أكد قانونيون ومختصون في حماية الطفل، أن مصلحة الأبناء الذين بلغوا 15 سنة، تتقدّم على رغباتهم واختيارهم العيش مع أحد الأبوين، عند حسم نزاعات الحضانة بين المطلقين، لاسيما إذا قرروا العيش مع طرف يفتقد شروط الحضانة أو قد يُعرّضهم للخطر أو الإهمال، ما يجوز معه للقاضي التدخل لحسم هذا التعارض، بما يحقق مصلحتهم في الحياة الكريمة.

واقترحوا إجراء فحص طبي نفسي إلزامي لحاضني الأطفال، للتأكد من أهليتهم النفسية والعقلية، وقدرتهم على رعاية وتربية الأطفال.

ووردت استفسارات من قراء لـ«الإمارات اليوم»، بشأن ما إذا كان تخيير الطفل في الحضانة يعدّ أمراً حاسماً في دعاوى نزاعات الحضانة، وماذا إذا كان اختياره خطأ، خصوصاً إذا اختار العيش مع أحد الأبوين وهو متزوج وكثير الانشغال والسفر ولا يصلح لتربيته.

وأقر المشـرّع الإماراتي في قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024، حق الطفل الذي بلغ سن 15 في اختيار من يعيش معه من الوالدين.

المعيار الأصيل

وقال المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، إن التحديث في قانون الأحوال الشخصية الجديد، جاء باعتبار أن الطفل في هذا العمر يُعدّ أكثر وعياً وقدرة على التعبير عن رغباته واحتياجاته، ويُعتبر هذا الحق جزءاً من مراعاة مصلحة الطفل الفضلى، وهي المبدأ الأساسي الذي يحكم جميع مسائل الحضانة.

وأوضح أن المقصود بالتخيير في هذا الصدد، ذلك الحق الذي يمنحه القانون للطفل بعد بلوغه 15 عاماً ليُعبّر عن رغبته في الإقامة مع أحد أبويه (الأب أو الأم) في حالات النزاع بينهما على الحضانة، وهو ما نصت عليه المادة (122) من القانون «إذا أتم المحضـون الـ15 من عمره، فله الاختيار في الإقامة لدى أحد والديه، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك».

واعتبر أن هذا النص يعكس توجهاً أكثر إنصافاً للطفل، بالجمع بين الحق في الاختيار وحقه في الحماية والرعاية المناسبة، ويكفل ضمان أن يكون مناط القرار في النهاية مصلحة الطفل، سواء الاجتماعية أو النفسية أو التعليمية.

وأكد أنه بهذه الطريقة يجسد التخيير حق الطفل في التعبير عن رغبته وارتباطه بأي من والديه، وفي جميع الأحوال تظل مصلحة الطفل هي المعيار الأصيل والحاسم في مَن يتولى حضانته ورعايته.

جلسة سرية

ولفت إلى أن نص القانون حسم هذا الأصل، فجعل للقاضي سلطة عدم الأخذ بقرار الطفل في التخيير إذا تبين له أن الحاضن المختار غير مناسب، أو غير قادر على توفير بيئة آمنة للطفل.

وبيّـن أن إجراءات التخيير تتم من خلال دعوى تقام أمام المحكمة المختصة من قبل أحد الأبوين أو من له مصلحة، وخلال تداول الدعوى يطلب القاضي سماع رأي الطفل الذي بلغ 15 عاماً، وذلك في جلسة سرية يتم فيها سؤال الطفل مباشرة عن رغبته في العيش مع الأب أو الأم، وتُثبّت رغبة الطفل في محضر الجلسة، ثم يُصدر القاضي حكمه بشأن الحضانة بناء على التخيير، أو ما يحقق مصلحة الطفل حتى لو كان خلاف التخيير.

