مع انتهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، كانت عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان في أغسطس 2021 من أكثر القرارات إثارة للجدل في فترة رئاسة جو بايدن. وبينما كانت هناك توقعات بأن الانسحاب سيضع حداً لمعاناة القوات الأميركية والمشاركة في نزاع طويل الأمد، أدت الطريقة التي تم بها الانسحاب والفوضى التي صاحبته إلى انتقادات واسعة النطاق من مختلف الأطراف.
وقال أستاذ شؤون الأمن القومي في كلية الحرب البحرية الأميركية، جيمس كوك، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إن الإعلان المفاجئ للرئيس بايدن عن إنهاء حملة إعادة انتخابه قلب المشهد السياسي الأميركي قبل بضعة أشهر فقط من انتخابات نوفمبر.
ويرى كوك أنه بينما نادراً ما تظهر السياسة الخارجية بشكل بارز في حملة رئاسية، يمكن تتبع بداية التدهور السياسي لبايدن مع «الانسحاب الكارثي» للولايات المتحدة من أفغانستان. ومع الاقتراب من الذكرى الثالثة، ستتم إعادة النظر في المشاهد المروعة للفوضى والارتباك في كابول، وسيظل هذا الفصل المؤسف في السياسة الخارجية الأميركية ينعكس سلباً على إرثه السياسي لفترة طويلة بعد تركه منصبه.
وعلى الرغم من أن بايدن استمتع بفترة «شهر العسل» في بداية رئاسته، انخفضت نسبة تأييده بشكل ملحوظ بعد الانسحاب من أفغانستان، إذ تراجعت من 49% في بداية أغسطس 2021 إلى 43% بعد شهر واحد، وفقاً لاستطلاع مؤسسة «غالوب».
وبعد عام انخفضت نسبة تأييده أكثر إلى 38%، حيث بقيت عند هذا المستوى منذ ذلك الحين. وللتوضيح لم تكن أفغانستان العامل الوحيد الذي أثر على الرأي العام، فسياسات التعافي من «كوفيد-19» للإدارة أدت إلى ارتفاع حاد في التضخم، ما زاد من المخاوف الاقتصادية، وكثف التوترات السياسية (التي كانت متوترة بالفعل) في واشنطن، وفاقم المزاج السيئ في البلاد، ومع ذلك فإن هذا الخطأ في السياسة الخارجية قدم فرصة لمنتقديه ومنافسيه السياسيين لاستغلالها خلال محاولته لإعادة انتخابه، بحسب كوك.
ويقول كوك إنه كما كتب سابقاً، يستحق الرئيس بايدن الإشادة لإنهائه أطول حرب أميركية، فقد استنتج أن «ما يقرب من 20 عاماً من الخبرة أظهرت لنا أن الوضع الأمني الحالي يؤكد فقط أن (سنة واحدة أخرى) من القتال في أفغانستان ليست حلاً بل وصفة للبقاء هناك إلى أجل غير مسمى». لم يكن هناك طريق واضح إلى «النصر»، وتجاوزت تكاليف استمرار العمليات العسكرية في أفغانستان الفوائد، خصوصاً بالنظر إلى المصالح الوطنية المتنافسة في أوروبا (روسيا) ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ (الصين).
وعلاوة على ذلك ورث بايدن اتفاق السلام الأفغاني المعيب من سلفه، والذي تضمن موعداً نهائياً غير قابل للتنفيذ لسحب جميع القوات الأميركية بحلول أول مايو 2021.
وعلى الرغم من أنه مدد الموعد النهائي لاحقاً فإن ذلك لم يوفر وقتاً كافياً تقريباً للتخطيط والتنسيق وتنفيذ الانسحاب بشكل منظم.
ويقول البعض إنه كان يجب على الرئيس بايدن أن يحافظ على وجود عسكري صغير ودائم في أفغانستان (نحو 2500 جندي)، لكن من المحتمل أن «طالبان» كانت ستعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاق، ما سيشكل تحدياً كبيراً لحماية القوات الأميركية المتبقية في البلاد. وفي الواقع شهد الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي أخيراً بأنه يعتقد أن «الاحتمال الأكبر هو أن (طالبان) كانت ستعيد بدء العمليات القتالية».
وفي البيت الأبيض، وصف بايدن الخيار بعبارات أكثر وضوحاً، قائلاً: «لم يكن هناك سوى الواقع البارد، إما متابعة تنفيذ الاتفاقية لسحب قواتنا أو تصعيد النزاع وإرسال آلاف الجنود الأميركيين مرة أخرى إلى القتال في أفغانستان، والاندفاع إلى العقد الثالث من الصراع».