قضت المحكمة الابتدائية المدنية في دبي بإلزام ثلاثة أطباء ومركزين طبيين يعملون فيهما، بسداد مليون درهم تعويضاً لورثة مريض توفي عن 42 عاماً، بعد أن ثبت أن وفاته جاءت نتيجة خطأ طبي جسيم، وصفته اللجنة العليا للمسؤولية الطبية بأنه «جهل فادح بالأصول الطبية»، وخلل واضح في التشخيص والعناية المطلوبة.

وأفادت تفاصيل الدعوى بأن المريض المتوفى قصد مركزاً طبياً خاصاً، بإمارة أخرى، وهو فرع من مركز رئيس في دبي (المدعى عليهما الرابع والخامس)، يشكو أعراضاً متفاوتة، لكن سلسلة الأخطاء المتتابعة في التشخيص والعلاج أدت إلى تدهور حالته بشكل سريع، قبل أن تنتهي حياته بعد أيام.

بدورها، أفادت لجنة المسؤولية الطبية العليا، بعد فحص الشكوى، بأن مستوى الرعاية المقدمة من الأطباء الثلاثة المدعى عليهم لا يتوافق مع المعايير الطبية المتعارف عليها، وحددت نسب الخطأ بينهم بدقة، مؤكدة وجود أخطاء مهنية فادحة، كان لها تأثير مباشر في سوء إدارة الحالة الصحية للمتوفى، ووصفت الخطأ بأنه «جهل فادح بالأصول الطبية»، وخلل واضح في التشخيص والعناية المطلوبة.

وخلال جلسات الدعوى، دفع المدعى عليهم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، كما طلبوا إعادة الملف مجدداً إلى اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، لإعادة تقييم الحالة، والانتقال إلى مقر المركز الطبي، ومراجعة كامل ملف المريض.

وتمسك دفاع المدعى عليهم بعدم ثبوت علاقة السببية بين التأخير في التشخيص ووفاة المريض، مستندين إلى ما ورد في التقرير من أنه كان مصاباً بنوع من مرض السرطان «شرس وسريع الانتشار»، بما قد يؤدي إلى النتيجة نفسها، حتى مع وجود تدخلات مبكرة.

غير أن المحكمة رفضت جميع هذه الدفوع، وذكرت في حيثيات حكمها أن الحكم الجزائي النهائي له حجية ملزمة أمام القضاء المدني فيما يتعلق بثبوت الخطأ الطبي الجسيم، ونسبته إلى الأطباء الثلاثة.

وأشارت إلى أنه من المقرر قانوناً «أن القضاء المدني يلتزم بما فصل فيه الحكم الجزائي فصلاً ضرورياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة ووصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها».

وأكدت أن تقرير اللجنة العليا هو الأساس الفني الوحيد في قضايا المسؤولية الطبية، ولا يجوز إعادة مناقشة مضمونه، مشيرة إلى أنه بموجب القانون فإن التقرير الصادر عن اللجنة العليا للمسؤولية الطبية نهائي وغير قابل للطعن، وعلى المحكمة الالتزام به طالما بُني على أسس علمية واضحة.

وأفادت بأن أركان المسؤولية التقصيرية الثلاثة قد توافرت بشكل كامل، فالخطأ ثابت من خلال التقرير الطبي الفني، والضرر قائم بوفاة المريض وحرمان أسرته من عائلها الوحيد، وعلاقة السببية قائمة بين سوء التشخيص وتدهور الحالة الصحية التي أدت إلى الوفاة.

وحمّلت المحكمة المركزين الطبيين المسؤولية بالتبعية، باعتبار أن الأطباء الثلاثة يعملون تحت إشرافهما ورقابتهما، وأن القانون يحمّل المتبوع الضمان عن أفعال تابعيه ما دامت قد وقعت أثناء ممارسة العمل أو بسببه.

وانتهت المحكمة إلى تقدير التعويض بمبلغ مليون درهم، ووزعته بحسب نِسَب الخطأ التي حددتها اللجنة العليا، فألزمت الطبيب الأول بمبلغ 400 ألف درهم، والثاني بـ350 ألفاً، والثالث بـ250 ألفاً، مع تضامن المركزين الطبيين معهم في حدود مسؤولية كل منهم، وألزمت المحكمة جميع المدعى عليهم بالرسوم والمصروفات وأتعاب المحاماة، مؤكدة في ختام حكمها أن هذا التعويض جاء لجبر ما لحق الورثة من أضرار مادية وأدبية.

شاركها.
Exit mobile version