طالب مستخدمون بتحسينات فنية وتصميمية في التطبيقات والمنصات الخاصة بالخدمات الحكومية الرقمية لجعلها أكثر سلاسة وكفاءة، خصوصاً بعدما شهدت بعض الخدمات الرقمية في الفترة الأخيرة تطوراً ملحوظاً، وتحولاً تقنياً متقدماً أسهم في تسهيل إنجاز المعاملات وتوفير الوقت والجهد، مشيرين إلى أن التطبيقات والمنصات الرقمية للقطاع الخاص كشركات الطيران والاتصالات والمتاجر الإلكترونية والبنوك، وخدمات توصيل الطعام، وغيرها من المنافذ الخدمية الرقمية، تتسم بالسهولة في الاستعمال والدفع، ووضوح الخدمات، وسرعة إنجاز المعاملات.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إنهم واجهوا تحديات تتعلق ببطء إنجاز بعض المعاملات، وظهور مشكلات تقنية مؤقتة تسببت أحياناً في تعليق الطلبات أثناء تنفيذ العملية، إلى جانب صعوبات في العثور على الخدمات المطلوبة عند حجز المواعيد إلكترونياً، بسبب التنقل بين أكثر من صفحة للوصول إلى الخدمة المناسبة، كما أشاروا إلى أن ترتيب وتنسيق الخدمات داخل بعض التطبيقات الحكومية يحتاج إلى تحسين، لافتين إلى أن تصميم الصفحة الرئيسة والأيقونات والألوان يلعب دوراً مهماً في توجيه انتباه المستخدم نحو الخدمات الأساسية، وأن تنظيم القوائم الفرعية بشكل منطقي وتبويبي يُسهم في تسهيل التنقل واختصار الوقت، إذ إن غياب هذا التنظيم في بعض المنصات جعل التجربة تستغرق وقتاً أطول من المتوقع.

وأكد خبراء أن التطبيقات الحكومية تختلف بطبيعتها عن تطبيقات القطاع الخاص، من حيث النطاق والتكامل وحساسية المهام التي تؤديها وأعداد المتعاملين معها، إذ إنها تتعامل مع بيانات ووثائق رسمية وتربط بين أنظمة وجهات متعددة لتقديم خدمة موحدة، مثل استخدام الهوية الرقمية أو الربط بين الجهات الحكومية، ما يجعل عمليات التطوير والتشغيل أكثر تعقيداً وتحدياً، كما أن بعضها يُستخدم يومياً من قبل 100 ألف زائر للحصول على خدمات متعددة، في حين أن هناك تطبيقات لجهات خاصة لا يتعدى عدد المتعاملين عليها 40 أو 50 متعاملاً طوال اليوم.

وأوضحوا أن الاعتماد على فرق برمجة داخلية في بعض الجهات أدى إلى بطء وتعقيد في مراحل التصميم والتطوير، مقارنة بالقطاع الخاص، وأسهم في ظهور ما يُعرف بـ«السوبر أب»، أي التطبيقات الشاملة التي تضم عشرات الخدمات في منصة واحدة، ما جعلها ثقيلة ومعقدة نسبياً للمستخدمين، كما لفتوا إلى أن بعض التطبيقات لاتزال تعكس نمط التفكير التقليدي في تقديم الخدمات، حيث تم نقل الإجراءات الإدارية نفسها إلى البيئة الرقمية، ما أفقد التجربة بساطتها وسرعتها التي تمثّل جوهر التحول الذكي المتكامل.

وقدّموا ثلاثة حلول تقنية من شأنها تعزيز كفاءة التطبيقات الحكومية، ورفع مستوى رضا المستخدمين وسرعة إنجاز المعاملات، تشمل «زيادة القدرة الاستيعابية للخوادم (السيرفرات)، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المستخدمين، ووضع خطط مستقبلية تمتد لخمس سنوات تراعي النمو السكاني وتزايد الطلب على الخدمات الرقمية، وإعادة هيكلة وأرشفة الخدمات، وفقاً للأولوية والاستخدام الأكثر شيوعاً، وتخصيص التطبيقات والمنصات بحسب نوع الخدمة، دون تجميعها داخل تطبيق واحد، مثل تطبيق خاص بالمخالفات، وآخر للمواقف، وغيرها، بحيث يكون كل تطبيق بسيطاً وموجّهاً وواضحاً، مؤكدين أن التحول الذكي الناجح يقوم على البساطة وسهولة الوصول، وليس على تعدد الخدمات في منصة واحدة.

