برزت الرسائل النصية والمحادثات الإلكترونية، أخيراً، في دعاوى الطلاق للضرر، كوسيلة توثيق يعتمدها بعض الأزواج لإثبات الإهانة أو الإساءة المتكررة، ما يعكس حقيقة أن الخلافات الزوجية لم تعد، في كثير من الأحيان، جزءاً من «أسرار البيت»، بل امتدت إلى فضاءات التواصل الرقمي، حيث تسجل الكلمات وتحفظ الرسائل، لتتحول لاحقاً إلى أدلة تقدّم أمام القضاء.

في المقابل، يفرق القانون الإماراتي بوضوح بين الإساءة التي تُعاقب جزائياً والضرر الذي يعتدّ به شرعاً في قضايا التفريق.

ويرى قانونيون أن مجرد تبادل الألفاظ الجارحة أو العبارات الغاضبة عبر تطبيقات مثل «واتس أب» و«إنستغرام» لا يُعد دليلاً كافياً لإثبات الضرر الموجب للطلاق، ما لم تدعم الشكوى بأدلة قانونية معترف بها، مؤكدين أن المشرع الإماراتي يفرق بين الجريمة الإلكترونية والضرر الأسري، «لأن الانفعالات اللحظية أو الكلمات الغاضبة لا تُبنى عليها أحكام الطلاق»، و«لأن العشرة الزوجية لا تفكك برسالة إلكترونية غاضبة».

وشدّدوا على أن المحاكم الشرعية تتعامل بحذر مع الأدلة الرقمية، نظراً إلى إمكانية التلاعب بها أو اجتزائها من سياقها، موضحين أن الطلاق للضرر لا يُحكم به إلا عند ثبوت إيذاء فعلي أو إساءة فاحشة تجعل الحياة الزوجية جحيماً لا يُطاق.

ورفضت محكمة الشارقة الشرعية الاستئنافية، أخيراً، دعوى طلاق للضرر أقامتها امرأة ضد زوجها، استندت فيها إلى رسائل «واتس أب» قالت إنها تتضمن إساءات وشتائم متكررة منه، معتبرة أنها دليل على سوء المعاملة واستحالة استمرار الحياة بينهما.

وأوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن المدعية لم تقدّم بيّنة قانونية أو شهوداً أو تقارير رسمية تثبت الضرر، واقتصرت أدلتها على رسائل إلكترونية لا يمكن التأكد من مصدرها أو سياقها، مشيرة إلى أن «الأدلة الرقمية لا يُعتد بها قرينة مستقلة في قضايا الأحوال الشخصية ما لم تُدعم بوسائل إثبات مادية».

وأضافت أن «الإثبات هو شريان الحياة للحق، وأن الحق الذي لا دليل عليه هو والعدم سواء».

محادثات مجتزأة

وأكد المحامي والمستشار القانوني، راشد الحفيتي، أن «كثيراً من النزاعات الأسرية تبدأ من خلاف بسيط داخل البيت، ثم تنتقل إلى تطبيقات التواصل، فرسائل التواصل الاجتماعي تُعد من الأدلة الظرفية التي تخضع لتقدير المحكمة، ولا يمكن اعتبارها بيّنة قاطعة ما لم تصدر من جهة رسمية توثق مصدرها وسياقها الزمني»، مضيفاً أن «المحاكم تشترط وجود دليل مادي مستقل يثبت الضرر، مثل شهادة الشهود أو التقارير الطبية أو البلاغات الرسمية».

وأوضح أن «القانون لا يمنع تقديم الرسائل الإلكترونية ضمن الأدلة، لكنه لا يعتد بها منفردة لإثبات الوقائع التي تمس الحياة الزوجية، خصوصاً عندما تكون صادرة من طرف واحد أو غير موثقة فنياً»، مضيفاً أن «الإساءات المتبادلة عبر وسائل التواصل قد تعبر عن خلافات وقتية لا ترقى إلى الضرر الفاحش الذي يبيح التفريق». وتابع أن «بعض الأزواج يستندون إلى محادثات مجتزأة لإثبات الإساءة، غير أن المحكمة لا تأخذ بها إلا إذا كانت موثقة فنياً أو مرتبطة بشكوى جنائية قائمة».

السبّ جريمة مستقلة

بدوره، أكد المحامي والمستشار القانوني، سعيد الزحمي، أن «السب أو الإهانة عبر أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي جريمة يُعاقب عليها القانون الإماراتي، ولا يجوز لأي شخص أن يتعدى على الآخرين أو يوجه لهم ألفاظاً مسيئة تحت أي مبرر»، مشيراً إلى أن «القانون واضح في تجريم الإساءة الإلكترونية، وكل من يوجه سباً أو إهانة عبر الشبكات الرقمية يُحال إلى القضاء الجزائي».

وأضاف الزحمي أنه في المقابل لا يعتد بالسبّ أو الإهانة حتى عبر وسائل التواصل دليلاً على الضرر الموجب للطلاق، لأن «المشرع لم يوسّع نطاق التطليق ليشمل الانفعالات أو الأقوال العابرة، فالطلاق للضرر يتطلب أن يكون الأذى جسيماً أو متكرراً أو مستمراً يجعل الحياة الزوجية مستحيلة».

