القاعة مضاءة، والأنظار متجهة نحو ليلة العمر، لكن خلف الزينة والابتسامات، كان الغضب يشتعل في قلب والد العروس، لم يكن الديكور كما اتفق عليه، ولم تكن التفاصيل كما وُعدوا بها، أخطاء في التنظيم أفسدت جمال المناسبة، وأحرجت العائلة أمام المدعوين. غضب الأب وقرر ألا يترك الأمر يمر، فتقدم بنزاع ضد شركة تنظيم حفلات الزواج، مطالباً بتعويض قدره 15 ألف درهم، رافضاً أي محاولة للتسوية.
دخلت ممثلة الشركة المشتكى عليها الجلسة مترددة، لكن وقع المفاجأة كان أكبر حين عُرف أنها ليست سوى صديقة العروس نفسها. بوجه مرتبك وصوتٍ مرتبك أكثر، أوضحت أن ما جرى من ديكور كان بطلب من العروس، وأن بعض الأخطاء سببها الفندق، لكنها لم تنكر مسؤوليتها عن جزء مما حدث.
الجميع كان يترقب ما سيؤول إليه الموقف، وهنا تحرّك المصلح. لم ينظر إلى الأوراق ولا إلى الأرقام وحدها، بل رأى أن هناك صداقة، وعلاقة إنسانية قد تنكسر بسبب نزاع مادي. جلس بهدوء، وجعل كلماته تجري كالماء البارد على قلوبٍ مشتعلة: «التسامح ليس ضعفاً… هو قوة. والدين يدعونا لأن نحافظ على المودة، فالخلافات تزول، لكن إن كُسر القلب فلا يجبره حكم قضائي».
كلماته كانت كافية لتذيب الجليد بين الطرفين. بعد نقاش طويل، انقلب المشهد من نزاع بـ15 ألف درهم، إلى صلح ودي لا يتجاوز 3000 درهم، مع وعد بأن تبقى الصداقة قائمة كما كانت.
النزاعات قد تبدأ من تفاصيل صغيرة، لكنها تكبر حتى تهدد أواصر المودة، وهنا يبرز دور المصلح الذي لا يقتصر عمله على تقريب وجهات النظر، بل يمتد ليعيد القلوب إلى صفائها، ويُذَكِّر الناس بأن التسامح قوة لا يدركها إلا من جرّب مرارة الخصام وحلاوة العفو.
التسوية ليست مجرد أرقام تختصر على الورق، بل هي رسالة إنسانية يصوغها المصلح بحكمته لتطفئ نار الخلاف، وتعيد دفء العلاقات، فالقانون يعيد الحقوق، أما التسامح الذي تثمره التسوية فيحفظ القلوب، ويخلد المودة، ويبقى أثمن من كل تعويض.
mfouda@ey.ae
بالتنسيق مع محاكم دبي