ولفتوا إلى أنه على الرغم من الإنجازات الكبيرة في التحول الرقمي، فإن هناك بعض الجهات أو الخدمات لم تصل بعد إلى «التحول الرقمي الكامل»، ما يعني أن هناك بعض الخدمات ماتزال تحتاج إلى تعامل بشري أو زيارة ميدانية.

تجارب المستخدمين

وتفصيلاً، قال محمد الخاجة: «أغلب معاملاتي أُنجزها إلكترونياً بسهولة، وهذا تطور كبير نلمسه جميعاً، لكن على الرغم من هذا التقدم، مازالت بعض التجارب تواجه تحديات تقنية تحتاج إلى تحسين».

وأوضح أنه واجه أخيراً مشكلة أثناء تنفيذ معاملة لاستخراج إحدى الوثائق الرسمية، حيث تم خصم الرسوم من الحساب دون إتمام المعاملة، ليبقى الطلب معلقاً لمدة 24 ساعة قبل أن يتم استرجاع المبلغ واستكمال الخدمة بنجاح بعد إعادة التقديم، مشيراً إلى أن الجهة الحكومية المعنية تواصلت معه وأوضحت أن ما حدث كان نتيجة خلل تقني مؤقت تسبب في تعليق بعض المعاملات وقت تنفيذ العملية، وتمت معالجته. وتابع: «نُقدّر الجهود المبذولة في تطوير الخدمات الرقمية، لكن من المهم تعزيز سرعة الاستجابة لأي خلل تقني، من خلال زيادة عدد الفنيين المتخصصين ومراقبة الأنظمة على مدار الساعة، لضمان استمرارية الخدمة دون انقطاع».

وقال سليمان الريس: «أثناء محاولتي حجز موعد عبر أحد التطبيقات، واجهت صعوبة في العثور على الخدمة المطلوبة، وتنقلت بين أكثر من صفحة ولم تكن الخدمة واضحة بشكل مباشر، ما جعل التجربة تستغرق وقتاً أطول من المتوقع».

وأضاف: «بعض التطبيقات تحتاج إلى إعادة ترتيب وتصميم واجهاتها لتكون أكثر وضوحاً وسهولة في الاستخدام، خصوصاً للخدمات الأساسية مثل حجز المواعيد أو الاستعلامات السريعة»، مؤكداً أن الخدمات الحكومية الرقمية متطورة جداً وتُقدّم بشكل مميز، لكن تحسين طريقة عرض الخدمات وتبسيط الوصول إليها سيجعل التجربة أكثر راحة وسلاسة لجميع المستخدمين.

فيما، قال جمال الصاوي: «واجهت تأخراً في إنجاز عملية حجز موعد مطلوب مني، وعلى الرغم من أن النظام متطور، فإن بعض الخدمات تحتاج إلى تحسين سرعة الاستجابة في أوقات الضغط».

وأضاف: «النظام الرقمي يُقدّم تجربة ممتازة، لكنه يحتاج إلى مرونة أكبر في التعامل مع حجم الطلبات خلال فترات الذروة، مثل نهاية الأسبوع، وتحسين سرعة الاستجابة وإشعارات التحديث الفوري ستقلل الإرباك وتساعد المستخدمين على الحصول على الخدمة بكل سلاسة».

فيما أكد (أبوياسين) أن التحدي يكمن في ترتيب وتنسيق الخدمات داخل بعض التطبيقات، حيث يجب إعطاء الأولوية للخدمات الأكثر استخداماً، لتكون ظاهرة في الصفحة الرئيسة من دون الحاجة إلى البحث المطوّل.

