حذّر أطباء ومتخصصون من خطورة سمنة البطن، أو ما يُعرف بالسمنة الحشوية، واصفين إياها بأنها «أخطر أنواع السمنة وأكثرها ارتباطاً بمضاعفات صحية صامتة ومميتة»، حتى لدى الأشخاص الذين يبدون نحفاء أو يتمتعون بمؤشر كتلة جسم طبيعي.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم»، إن سمنة البطن ليست مشكلة جمالية فحسب، بل هي مؤشر خطر حقيقي، وتجاهلها قد يؤدي إلى أمراض مزمنة صامتة ونهايات مفاجئة، وأكدوا أن الكشف المبكر والتدخل الغذائي والبدني قد يصنعان الفارق في إنقاذ الحياة، موضحين أن تلك الدهون تتراكم حول الأعضاء الحيوية، مثل الكبد والبنكرياس، وتُفرز مواد التهابية ترفع من حدة الالتهاب المزمن في الجسم، وتؤدي إلى مشكلات صحية رئيسة، تشمل «أمراض القلب واضطرابات النظم القلبية، والوفاة القلبية المفاجئة المرتبطة مباشرة بزيادة محيط الخصر، وارتفاع ضغط الدم حتى لدى أصحاب الوزن الطبيعي، ومقاومة الإنسولين، التي تمهّد للإصابة بالسكري من النوع الثاني، واضطرابات في توازن الهرمونات، مثل الكورتيزول والتستوستيرون والإستروجين، ما يؤدي إلى مضاعفات كتشحّم الكبد وتكيس المبايض لدى النساء».

وشددوا على أن سمنة البطن تُشكّل تهديداً صامتاً، إذ قد لا تظهر أعراضها في المراحل المبكرة، مؤكدين أهمية الفحص الدوري وقياس محيط الخصر، وعدم الاعتماد فقط على مؤشر كتلة الجسم، لتقييم المخاطر الصحية، داعين إلى أهمية الوقاية عبر الرياضة المنتظمة، وممارسة تمارين المقاومة، واتباع نظام غذائي متوازن منخفض السكريات والدهون المصنعة.

وحذروا من وجود ما يُعرف بـ«السكري الخفي» أو «مرحلة ما قبل السكري»، وهي حالة شائعة لدى الأشخاص من ذوي الوزن الطبيعي، لكن بمحيط خصر مرتفع، كما حذروا من الحميات القاسية، مثل نظام «الكيتو» الصارم لفترات طويلة، محددين خمسة أسباب غذائية تؤدي إلى تراكم الدهون في منطقة البطن، وتشمل الإفراط في السعرات الحرارية، خصوصاً من السكريات المكررة (مثل المشروبات الغازية والحلويات)، والكربوهيدرات البسيطة (كالخبز الأبيض والمعجنات)، وتناول الدهون غير الصحية، مثل الدهون المتحوّلة (Trans Fats) الموجودة في الأطعمة المصنعة والمقلية، وقلة تناول الألياف، إذ إن الألياف تُحسّن الشبع وتقلل من امتصاص الدهون، وتناول وجبات كبيرة قبل النوم أو عدم انتظام الوجبات، وشرب الكحول (حتى بكميات معتدلة) يسبب ما يُعرف بـ«الكرش الكحولي».

الأعضاء الحيوية

وتفصيلاً، حذّر استشاري القلب والقسطرة القلبية، الدكتور هشام طايل، من خطورة سمنة البطن أو ما يُعرف بالسمنة الحشوية، واصفاً إياها بأنها «أخطر أنواع السمنة وأكثرها ارتباطاً بأمراض القلب والوفاة المفاجئة»، حتى في الحالات التي يبدو فيها وزن الشخص طبيعياً أو مؤشر كتلة الجسم (BMI) ضمن الحدود المقبولة.

وقال إن سمنة البطن ليست مشكلة جمالية فحسب، بل هي مؤشر خطر وحقيقي ومهدد لصحة القلب، وتجاهلها قد يؤدي إلى أمراض مزمنة صامتة ونهايات مفاجئة، والكشف المبكر والتدخل الغذائي والبدني قد يصنعان الفارق في إنقاذ الحياة.

