حظيت بصيانة سليمة على مدى السنوات الثلاث الماضية.