دعا العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى أبوظبي للسِّلم، إلى تأسيس إطارٍ أخلاقيٍ عالميٍ للذكاء الاصطناعي يجمع بين القيادات الدينية والفكرية والعلمية والخبراء التقنيين وصنّاع القرار، من أجل توجيه مسار التقنيات الناشئة لخدمة الإنسان وصون كرامته وتعزيز السلم العالمي.

جاء ذلك خلال ندوة «أخلاقيات الذكاء الاصطناعي» التي نظمها منتدى أبوظبي للسِّلم بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، ضمن فعالية «عشاء الإيمان والتكنولوجيا» المنعقدة في دبي، والتي جمعت نخبةً من القادة الدينيين والمفكرين وصنّاع القرار وخبراء الذكاء الاصطناعي من مختلف دول العالم.

وأوضح ابن بيّه في كلمته أن التحدي في عصر الذكاء الاصطناعي لم يعد في بلوغ التقدّم التقني، بل في ضمان أن يبقى هذا التقدّم في خدمة الإنسان لا على حسابه، مؤكّدًا أن ما يميز الإنسان ليس قدرته على المعرفة فحسب، بل وعيه بغاياتها وتسخيرها لخدمة الخير العام.

وأشار إلى أن أي تطورٍ علميٍ أو تقنيٍ يفتقر إلى بوصلةٍ أخلاقيةٍ واضحة يمكن أن يتحول من وسيلةٍ للبناء إلى أداةٍ للهدم، داعيًا إلى بناء منظومة قيميةٍ عالمية تستند إلى المبادئ الإنسانية المشتركة التي أرستها الأديان والفلسفات، وفي مقدمتها الرحمة والإنصاف والحكمة والصدق.

وأوضح أن منتدى أبوظبي للسِّلم كان من أوائل المؤسسات العالمية التي استشرفت هذه التحديات، من خلال مشاركته في نداء روما لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي (2020)، وتوقيعه اتفاقيات تعاون مع أكاديمية الحياة في الفاتيكان ومعهد فراداي للعلوم والدين في جامعة كامبريدج، تأكيدًا على أهمية الربط بين القيم الدينية والعلمية لتوجيه الابتكار نحو الخير العام.

وشدّد على أن الذكاء الاصطناعي يجب ألا يتحوّل إلى «ذكاءٍ بلا ضمير»، بل يجب أن تُغرس فيه القيم الإنسانية وفي مقدمتها الحكمة، باعتبارها الضمانة لتحقيق التوازن بين القدرة على الفعل والوعي بالعواقب، وبين الابتكار والمسؤولية.

واستشهد بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، موضحًا أن «الميزان» يرمز إلى العقل الرشيد والضمير الأخلاقي، وهما الركيزتان الأساسيتان اللتان ينبغي أن توجّها مسار التطور التقني نحو العدل والخير العام.

ونوّه بالرؤية الاستباقية لدولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، والتي جعلت من التكنولوجيا وسيلةً لتحقيق السلام والتنمية المستدامة، مشيرًا إلى ما عبّرت عنه الدولة في كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التزامها بالاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات الحديثة احترامًا للكرامة الإنسانية وخدمةً للسلام العالمي.

واختتم ابن بيّه الندوة بالتأكيد على أن المسؤولية في هذا المجال جماعية وعابرة للحدود، تتطلب تضافر العلماء وصنّاع السياسات وقادة الأديان، لتحويل القيم إلى سياسات والمبادئ إلى تشريعات والرؤى إلى ممارسات واقعية، حتى يصبح الذكاء الاصطناعي قوةً عالميةً للخير تسهم في بناء عالمٍ أكثر عدلاً ورحمةً وسلاماً.

وشهدت الندوة مداخلات نوعية أثرت النقاش، بمشاركة نخبةٍ من خبراء الذكاء الاصطناعي والقيادات الدينية من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب مستشاري المنتدى الاقتصادي العالمي.

حضر اللقاء كلٌّ من الدكتورة آمنة الشحي، المديرة التنفيذية لمنتدى أبوظبي للسِّلم، وزيشان زافار، مدير برنامج الذكاء الاصطناعي والعلاقات الدولية في المنتدى، والدكتور عمر بن بيّه، مستشار رئيس المنتدى.

شاركها.