5/5/2025–|آخر تحديث: 5/5/202504:02 م (توقيت مكة)
في أبريل/نيسان الماضي، كشفت تقارير أن دبلوماسيين صينيين طلبوا من كبار المسؤولين في دولتي ملاوي وغامبيا الضغط على مشرعيهما للانسحاب من قمة “التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين” “آي بي إيه سي” (IPAC)، وهو تحالف دولي متعدد الأحزاب يضم برلمانيين من عدة دول ويشتهر بانتقاداته للصين.
وتدخل هذه الحادثة ضمن سلسلة من الضغوطات الدبلوماسية الصينية على دول في أفريقيا، كما تسلط الضوء على تحركات بكين والحزب الشيوعي الصيني في القارة على مدار السنوات الماضية.
وبشأن النفوذ الصيني في أفريقيا، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “تطور العلاقات الصينية الأفريقية: هل تتحول من الاقتصاد إلى النفوذ السياسي؟”، رصد فيها الباحث حكيم ألادي نجم الدين التطورات التي تؤشر إلى تحول النفوذ الصيني بأفريقيا من الاقتصاد إلى السياسة ومحل ذلك في مبدأ الحكومة الصينية بعدم التدخل في سياسات الدول الأخرى.
شراكة اقتصادية ومنافع سياسية
لقد كانت من المسائل المتكررة والمثارة عن الأنشطة الاقتصادية الصينية في أفريقيا، مسألة إمكاناتها المحتملة للتأثير السياسي، إذ بعد جهود حثيثة ومبادرات هائلة على مدار العقدين الماضيين، تصدرت الصين المشهد الاقتصادي الأفريقي لتصبح أكبر شريك تجاري للقارة، ومقرضا رئيسيا ومصدرا مهما للاستثمار الأجنبي المباشر في دولها.
ومما يؤشر إلى أن الروابط الاقتصادية والاستثمارية الصينية في أفريقيا تشكل منصة متينة للمشاركة أو التأثير السياسي، هو ما أظهرته المواقف الأفريقية الإيجابية تجاه الصين في القضايا العالمية، مثل قضايا “شنغيانغ” وتايوان وبحر جنوب الصين.
ويمكن القول إن الصعوبات التي تواجهها بعض الدول الأفريقية في سداد قروضها، تخلق فرصة غير مباشرة للصين لتأمين تنازلات سياسية أو امتثال دبلوماسي.
ويعني ما سبق أن تصدر الصين بوصفها شريكا اقتصاديا مهما وعاملا رئيسيا في نجاحات التنمية الأفريقية في السنوات الأخيرة يمنحها نفوذا وتأثيرا في صنع القرار الأفريقي، وبالأخص مع حاجة هذه الصفقات إلى تعاون سياسي وثيق، مما قد يكسب بكين نفوذا ناعما يفتح لها الباب لتغليب مصلحتها على مصلحة سكان مناطق نفوذها الأفريقية وأولوياتهم في التخطيط الوطني.
بداية الغيث
وتتناقض تطورات السنوات الأخيرة حول تحول النفوذ الصيني في أفريقيا من الاقتصاد إلى السياسة مع مبدأ الحكومة الصينية بعدم التدخل في سياسات الدول الأخرى وسيادتها.
وتتجلى إحدى الإستراتيجيات الصينية لتحقيق هذا النفوذ في مشاركاتها الأيديولوجية مع الأحزاب السياسية الأفريقية، والتي نمت بشكل بارز منذ عام 2022، بما في ذلك مراكز التدريب الأيديولوجي ودعم “تحالف حركات التحرير السابقة لأفريقيا الجنوبية” في كل من أنغولا وموزمبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وتنزانيا وزيمبابوي.
ويمكن ذكر مدرسة “مواليمو جوليوس نيريري للقيادة” على سبيل المثال لا الحصر بوصفها أول مدرسة في تنزانيا تصمم على غرار “مدرسة الحزب الشيوعي الصيني المركزية” لتدريب كبار الكوادر والقادة في الصين.
ومما يدعم ما سبق أن “إدارة الاتصال الدولي التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني” تحافظ على علاقات مع أكثر من 100 حزب سياسي في 51 دولة أفريقية، بما في ذلك الأحزاب الحاكمة والمعارضة، ويُدعى المئات من مسؤولي الأحزاب السياسية الأفريقية إلى الصين للتدريب والتعرف على نموذج الحوكمة والتنمية الصيني، مما يعزز العلاقات الشخصية والمهنية بين النخب السياسية الصينية والأفريقية.
ويجدر بالذكر أن تراجع النفوذ الأميركي أثناء إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، خلق فراغا ملأته الصين بسهولة، كما أن نأي الرئيس الحالي دونالد ترامب بسياساته عن أفريقيا قد يسمح لبكين بتعزيز مكانتها شريكا موثوقا، ولا سيما مع سياسة فرض الرسوم الجمركية الأميركية.
ويمكن ملاحظة تطور المشاركات السياسية للصين ونفوذها في أفريقيا في ممارسة الضغط و”الإكراه الدبلوماسي” على الحكومات والسياسيين هناك، والتي أدت إلى تراجع علاقات الدول الأفريقية مع تايوان.
أفريقيا تقفز على الحبلين
لم تكن الدول الأفريقية مجرد متلقٍ سلبي للنفوذ الصيني، إذ على مدى العقدين الماضيين أثبتت الشراكات الصينية الأفريقية أن العديد من دول القارة تتعاون مع بكين لتحقيق أهدافها التنموية وتنويع علاقاتها العالمية وتقليل اعتمادها على حلفائها الغربيين التقليديين.
ويمنحها هذا الخيار الإستراتيجي نفوذا أكبر وقدرة على التفاوض عند مناقشة شروط المشاريع والتمويل المحددة التي تتوافق مع احتياجاتها.
وفي حين اعترف الباحثون داخل أفريقيا بالمساهمات الإيجابية للصين في التطورات الأخيرة في القارة، فقد أثار النفوذ المتزايد للصين مخاوف بشأن استدامة الديون والشفافية والتداعيات المحتملة على الحوكمة وحقوق الإنسان.
بل تبدو الآراء حول هذه المسألة مستقطبة، فغالبا ما يتهم مؤيدو شراكات أفريقيا مع الصين، وخاصة الذين يتجاهلون الضغوط السياسية والدبلوماسية المتصاعدة، بالانحياز إلى المحور الروسي الصيني، ويوصمون بـ”تقويض الديمقراطية”.
وفي المقابل، يوصف الذين يحذرون من مخاطر فخاخ القروض والديون، إلى جانب آثارها الضارة على الاقتصاد والتنمية والمؤسسات السياسية، بأنهم منحازون نحو الغرب ومصالحه بذريعة تعزيز الديمقراطية.
ويستنتج مما سبق أن تنامي النفوذ السياسي للصين في أفريقيا يتزامن مع توسع مشاركاتها الاقتصادية، متطورا من علاقات دبلوماسية تقليدية واستثمارات مالية إلى تحرك أكثر استباقية، ويتجلى هذا التحول في مبادرات مثل بناء مؤسسات التدريب السياسي المستوحاة من حكم “الحزب الشيوعي الصيني”، ودور بكين المتزايد في الوساطة في النزاعات الإقليمية الأفريقية، ومبادرة “الحزام والطريق” وتعزيز العلاقات مع الأحزاب السياسية الحاكمة في دول أفريقية مختلفة.