وشرح أن الحاضن المختار من الطفل قد يكون متعسراً مادياً أو نفسياً، وفي هذه الحالات يلجأ القاضي إلى ذوي الخبرة بندب مختص اجتماعي أو نفسي من الموجّهين الأسريين أو الجهات المختصة (كالخدمة الاجتماعية أو الطب النفسي)، حتى يمكنه الموازنة بين رغبة الطفل ومصلحته، وفي النهاية يكون الترجيح لما يراه القاضي محققاً لمصلحة الطفل حتى لو كان مغايراً لاختياره، خصوصاً إذا ثبت أن الإقامة مع الطرف المختار تُعرّضه للخطر أو الإهمال، ففي مثل هذه الحالات يُقرّر القاضي الحضانة للطرف الآخر أو لطرف ثالث (كالجدة) إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك.

عناية التشريع

وقال المحامي عماد سعيد عثمان، إنه من المسلّم به أن الغاية التي يبتغيها الشارع في أمور حضانة الصغير هي مصلحة المحضون ورعايته والقيام على شؤونه، بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس، وكذا حق الحاضن، وهي مظهر من مظاهر عناية التشريع الإسلامي والقوانين الوضعية بالطفولة، بما يكفل للطفل التنشئة السليمة بدنياً وصحياً وخلقياً ونفسياً. وقد عُني قانون الأحوال الشخصية الإماراتي بتنظيم أحكام الحضانة، بما يراعي كل ذلك، حيث أفرد في الفصل الثامن منه الأحكام كافة المتعلقة بالحضانة، وشروط الحاضن وترتيب مستحقي الحضانة، وحالات سقوطها وانتهائها، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالحضانة والمرتبطة بها.

ونص على أنه تنتهي الحضانة ببلوغ المحضون سن الـ18 من عمره، إلا أن نص المادة (122) من القانون المذكور، قد خوّل المحضون الحق في اختيار الإقامة لدى أحد الوالدين في حال بلوغه سن الـ15، ما لم تقتضِ مصلحته خلاف ذلك.

ورأى أن هذا الحكم الذي أورده نص المادة سالفة الذكر، يكون في حال أتم المحضون هذه السن وكانت الحضانة للأم، ورأى الأب – لسبب أو لآخر – المطالبة بحضانة صغيره قبل أن يتم سن انتهاء الحضانة وهي 18 سنة. وفي هذه الحالة يتوجب عليه أن يرفع الأمر للقضاء بدعوى ترفع بالإجراءات المعتادة، يطلب فيها إنهاء حضانة الأم وضم الصغير إليه، وتباشر المحكمة الدعوى وتستطلع رأي الصغير في ما إذا كان يرغب في الانتقال للأب أو الاستمرار لدى أمه، فإن اختار المحضون الانتقال للإقامة لدى والده، ورأت المحكمة أن الأخير تتوافر فيه الشروط التي أوجب القانون توافرها في الحاضن، وافقت على طلب الأب وقضت بحكم يقضي بإنهاء حضانة الأم والنزول على رغبة المحضون ونقل إقامته للأب.

أما إذا رأت المحكمة من ظروف الدعوى، سواء كان ذلك راجعاً لعدم توافر الشروط المتوجبة قانوناً في الأب، أو لأن مصلحة المحضون تقتضي استمرار إقامته لدى أمه، كما لو كان له أشقاء آخرون يقيمون لدى الأم، ويترتب على التفريق بينهم ضرر معنوي لأي منهم، ففي هذه الحالة يمكنها أن ترفض طلب الأب، باعتبار أن أحكام الحضانة تدور جميعها حول مصلحة المحضون.

رفض الاختيار

وقال المحامي علي مصبح، إن طلب التخيير يُقدّم إلى المحكمة المختصة مرفقاً بما يثبت بلوغ المحضون السن القانونية، ويُسمع رأي الطفل بحضور القاضي، مع الاستعانة عند الحاجة بتقارير اجتماعية أو نفسية توضح مدى مناسبة الحاضن المختار.