وأوضح أن تنسيق الخدمات وترتيبها وفق الأولوية سيجعل من السهل على المستخدمين الوصول إلى ما يحتاجونه بسرعة، موضحاً أن تصميم الصفحة الرئيسة والأيقونات والألوان يلعب دوراً كبيراً في توجيه الانتباه نحو الخدمات الأساسية، كما أن تنظيم القوائم الفرعية بشكل منطقي وتبويبي يُسهل التنقل ويختصر الوقت بشكل كبير.


التحديات التقنية

وأكد خبير في تقنية المعلومات، الدكتور معتز كوكش، أن التطبيقات الذكية التابعة للجهات الحكومية تشهد تطوراً متسارعاً في مستوى الخدمات وجودة الأداء، على الرغم من التحديات التقنية المرتبطة بحجم المستخدمين وتنوع الخدمات المقدمة.

وأوضح أن تلك التطبيقات الحكومية تختلف في طبيعتها عن تطبيقات القطاع الخاص من حيث النطاق والتكامل، وطبيعة المهام التي تؤديها، فهي تتعامل مع وثائق رسمية وبيانات حساسة، وتربط بين أنظمة عدة لتقديم خدمة واحدة، مثل استخدام الهوية الرقمية أو الربط بين أكثر من جهة حكومية، الأمر الذي يزيد حجم العمليات التقنية المطلوبة، ويجعل تجربة التطوير والتشغيل أكثر تحدياً.

وأشار إلى أن الشكاوى المتعلقة بالبطء أو صعوبة الاستخدام لا تعود إلى ضعف في الخدمات الحكومية نفسها، بل إلى الارتفاع الكبير في عدد المستخدمين مقارنة بالتطبيقات الخاصة.

وأوضح أن بعض التطبيقات الخاصة لا يتجاوز عدد زوارها يومياً 40 أو 50 مستخدماً، في حين تستقبل التطبيقات والمواقع الحكومية أكثر من 100 ألف زائر يومياً للحصول على خدمات متعددة.

وأضاف أن نطاق الخدمات الحكومية أوسع بكثير من نظيره في القطاع الخاص، إذ قد تقدّم بعض الجهات، مثل هيئة الطرق والمواصلات، أكثر من 50 خدمة إلكترونية متنوعة، ما يجعل المقارنة بين الطرفين من حيث السرعة أو البساطة غير منطقية.

وقدّم عدداً من الحلول التقنية التي من شأنها تعزيز كفاءة التطبيقات الحكومية ورفع مستوى رضا المستخدمين، أبرزها «زيادة القدرة الاستيعابية للخوادم (السيرفرات)» وذلك لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المستخدمين، مع وضع خطط مستقبلية تمتد لخمس سنوات على الأقل، تأخذ في الاعتبار النمو السكاني وتزايد الطلب على الخدمات الرقمية، و«إعادة هيكلة وأرشفة الخدمات»، بحيث يتم ترتيب الخدمات بحسب الأولوية والاستخدام الأكثر شيوعاً، وتسهيل الوصول إليها من الواجهة الرئيسة للتطبيق.

التفكير التقليدي

وأوضح الخبير في الذكاء الاصطناعي، فيصل الجندي، أن الكثير من التطبيقات في بداياتها اتبعت نموذج التفكير التقليدي لخدمة المتعاملين، أي الآلية نفسها التي تُقدَّم بها الخدمات في مراكز إسعاد المتعاملين أو عبر النوافذ الإلكترونية، ما جعل تجربة الاستخدام في تلك التطبيقات صعبة بعض الشيء على المستخدمين.

وأوضح أن هذا النهج أدى إلى نقل التعقيد الإداري نفسه إلى بيئة التطبيقات الذكية، فالمستخدم الذي كان يطلب ورقة من موظف ثم ينتقل إلى آخر داخل مركز الخدمة، أصبح يواجه الخطوات ذاتها بشكل رقمي داخل التطبيق، وهو ما أفقد الخدمة بساطتها وسرعتها.

