تشهد العلاقات بين الصين وتايوان توتراً متصاعداً، حيث أصبح تحليق المقاتلات الصينية في المجال الجوي التايواني حدثاً شبه يومي، في استعراض للقوة ورسالة واضحة بأن الحرب قد تندلع في أي لحظة.
وبحسب تقرير أعده مراسل الجزيرة محمد البقالي من مدينة شيامن -الأقرب جغرافياً إلى تايوان- فإن بكين تتبع نهجاً مزدوجاً في تعاملها مع الجزيرة، يجمع بين الضغط العسكري والاستقطاب الثقافي والاقتصادي.
فمن ناحية تنفذ الصين مناورات عسكرية متكررة تحاكي تطويقاً كاملاً للجزيرة، ومن ناحية أخرى تطلق مبادرات اقتصادية وثقافية تستهدف استقطاب الشباب التايواني. ويعكس هذا النهج المزدوج رؤية الصين الرسمية تجاه ما تعتبره جزءاً لا يتجزأ من أراضيها.
ونقل التقرير عن أحد أساتذة جامعة الدفاع الوطني التابعة للجيش الصيني أن التدريبات تستهدف القوى الانفصالية في تايوان، معتبراً ذلك إجراءً مشروعاً وضرورياً لحماية السيادة الوطنية وإعادة التوحيد.
ولا تكتفي الصين بالتلويح بالقوة العسكرية، بل تسعى أيضاً إلى كسب قلوب وعقول التايوانيين عبر ما يُعرف بـ”القوة الناعمة”، حيث تستقطب الكفاءات الشابة بحوافز اقتصادية وبيئة عمل داعمة، مستفيدة من التشابه الثقافي واللغوي بين الجانبين.
وتعد هذه الإستراتيجية المزدوجة جزءاً من خطة طويلة المدى تهدف إلى تحقيق حلم “الصين الواحدة” الذي لطالما نادت به بكين.
وفي هذا السياق، نقل التقرير عن مدير إحدى الشركات الصينية الناشطة في استقطاب المواهب التايوانية أن شركته قدمت خدمات لأكثر من 40 ألف شاب تايواني وساعدتهم في إطلاق أكثر من 500 مشروع موجه لهم، لافتا إلى أن الحكومة الصينية تعامل أبناء تايوان بطريقة ودية جداً.
الدور الأميركي الحاسم
ورغم هذه الجهود “الناعمة”، لا تزال الخيارات العسكرية حاضرة بقوة في حسابات الصين، خاصة مع تفوقها العسكري الكاسح الذي يمكّنها نظرياً من حسم أي مواجهة مباشرة مع تايوان في أيام أو أسابيع، غير أن هذا التفوق يصطدم بعامل الدور الأميركي الحاسم في المعادلة.
فالولايات المتحدة، على الرغم من اعترافها رسمياً بسياسة “الصين الواحدة”، تلتزم بدعم تايوان عسكرياً وتتبنى ما يُعرف بـ”سياسة الغموض الإستراتيجي” بشأن إمكانية تدخلها العسكري المباشر لحماية الجزيرة، وهذا الغموض تحديداً هو ما يمنع الصين من المضي قدماً في أي خطط عسكرية حاسمة.
وتبقى المنطقة في ظل هذه التعقيدات الجيوسياسية، على حافة مواجهة محتملة تشبه في طبيعتها الحرب الباردة، حيث يتبادل المعسكران الرسائل العسكرية والسياسية، مع مخاوف متزايدة من تحوّل هذه الرسائل إلى اشتباك مباشر في أي لحظة.
يذكر أن جذور هذا التوتر تعود إلى الحرب الأهلية الصينية التي انتهت بانفصال تايوان عام 1949، حيث لجأت القوات القومية المهزومة إلى الجزيرة وأسست حكومة منفصلة.
ومنذ ذلك الحين، لا تزال الذاكرة الجماعية الصينية متمسكة برؤية الوحدة، خاصة بين كبار السن الذين عاصروا تلك الفترة وينظرون إلى استعادة تايوان باعتبارها مسألة وطنية وتاريخية لا تقبل المساومة.