في حضرة الكلمات الأغلى على قلب كل إماراتي، من «عيشي بلادي» إلى «نفديك بالأرواح يا وطن»، يتغنّى كل قلب يقف أمام هيبة العلم بنشيدٍ يختزل أسمى المعاني التي تعبّر عن هذا الوطن المعطاء، في الثالث من نوفمبر (يوم العَلَم) الذي تتجدد فيه مشاعر الفخر والانتماء تحت راية الاتحاد.

وفي هذه المناسبة الوطنية، التقت «الإمارات اليوم» مؤلف نشيد السلام الوطني الإماراتي، ومستشار الأمور الأسرية في محاكم دبي، والكاتب والشاعر والباحث في التاريخ المحلي، الدكتور عارف الشيخ، في حوار خاص استعاد فيه قصة تكليفه بكتابة كلمات النشيد الوطني وأبرز المحطات التي رافقت تلك المرحلة المفصلية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبحت كلماته منذ عقود جزءاً من وجدان كل إماراتي يرددها بفخر في المدارس والميادين والاحتفالات الرسمية.

وقال: «يوم العلم يذكّرني بالمؤسسين الأوائل، المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وإخوانهما حكام الإمارات، كما يرمز في الوقت ذاته إلى تجديد العهد للقيادة الرشيدة، حيث يحمل هذا اليوم معاني الانتماء للأرض والولاء للقادة، ويرسّخ في النفوس قيم الاتحاد والعطاء التي قامت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة».

ويعود الدكتور عارف بذاكرته إلى عام 1986، عندما كان يشغل منصب مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم، حيث كان في تلك الفترة مؤلفاً لكتاب في الأناشيد التربوية التي تحمل القيم الوطنية والمعاني السامية. وفي ذلك العام، تم تكليفه رسمياً بكتابة كلمات النشيد الوطني الإماراتي، بعد أن كان اللحن موجوداً منذ فبراير من عام 1972، من تأليف الفنان سعد عبدالوهاب، الذي وضع لحناً وطنياً مهيباً يخلو من الكلمات بعد شهرين فقط من قيام الاتحاد.

وتابع الدكتور عارف، قائلاً: «استمعت إلى اللحن المسجّل على شريط (كاسيت) مراراً وتكراراً لأتمكّن من استلهام الكلمات التي تتناسب معه. كانت مهمة صعبة ومشرّفة في الوقت نفسه، إذ كان عليّ أن أكتب كلمات تعبّر عن الوطن والاتحاد والهوية الإماراتية، وتكون خالدة على مرّ الأجيال».

وأضاف: «في الخامس من نوفمبر عام 1986، وبينما كانت الساعة تقترب من الخامسة إلا ربعاً عصراً، بدأت أستحضر معاني الوطن في ذهني، من التضحية إلى الإخلاص إلى المجد، وبدأت أردد مع اللحن كلماتٍ خرجت بإلهامٍ وطني صادق. كنت أكتب من القلب وأشعر أن كل بيتٍ من الأبيات ينتمي إلى تراب هذا الوطن العزيز».

وأشار إلى أن زوجته، التي كانت تعمل معلمة، هي أول من استمع إلى المسودة الأولى للنشيد، وأبدت إعجابها الشديد بالكلمات، وشجعته على تقديمها كما هي من دون أي تعديل، ما زاد ثقته بنفسه وفي العمل الذي كتبه.

ويستذكر قائلاً: «في اليوم التالي بعد الانتهاء من كتابة النشيد، قدمه وزير التربية والتعليم بالإنابة آنذاك، أحمد حميد الطاير، إلى مجلس الوزراء، حيث تم قبوله رسمياً كالنشيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة».

وبعد اعتماده، وجّه الوزير بتسجيل النشيد لأول مرة في إذاعة دبي في السابع من نوفمبر عام 1986، بأصوات مجموعة من المعلمين وطلبة المدارس. وكانت تلك اللحظة من أجمل اللحظات، حين بدأ يسمع كلمات كتبها تتردد في أرجاء الوطن.