وأضاف: «قد يختار الطفل الإقامة مع أحد الوالدين، لكن إذا ثبت أن هذا الوالد غير مؤهل نفسياً أو مادياً، أو أن ظروفه الحياتية (مثل وجود زواج آخر يؤثر سلباً في الاستقرار النفسي والاجتماعي) لا تحقق مصلحة المحضون، فإن للمحكمة سلطة رفض الاختيار، حفاظاً على استقرار الطفل».

ولفت إلى أن القانون أكد أن «رغبة المحضون تُحترم، لكنها لا تُنفّذ تلقائياً إذا تعارضت مع مصلحته، وهنا يتدخل القاضي لتحقيق التوازن بين حق الطفل في التعبير عن رغبته، وواجب الدولة في حماية مصالحه العليا».

تحريض الأطفال

بدوره، أكد رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل، فيصل محمد الشمري، أنه على الرغم من أهمية ما استحدثه قانون الأحوال الشخصية في تخيير الأطفال ممن بلغوا سن الـ15 في العيش مع أحد الأبوين، فإن المشكلة الرئيسة تظل قائمة، وهي متعلقة بسلوكيات البعض من الأبوين بعد الطلاق، وغياب التفاهم بينهما، ومحاولة كل منهما استغلال الأطفال من أجل الانتقام من الطرف الثاني، دون النظر إلى مصلحة الأطفال أنفسهم.

وكشف الشمري أن «الجمعية تتلقى بين حين وآخر شكاوى مطلقين متعلقة بحضانة الأطفال، إذ يحاول كل طرف الطعن في صلاحية وأهلية الطرف الثاني في الحضانة، وهي أمور لا تختص بها الجمعية، وإنما الكلمة فيها تكون للقضاء الذي يفصل فيها، لكننا نوجه ونرشد المشتكين بأخذ مصلحة الأطفال المثلى في الاعتبار، والكفّ عن النزاعات والصراعات المتبادلة بينهما، وتحريض الأطفال، لما لها من تأثيرات سلبية اجتماعية ونفسية عدة على الأطفال».

وطالب بتفعيل إجراءات الفحوص الطبية البدنية والنفسية مقرونة ببحث الحالة الجنائية لطالبي حضانة الأطفال من داخل الدولة، للمواطنين، ومن خارجها للمقيمين، بشكل إلزامي، امتثالاً لقانون «وديمة»، ودرءاً للدروس المستفادة من قضية حضانة الطفلة «وديمة» وغيرها.

وأكد أهمية هذه الفحوص، خصوصاً مع ارتفاع معدلات الطلاق، للتأكد من أهلية طالبي الحضانة النفسية والعقلية والاجتماعية والسلوكية، وقدرتهم على رعاية وتربية الأطفال، مشيراً إلى أن المادة (59) من قانون الطفل، تنص على أنه «مع مراعاة أحكام قانون الأحوال الشخصية، على المحكمة المختصة، قبل أن تحكم بالحضانة، طلب تقديم تقرير مفصل عن الحالة الاجتماعية والنفسية والصحية والحالة الجنائية لطالب الحضانة أو من ستحكم له بالحضانة، أو إقرار يفيد عدم ارتكابه جريمة خارج الدولة، وتحدد اللائحة التنفيذية إجراءات إعداد التقرير والإقرار.

التفتيش القضائي

واقترح الشمري تشكيل لجان اتحادية محلية مشتركة تضم أعضاء وممثلين للسلطة القضائية والجهات المعنية بالمجتمع والطفل وجمعيات النفع العام المختصة، لبحث حل أي معضلات أو تحديات قائمة، مؤكداً أهمية دور التفتيش القضائي في رصد ومتابعة أحكام الحضانة، والامتثال للمتطلبات القانونية، وتفضيل المصلحة المثلى للطفل.