وأوضح أن دهون البطن تتركز حول الأعضاء الحيوية، مثل الكبد والبنكرياس والأمعاء، وتُفرز مركبات التهابية نشطة، مثل «الإنترلوكين-6» و«عامل نخر الورم» و«الليبتين»، وهي مركبات ترفع من مستوى الالتهاب المزمن في الجسم، وتؤدي إلى مقاومة الإنسولين، وتصلب الشرايين، وتراكم الكوليسترول في جدران الأوعية، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلب التاجية.

وفيما يتعلق بالوفاة القلبية المفاجئة، أكد أن العديد من الأبحاث بيّنت أن ارتفاع محيط الخصر يرتبط بشكل مباشر بزيادة خطر الوفاة القلبية المفاجئة بنسبة تراوح بين اثنين إلى ثلاثة أضعاف، نظراً إلى علاقتها بزيادة اضطرابات نظم القلب، ورفع خطر احتشاء عضلة القلب، وحدوث انسدادات مفاجئة في الشرايين التاجية، وضعف التروية القلبية نتيجة التضخم العضلي غير المتكافئ في القلب، مشيراً إلى أن ارتفاع محيط الخصر هو مؤشر قوي لزيادة احتمالية التعرّض لهذه الأحداث القلبية الفجائية.

وأشار إلى أن العديد من المرضى النحفاء يعانون أمراضاً قلبية خطرة، بسبب سمنة البطن الخفية، حيث أظهرت حالات سريرية أن مؤشر كتلة الجسم (BMI) لا يكفي وحده لتقييم صحة القلب، إذ تبين أن مرضى بوزن طبيعي لكن بمحيط خصر مرتفع (أكثر من 102 سم للرجال و88 سم للنساء)، كانوا يعانون ذبحات صدرية وارتفاع ضغط الدم وضعفاً في عضلة القلب، أو حتى نوبات قلبية.

ونبّه إلى أن اعتماد الناس على الميزان أو مظهر الجسم فقط، قد يكون مضللاً، قائلاً: «قياس محيط الخصر مهم للغاية، لأنه يكشف عن الخطر الحقيقي الذي قد لا يظهر على الميزان».

وشدد على أهمية الوقاية عبر الرياضة المنتظمة، مثل المشي السريع لمدة لا تقل عن 90 دقيقة أسبوعياً، وممارسة تمارين المقاومة من مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً، إلى جانب اتباع نظام غذائي متوازن منخفض السكريات والدهون المصنعة، والابتعاد عن الزيوت المهدرجة والأطعمة السريعة مع مراقبة محيط الخصر بانتظام.

توازن الهرمونات

أكدت أخصائية الغدد الصماء، الدكتورة يارا لطيفة، أن سمنة البطن أو السمنة الحشوية لا تؤثر في القلب والأوعية فحسب، بل إنها تُحدِث خللاً عميقاً في الجهاز الهرموني والاستقلابي للجسم، ما يجعلها من أخطر أشكال السمنة على الإطلاق.

وأوضحت أن تراكم الدهون في منطقة البطن يُفرز مواد التهابية تؤدي إلى مقاومة الإنسولين، وهو ما يمهّد للإصابة بالسكري من النوع الثاني حتى في غياب السمنة الظاهرة، كما أن هذا النوع من الدهون يرتبط باضطراب توازن هرمونات، مثل الكورتيزول، والتستوستيرون، والإستروجين، ما يُفسّر حدوث أعراض، مثل تشحّم الكبد، تكيس المبايض لدى النساء.

وأضافت أن الفرق بين السمنة العامة وسمنة البطن يكمن في تأثير الأخيرة العميق والمباشر في المحور الهرموني-الاستقلابي، كما أن سمنة البطن تزيد من النشاط المفرط للغدة الكظرية، وترفع مستوى الكورتيزول، ما يعزز تراكم المزيد من الدهون الحشوية، وهو ما يُشكّل حلقة مغلقة من الخلل الهرموني، لافتة إلى أن سمنة البطن قد تُبطئ من تحويل هرمونات الغدة إلى شكلها الفعّال، وتُقلل من استجابة الخلايا لها، ما يسهم في تدهور عملية الأيض وزيادة الوزن تدريجياً، حتى وإن كانت الغدة نفسها تعمل ضمن الحدود الطبيعية.

