بيروت- بعد سنوات من التأجيل، تنطلق غدا الأحد الانتخابات البلدية والاختيارية (انتخاب المختار) في لبنان، بدءا من محافظة جبل لبنان، على أن تتم على مراحل متتالية. وتأتي هذه الانتخابات بعد تعذّر إجرائها منذ آخر عملية انتخابية عام 2016، إذ تم تمديد فترة عمل المجالس المحلية حتى اليوم.
ووفق الجدول الزمني المعلن، تجري الانتخابات كما يلي:
- يوم 11 مايو/أيار الجاري، سيتم التصويت في محافظتي الشمال وعكار.
- ويوم 18 مايو/أيار، تجري الانتخابات في بيروت والبقاع وبعلبك-الهرمل.
- وأخيرا يوم 24 مايو/أيار، من المقرر تنظيمها في الجنوب والنبطية.
في هذا التقرير، تستعرض الجزيرة نت جوانب متعددة تتعلق بالبلديات في لبنان، وتطرح تساؤلات حول العلاقة بين الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، بالإضافة إلى تأثير العوامل السياسية على نتائج هذه الانتخابات.
كم عدد البلديات في لبنان؟
وفقا لإحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يضم لبنان 1059 بلدية تحتوي على 12 ألفا و741 عضوا. وبعد الانتخابات البلدية الأخيرة في عام 2016، تم حل 108 بلديات بسبب فقدان نصف أعضائها جراء الوفاة أو الاستقالة، إذ تُدار من قبل القائمقام أو المحافظ، وتمثل هذه البلديات نحو 10% من إجمالي البلديات في البلاد.
ما مراحل الانتخابات البلدية؟
تجرى الانتخابات البلدية في لبنان كل 6 سنوات، وتتضمن عدة مراحل رئيسية:
- التسجيل: يقوم المواطنون بالتسجيل في اللوائح الانتخابية لضمان حقهم في التصويت.
- الترشيح: يمكن الترشح بشكل فردي أو من خلال قوائم حزبية.
- الاقتراع: يشارك الناخبون في التصويت داخل مراكز الاقتراع المخصصة.
- فرز الأصوات: يتم فرز الأصوات يدويا.
- إعلان النتائج: تعلن النتائج الرسمية ويتم انتخاب أعضاء المجالس البلدية ورؤسائها.
ورغم أن بعض الانتخابات في بعض المناطق قد تكون غير حزبية، فإن العوامل الطائفية تلعب دورا مؤثرا في تشكيل القوائم الانتخابية.
كيف يتم تحديد عدد أعضاء المجلس البلدي؟
يتم تحديد عدد أعضاء المجلس البلدي وفقا للمادة (9) من القانون البلدي والاختياري، حيث يتراوح عدد الأعضاء بين 9 و24 عضوا لكل مجلس، ويعتمد ذلك على عدد السكان في كل بلدة.
ماذا بخصوص الفوز بالتزكية؟
أصبح مفهوم الفوز بالتزكية شائعا في لبنان، خصوصا في مناطق الجنوب. وتحدث التزكية عندما يتساوى عدد المرشحين مع عدد المقاعد المتاحة في المجلس البلدي بعد انتهاء فترة الترشح، ليتم إعلان فوز المرشحين تلقائيا من دون الحاجة إلى إجراء انتخابات.
إلى أي مدى ترسم الانتخابات البلدية ملامح المشهد السياسي للانتخابات النيابية؟
يرى المحلل السياسي توفيق شومان أن الانتخابات البلدية والاختيارية اللبنانية، المقررة غدا، تخرج عن إطارها التنموي، وكذلك عن كونها مجرد سلطات محلية كما هي حالها في الأساس، بل تأخذ هذه الانتخابات مسارا سياسيا وتنافسا حزبيا يسعى لإظهار حجم وتمثيل القوى السياسية من خلال صناديق الاقتراع.
ويربط شومان، في حديث للجزيرة نت، هذا المسار السياسي بمجموعة من المتغيرات التي طرأت على المشهد اللبناني في السنوات الأخيرة، أبرزها:
- خروج الرئيس ميشال عون من القصر الجمهوري مع انتهاء ولايته الرئاسية، وتأثيرات ذلك على شعبية التيار الوطني الحر، سواء السلبية أو الإيجابية.
- كما يشير إلى عزوف تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات، مما يفتح الباب أمام الشخصيات والأطراف السياسية لاستقطاب كتلة شعبية من جمهور “المستقبل”، وهو ما ستكشفه العملية الانتخابية.