كما أكد أهمية مشاركة وزارة الأسرة ووزارة تمكين المجتمع في تطوير برامج الدعم والتمكين الاجتماعي ليشمل الأسر المفككة والمضطربة، ورصد وضعها وشؤون أفرادها، خصوصاً الأطفال، وتوفير الدعم النفسي من القطاع الطبي والدعم الاجتماعي اللازم للأطفال أثناء الانفصال أو بعده، لضمان عدم ظهور أفراد يعانون خللاً أو اضطرابات نفسية قد تشكل خطراً عليهم أو على المجتمع لاحقاً.

وجدد الشمري مقترحه إطلاق مشروع وطني لتصميم وإنشاء «مستودع بيانات حماية الطفل»، لتجميع كل البيانات المتعلقة بالطفل عبر الربط مع الجهات المعنية، بما يشمل المحاور الـ16 لحماية الطفل، مشيراً إلى ما طرحته وزارة التربية والتعليم بالاشتراك مع جمعية الإمارات لحماية الطفل، بشأن تطوير منظومة «وديمة» الاستباقية، ومبادرة «أمن وأمان»، مؤكداً أهمية استكمال المشروع وآليات ربط وتكامل البيانات، وإجراء اللازم نحو تطوير باقات من الخدمات المترابطة الاستباقية السلسة المبتكرة المدعومة بالقدرات التحليلية التنبؤية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة التي ستسهم في تعزز جودة الحياة في الدولة، وترفع مؤشرات السعادة، وتنافسية الدولة ومكانتها كمنبر إشعاع حضاري بين الأمم.

شروط الحضانة

وضع القانون ثمانية شروط يجب أن تتوافر في الحاضن، هي العقل، وبلوغ سن 18 سنة ميلادية إذا كان الحاضن الأم أو الأب، وبلوغ سن الرشد إذا كان الحاضن غيرهما، والأمانة والقدرة على تربية المحضون تربية صالحة وحفظه ورعايته والإشراف على تعليمه، والسلامة من الأمراض المعدية أو التي تشكل خطراً على حياته أو صحته. وإذا كان الحاضن امرأة، فيجب أن تكون غير متزوجة برجل أجنبي عن المحضون، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك، وفقاً لتقدير المحكمة. وإذا كان الحاضن رجلاً، فيجب أن يكون ذا رحم محرم للمحضون إذا كان أنثى، وأن يقيم عند الحاضن من يصلح للحضانة من النساء، وألا يكون قد سبق الحكم عليه بجريمة من الجرائم الواقعة على العرض، وألا يكون مدمناً على تعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية أو المسكرات، وأن يتحد الحاضن مع المحضون في الدين، إلا إذا كانت الحاضنة أُماً على غير دين المحضون، وقدّرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون، وفقاً للشروط التي تُقررها المحكمة.

سقوط الحضانة

ست حالات يسقط فيها الحق في الحضانة:

■ إذا تخلف أحد الشروط التي يجب أن تتوافر في الحاضن.

■ إذا قصّـر الحاضن في القيام بواجبات الحضانة أو تعذر عليه القيام بها.

■ إذا انتقل الحاضن إلى مكان بقصد الإقامة تفوت به مصلحة المحضون.

■ إذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة تزيد على سنة من تاريخ علمه بسبب الاستحقاق، من غير عذر، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك.

■ إذا سكن الحاضن الجديد مع من سقطت حضانته لسبب غير العجز الصحي.

■ ارتكاب الحاضن سلوكاً مشيناً يُؤثر سلباً في المحضون.

استمرار الحضانة

حدد القانون حالتين لانتهاء أو استمرار الحضانة، إذ نص على أنه تنتهي الحضانة ببلوغ المحضون سن 18 سنة ميلادية.

أما إذا كان المحضون مجنوناً أو معتوهاً أو مريضاً مرضاً مقعداً، فتستمر الحضانة لدى الحاضن، أو من يليه في الترتيب، ما لم تقتضِ مصلحة المحضون خلاف ذلك.

شاركها.
Exit mobile version