وحذرت من وجود ما يُعرف بـ«السكري الخفي» أو «مرحلة ما قبل السكري»، وهي حالة شائعة لدى الأشخاص من ذوي الوزن الطبيعي لكن بمحيط خصر مرتفع، قائلة: هؤلاء لا يشعرون بأي أعراض، لكن تحاليلهم تُظهر ارتفاعاً في الهيموغلوبين السكري (HbA1c) أو سكر الدم الصيامي، وهي علامات مقلقة لبدء اختلال التوازن الأيضي.

وشددت على أهمية إجراء التحاليل والمؤشرات الحيوية التي يمكن أن ترصد مبكراً هذا النوع من السمنة الخطرة، ومنها محيط الخصر، ونسبة الخصر إلى الورك، ومقاومة الإنسولين (HOMA-IR)، وارتفاع الدهون الثلاثية والكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، وتحاليل الكورتيزول وهرمونات الغدة الدرقية في بعض الحالات.

مخاطر غذائية

وحددت أخصائية التغذية العلاجية، تسنيم حمامي، مجموعة أسباب غذائية تؤدي إلى تراكم الدهون في منطقة البطن تحديداً، وتشمل: الإفراط في السعرات الحرارية، خصوصاً من السكريات المكررة (مثل المشروبات الغازية والحلويات)، والكربوهيدرات البسيطة (كالخبز الأبيض والمعجنات)، وتناول الدهون غير الصحية، مثل الدهون المتحوّلة (Trans Fats) الموجودة في الأطعمة المصنعة والمقلية، وقلة تناول الألياف إذ إن الألياف تُحسّن الشبع وتقلل من امتصاص الدهون، وتناول وجبات كبيرة قبل النوم أو عدم انتظام الوجبات، وشرب الكحول (حتى بكميات معتدلة) يسبب ما يُعرف بـ«الكرش الكحولي».

وأوضحت أنه يمكن التخلص من سمنة البطن من دون فقدان الوزن العام لكن جزئياً، حيث لا يمكن عزل خسارة الدهون في منطقة واحدة (spot reduction)، لكن يمكن تقليل دهون البطن بشكل أسرع نسبياً من الدهون الأخرى من خلال طرق غذائية فاعلة عن طريق تقليل السكريات والكربوهيدرات البسيطة، وزيادة البروتين، وتناول الدهون الصحية، مثل زيت الزيتون والمكسرات، واتباع نظام الصيام المتقطع، حيث يُظهر فاعلية خاصة في تقليل دهون البطن، والتحكم في عدد السعرات مع تحسين جودة الطعام، مضيفة أن أنظمة كنظامي البحر الأبيض المتوسط الغني بالدهون الصحية والخضار والأسماك والحبوب الكاملة، والصيام المتقطع خصوصاً نمط 16:8 (صيام 16 ساعة وأكل خلال ثماني ساعات)، بجانب النظام منخفض الكربوهيدرات تُعدّ فاعلة وآمنة لتقليل الدهون الحشوية.

وشددت على أهمية اختيار أطعمة تساعد على تقليل الدهون من دون التأثير السلبي في الصحة، مثل الأفوكادو، وزيت الزيتون، واللوز (دهون غير مشبعة)، والزبادي الطبيعي (يدعم توازن البكتيريا النافعة)، والشوفان والبقوليات (غنية بالألياف الذائبة)، والخضراوات الورقية (منخفضة السعرات وعالية القيمة الغذائية).


خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

 

قال استشاري القلب والقسطرة القلبية، الدكتور هشام طايل، إن الأبحاث أثبتت أن سمنة البطن ترفع خطر الإصابة بالرجفان الأذيني بنسبة تصل إلى 40% حتى عند غير المصابين بارتفاع الضغط، كما أنها تؤثر في وظيفة البطين الأيسر، وتؤدي إلى قصور القلب الانبساطي، وأضاف: «إن تراكم الدهون في منطقة البطن يُحفّز الجهاز العصبي الودي، حتى لدى أصحاب الوزن الطبيعي، كما أن تراكم الدهون في هذه المنطقة يؤثر في وظائف الكلى وتنظيم ضغط الدم، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم المزمن».

شاركها.
Exit mobile version