ويتابع شومان أن هذا الوضع ينطبق أيضا على ما تُعرف بقوى التغيير، إذ يشكل الاستحقاق الانتخابي اختبارا لها في الحفاظ على كتلها الناخبة أو التراجع عنها. وحسب تقديراته الاستباقية، من المرجح أن تتعرض هذه القوى لخسارة كبيرة مقارنة بالقوى السياسية الأخرى، نظرا لعدم ارتياح الناخبين تجاه أدائها في بعض المجالات.
وفي السياق ذاته، يشير شومان إلى أن الثنائي المؤلف من حركة أمل وحزب الله هو الطرف الأكثر اطمئنانا إلى حجم تمثيله الشعبي. ومن المرجح أن تشهد مناطق تركزّه إقبالا انتخابيا غير مسبوق، مما يؤدي إلى زيادة نسبة التصويت لصالح الثنائي مقارنة بالانتخابات السابقة، وهذا يأتي كنوع من الرد الانتخابي الذي يهدف إلى تعزيز الحماية الشعبية لهذا الثنائي بشكل عام، ولحزب الله بشكل خاص بعد العدوان الإسرائيلي الذي طال قيادة الحزب ومستويات متعددة منه.
كيف تعكس هذ الانتخابات نفسها على الاستحقاق النيابي؟
من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي والناشط السياسي علي مراد أنه لا انعكاس مباشرا بين الانتخابات البلدية والنيابية في لبنان، غير أنها تعكس بلا شك مؤشرات عن المزاج الشعبي العام داخل عدد من الطوائف والمجتمعات السياسية، وهي مؤشرات قابلة للتبدل.
ويضيف مراد -للجزيرة نت- أن المشهد السياسي في لبنان لم يعد على حاله، خصوصا في ظل المتغيرات المتسارعة وغير المستقرة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمساراته المستقبلية.
ومع ذلك يقول إن ثمة معطيات تستحق المتابعة، من بينها وضع حزب “القوات اللبنانية” لجهة التقدم أو التراجع، وحال “التيار الوطني الحر”، إلى جانب مراقبة نسب المشاركة في الجنوب، حيث يسعى حزب الله وحركة “أمل” إلى تأمين التوافق والتزكية، نظرا للظروف الصعبة التي يعيشها الجنوب اللبناني.
ويشير إلى أن عددا من القوى السياسية المعارضة لهذين الطرفين لا تبدي حماسة للمشاركة في الانتخابات، في ظل الدمار والنكبة التي يشهدها الجنوب اللبناني عقب الحرب.
ويؤكد مراد أن العلاقة بين الانتخابات البلدية والنيابية في لبنان ليست ثابتة، ففي معظم الأحيان تسبق البلدية النيابية، لكن ذلك ليس قاعدة مطلقة، خصوصا مع تكرار تأجيل الدورات الانتخابية والتمديد للمجلس النيابي.
ويشرح أن ولاية المجالس البلدية تمتد لـ6 سنوات مقابل 4 سنوات للمجلس النيابي، لكنه يلفت إلى أن “الإدارة العميقة” في لبنان، منذ تأسيس الدولة، تتسم بعقلية شديدة المركزية تتجنب تقاسم النفوذ مع القوى اللامركزية، سواء على مستوى البلديات أو المؤسسات العامة، مما يفسر ثبات الإدارة المركزية في بيروت.
ويذكّر مراد بأن آخر انتخابات بلدية قبل الحرب الأهلية (1975-1990) جرت عام 1964، ثم تعطّلت لمدة 9 سنوات، بسبب طبيعة التركيبة الاجتماعية والسياسية التي كانت تقوم على القيادات المحلية والتي لم تكن ترى في نشوء قوى بلدية قوية مصلحة لها. أما بعد الحرب، فبدأت الأحزاب الكبرى تشعر بارتباك متزايد تجاه هذه الانتخابات.
ويختم بالإشارة إلى أن القوى السياسية، مهما بلغت من قوة، تظل تنظر إلى الانتخابات البلدية بوصفها عبئا، فهي حتى حينما تدعم التوريث السياسي أو التمثيل المناطقي تصطدم بهوامش محلية تتيح حتى للحلفاء الشعبيين التعبير عن أنفسهم، مما يجعل الانقسام في هذه الانتخابات يتجاوز البُعد العائلي أو السياسي التقليدي.