وأشار إلى أن العديد من الجهات حين شرعت في تطوير تطبيقاتها لجأت إلى فِرق برمجة داخلية، سواء في مراحل التصميم أو الموافقات، الأمر الذي جعل عملية بناء التطبيقات أكثر بطئاً وتعقيداً مقارنة بالشركات الخاصة، وأن هذا النهج قاد إلى ظهور ما يُعرف بـ«السوبر أب»، أي التطبيقات الشاملة التي تضم عشرات الخدمات في منصة واحدة، ما جعلها ثقيلة ومعقدة بالنسبة للمستخدمين.

وقال: «حين نحاول جمع أكثر من 40 أو 50 خدمة في تطبيق واحد، فإننا نحمّله فوق طاقته، ونبتعد عن مفهوم السهولة الذي يبحث عنه المستخدم»، وأشار إلى أن تطبيقات مثل «دبي الآن» و«تم» تُعدّ من أفضل التجارب الحكومية في المنطقة، لكنها مازالت تواجه تحديات تتعلق بتعدد الخدمات وتشعّبها، حيث يستخدم أغلب المتعاملين نسبة كبيرة من وظائفها في خدمات محدودة كدفع الرسوم أو المخالفات، بينما تظل بقية الخدمات غير معروفة أو غير مستخدمة.

ويرى أن الحل الأمثل يكمن في تخصيص التطبيقات بحسب نوع الخدمة، وليس في تجميعها داخل تطبيق واحد، موضحاً: «الأفضل أن تكون لكل خدمة رئيسة تطبيقها المستقل، مثل تطبيق خاص بالمخالفات، وآخر للمواقف، وغيرهما، بحيث يكون كل تطبيق بسيطاً وموجهاً وواضحاً في هدفه، حيث إن التحول الذكي الناجح لا يعني جمع كل شيء في مكان واحد، بل تقديم تجربة استخدام بسيطة وفعالة تضع احتياجات المستخدم في المقام الأول».

وبيّـن أن هذا النموذج هو ما تتجه إليه الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تبتعد تدريجياً عن فكرة «السوبر أب» لصالح التطبيقات المتخصصة، مع الحفاظ على نظام دخول موحّد يربطها جميعاً، مثل الهوية الرقمية.

خدمات شاملة

من جانبه، قال الباحث والأكاديمي في تقنية المعلومات، الدكتور عبيد صالح المختن، إنه من الطبيعي أن تختلف تجربة المستخدم بين المنصات الحكومية والتجارية، لأن الهدف من كل منهما مختلف، إذ إن المنصات الحكومية لا تهدف للربح، بل لتقديم خدمات شاملة وآمنة لملايين المستخدمين في وقت واحد، مع مراعاة أعلى معايير الخصوصية وحماية البيانات، ما يجعل إجراءاتها أحياناً أكثر تنظيماً وأماناً من التطبيقات التجارية، لافتاً إلى أن الجهات الحكومية تستثمر بشكل مستمر في تطوير هذه المنصات عبر الذكاء الاصطناعي والتحول السحابي وتجربة المستخدم الذكية.

وأوضح أن المستخدم اليوم معتاد على تجربة من القطاع الخاص (تطبيقات الدفع والتوصيل والتواصل الفوري) التي غالباً ما تكون سريعة جداً، وواجهة المستخدم بها تصميم جذّاب، وغالباً ما تكون هذه الخدمات مرتبطة بالسحابة الرقمية، وأحياناً تكلفة الخدمة أعلى أو تُشغّل من جهة مرنة تجارياً.

وأضاف أن الخدمات الحكومية تشمل غالباً اعتبارات أوسع من حماية الخصوصية (تكامل بيانات بين جهات متعددة، والتزام تشريعي)، وأحياناً تحققات يدوية أو موافقات بشرية، ما يمكن أن يُقلّل سرعة أو سلاسة التطبيقات، مقارنة بالتطبيقات التجارية الخاصة.

وتابع: «وعلى الرغم من الإنجازات إلا أن بعض الجهات أو الخدمات لم تصل بعد إلى التحول الرقمي الكامل «end-to-end»، ما يعني أن هناك أجزاء لاتزال «جزئية» أو تحتاج إلى تعامل بشري أو زيارة ميدانية.

شاركها.
Exit mobile version