حذّر المدير العام لدى المنتدى الاقتصادي العالمي رئيس مركز المناطق والتجارة والجغرافيا السياسية، مارون كيروز، من أن العالم يعيش اليوم أخطر مرحلة من التشرذم والانقسام بين القوى الكبرى، في ظل تراجع الثقة الدولية وتصدّع منظومة العلاقات العالمية، مؤكداً أن التعاون الدولي لم يعد ترفاً، بل ضرورة وجودية لضمان الاستقرار والتنمية.
وأوضح في تصريحات صحافية على هامش مجالس المستقبل العالمي في دبي، أن الروابط الاقتصادية بين الدول الكبرى لاتزال متماسكة، على الرغم من التوترات السياسية، مستشهداً بحجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين الذي يتجاوز مليار دولار يومياً، وهو ما يعكس تشابك المصالح الاقتصادية العالمية حتى في ظل تصاعد الخلافات التجارية.
وأشار إلى أن العالم يشهد تسارعاً هائلاً في وتيرة التطور التكنولوجي، مقابل تراجع خطر في مستويات التعاون الدولي، مع انخفاض حاد في «مخزون الثقة العالمي».
وأضاف أن مبادرات مثل مجالس المستقبل العالمية في دبي – التي تضم 37 مجلساً متخصصاً – تُمثّل منصات حيوية لتزويد صناع القرار برؤى وحلول استباقية لمواجهة التحديات المستقبلية في المجالات الجيوسياسة، والذكاء الاصطناعي، والمستقبل الوظيفي.
وكشف كيروز أن الخسائر الناتجة عن الجرائم الإلكترونية بلغت نحو خمسة تريليونات دولار العام الماضي، أي ما يعادل 4-5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، داعياً إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، لحماية الاقتصادات من هذه التهديدات المتصاعدة.
وأكد كيروز أن الذكاء الاصطناعي يُشكّل فرصة تنموية هائلة وتحدياً أخلاقياً وتقنياً في الوقت نفسه، مشيراً إلى ضرورة تعاون دولي واسع النطاق، لضمان الاستخدام الآمن والمستدام لهذه التقنيات.
وأضاف أن لكل دولة مصلحة مشتركة في التصدي للمخاطر الرقمية، وفي الوقت ذاته، الاستفادة من قدرات التكنولوجيا الحديثة في دعم الابتكار والنمو.
وتحدث كيروز عن الواقع العربي المنقسم بين دول خليجية تشهد تحولات نوعية واستثمارات كبرى في البنية التحتية، والتحول الرقمي بقيادة الإمارات، ودول أخرى مازالت تواجه صعوبات مالية وأمنية تحدّ من قدرتها على مواكبة التطورات العالمية، على الرغم من امتلاكها طاقات بشرية واعدة.
وأكد أن بناء المستقبل العربي يستند إلى ثلاثة محاور رئيسة تضم الطاقة المتجددة لتعزيز الاستدامة، والحوسبة السحابية كقاعدة للاقتصاد الرقمي، وتنمية الكفاءات البشرية، باعتبار العقل البشري هو المحرك الحقيقي للذكاء الاصطناعي.
وشدّد على أن تطوير التعليم أصبح ضرورة مصيرية لإعداد الأجيال القادمة للتحولات الرقمية.
ولفت كيروز إلى أن نحو 60% من البرامج التعليمية في الدول العربية غير الخليجية مازالت تركز على الحفظ والتلقين، بدلاً من تنمية التفكير النقدي والابتكار، داعياً إلى تحول جذري في فلسفة التعليم من نقل المعرفة إلى صناعة الفكر والمهارة.
وشدّد على أن التكنولوجيا ليست حلاً سحرياً للخلافات السياسية أو التجارية، لكنها يمكن أن تكون أداة لبناء الثقة، وتعزيز الحوار الدولي.
وأشار إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي يعمل مع شركاء من الصين والولايات المتحدة والشرق الأوسط وإفريقيا، لخلق مساحات تعاون جديدة تُسهم في تحقيق التوازن بين التنافس والتكامل الدولي.
وأكد كيروز أن الحكومات باتت اليوم لاعباً رئيساً في توجيه دفة الاقتصاد العالمي بعدما تراجعت هيمنة السوق الحرة، داعياً إلى أن تتحول الحكومات إلى «مايسترو» يقود التحول التكنولوجي والاقتصادي، وفق رؤية موحّدة تحقق الاستقرار والازدهار المشترك.
• %60 من المناهج العربية تفتقر إلى التفكير النقدي.