وأوضح أن بعض الأزواج قد يتبادلون عبارات غاضبة في لحظة انفعال أو خصام، لكن ذلك لا يرتقي إلى مستوى الضرر الذي يستوجب التفريق، موضحاً أن «القانون يُعاقب على السبّ كجريمة مستقلة، لكنه لا يعتبره ضرراً يبرر الطلاق، إلا إذا ثبت أن الإساءة تسببت بأذى بالغ يجعل استمرار الزواج متعذراً».

وأشار إلى أن «القضاة يفرقون بين الضرر الذي يُعاقب عليه جزائياً والضرر الذي يبرر الطلاق شرعياً، فليس كل إساءة أو خصومة تصل إلى حد التفريق بين الزوجين».

شقاق مستحكم

وقال المحامي والمستشار القانوني، الدكتور فهد الظهوري، إن الحكم بالتطليق للضرر أو الشقاق بين الزوجين يشترط له أن تكون الحياة الزوجية قد أصبحت مشوبة بنزاع وشقاق مستحكم يجعلها جحيماً لا تُطاق، ويتعذر معه دوام العشرة بينهما، موضحاً أن القاضي عند نظر طلب التطليق عليه أن يتحقق أولاً من طبيعة الضرر المدعى به، وهل بلغ من الجسامة والخطورة حداً يتعذر معه استمرار العلاقة الزوجية، إذ لا يعتد بأي ضررٍ يسير أو عارض يتخذ ذريعة لطلب التفريق.

وأضاف أن «لكل من الزوجين الحق في طلب التطليق متى لحقه ضرر، قولاً أو فعلاً، حتى ولو لم يتكرر وقوعه، بشرط أن يكون الضرر فاحشاً من حيث أثره وخطورته أما إذا كان الضرر غير فاحش أو بسيطاً في ذاته، فيلزم أن يكون متكرراً أو مستمراً على نحوٍ يجعل استمرار الحياة الزوجية متعذراً ومنافياً لمقاصد الزواج».

وأوضح الظهوري أن الضرر يشمل كل إيذاءٍ مادي أو معنوي، كالاعتداء الجسدي أو السبّ والشتم أو الرمي بالأعراض، كما يمتد ليشمل الهجر دون مسوغٍ شرعي متى ترتب عليه ضرر للطرف الآخر، مؤكداً أن المشرع الإماراتي لم يحدد صورة واحدة للضرر، واكتفى بأن يكون جسيماً ومؤدياً إلى الشقاق وعدم القدرة على استمرار العشرة بالمعروف، سواء كان الضرر مادياً ملموساً، كالضرب المبرح أو السبّ، أو معنوياً كهجر الزوج لزوجته أو امتناع الزوجة عن معاشرة زوجها.

الأثر الأسري

أفادت المحامية والمستشارة القانونية، فاطمة آل علي، بأن سبّ الزوج لزوجته في القانون الإماراتي يُعدّ من الأسباب التي تمكن الزوجة من طلب الطلاق للضرر، ويُعتدّ به متى ثبت وقوعه وأدى إلى إيذاء نفسي أو معنوي بالغ بين الزوجين، مشيرة إلى أهمية التفريق بين قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية عند النظر في هذه الحالات.

وقالت إن السبّ الإلكتروني يُعد جريمة يُعاقب عليها القانون بموجب المرسوم الاتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، حيث نصّت المادة (43) «يُعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة تجعله محلاً للازدراء أو العقاب، باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات أو نظام معلوماتي، وتشدّد العقوبة إذا وقعت الجريمة على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة بسبب عمله.

وأضافت آل علي أن السبّ، إذا ثبت أثره على أحد الزوجين، يمكن أن يعد من صور الضرر الموجب للتطليق، استناداً إلى قانون الأحوال الشخصية «لكل من الزوجين طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة، ويثبت الضرر بطرق الإثبات كافة».

وأوضحت أن «إثبات الضرر الناتج عن السبّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتم من خلال تقديم بلاغ رسمي بشأن الإساءة الإلكترونية، بحيث تُعد واقعة السبّ المثبتة قانوناً جزءاً من أدلة الثبوت أمام المحكمة الشرعية، الأمر الذي يظهر أن الإهانة كان لها أثر فعلي في كرامة الطرف المتضرر واستقرار الحياة الأسرية».

وأكّدت أن الفرق بين التجريم والعبرة الشرعية يتمثل في أن الأول يندرج ضمن نطاق قانون العقوبات الذي ينظر إلى الفعل بوصفه جريمة عامة يُعاقب عليها القانون، بينما ينظر قانون الأحوال الشخصية إلى الأثر الأسري والمعنوي للفعل، ومدى تعذر استمرار الحياة الزوجية في ظله.

حكم قضائي:

• الأدلة الرقمية لا يُعتدّ بها قرينة مستقلة في قضايا الأحوال الشخصية، ما لم تُدعّم بوسائل إثبات مادية.

شاركها.
Exit mobile version