وأضاف: «حين وصلت كلمات النشيد إلى المدارس وبدأ الطلاب يرددونها كل صباح، غمرني شعور لا يُوصف. لم أتوقع أن تنتشر بهذه السرعة، وأن تترسّخ في قلوب الأطفال الذين كبروا وهم يحملونها معهم رمزاً للفخر والانتماء».

ويستذكر الشيخ موقفاً مؤثراً حين اتصل به قائد عام شرطة دبي آنذاك، الفريق ضاحي خلفان تميم، من رأس الخيمة خلال موسم الشتاء، ليخبره أن الأطفال يرددون النشيد بشكل عفوي وبفرح كبير، وأن الكلمات أصبحت مألوفة ومتداولة في المجتمع، حتى وجّه الفريق ضاحي خلفان بطباعة 35 ألف نسخة ملوّنة من النشيد لتوزيعها على المدارس في دبي، تعبيراً عن الفخر بهذا العمل الوطني.

وقال الدكتور عارف: «إن النشيد الوطني الإماراتي أصبح رمزاً مميزاً يحمل معاني الولاء والاتحاد، وقد أشاد زوّار الدولة من مختلف أنحاء العالم بجمال كلماته وسهولتها وعمقها في آنٍ واحد، فهي كلمات يفهمها الطفل كما يشعر بعظمتها الكبير، لما تتضمنه من قيم وطنية خالدة».

وحول بداياته في عالم الشعر والكتابة، أفاد الدكتور عارف الشيخ بأنه درس في الكتاتيب ثم في المدارس النظامية، وواصل تعليمه حتى نال درجة الدكتوراه، وله مؤلفات عديدة في مجالات الإسلاميات واللغويات والاجتماعيات والفلسفة، تجاوزت 86 كتاباً وأكثر من 25 ديواناً شعرياً. ويؤكد أنه لايزال حتى اليوم يكتب الشعر بشكل يومي، مستلهماً المناسبات الوطنية والاجتماعية التي تعبر عن وجدان الناس وأفراحهم.

وأضاف: «بدأت كتابة الشعر في عمر 10 سنوات، وكان الشعر بالنسبة لي رسالة إنسانية ووطنية أعبر من خلالها عن القيم والأفكار والمشاعر، فقد كان والدي رحمه الله شاعراً أيضاً، وهو أول من شجعني على الكتابة».

وأكمل: «منذ أن بدأت العمل في وزارة التربية، قبل انتقالي إلى العمل في المحاكم، كنت أحرص على توظيف الشعر في التربية والتعليم، فكتبت للأطفال والآباء والأمهات، وأدخلت العديد من قصائدي في المناهج الدراسية. كنت أرى في الشعر وسيلة لغرس القيم في الأجيال». كما يصف نفسه بأنه منفتح ومتكيّف مع المتغيرات، فقد عمل أكثر من 26 عاماً في إدارة الامتحانات، إلى جانب كونه خطيباً للجمعة والعيد، وأديباً وشاعراً.

وأضاف: «أعتبر نفسي ضمير الأمة، لأن قلمي يعبّر عن الوطن وآماله وهموم أبنائه، والنشيد الوطني الإماراتي ليس مجرد كلمات تُغنّى، بل هو رسالة تحمل كل القيم والمعاني التي يجب أن تترسّخ في نفوس الأجيال القادمة، ليظل عَلَم الإمارات عالياً خفاقاً ما دام فينا الولاء والانتماء».

الدكتور عارف الشيخ:

• النشيد الوطني الإماراتي ليس مجرد كلمات تُغنّى، بل هو رسالة تحمل كل القيم والمعاني التي يجب أن تترسّخ في نفوس الأجيال القادمة.

• كلمات النشيد الوطني يفهمها الطفل كما يشعر بعظمتها الكبير، لما تتضمنه من قيم وطنية خالدة.

شاركها.