في قاعة المحكمة جلس السائق متجمداً في مكانه، ينظر إلى الأرض، وكأنه يحاول الهروب من اللحظة، لم يكن يواجه تهمة دهس غريب، ولا حادثاً بين مركبتين، بل واقعة أكثر إيلاماً، تسبب خلالها بخطئه في وفاة صديقه الذي كان يجلس إلى جواره على المقعد الأمامي.

باب غير مُحكم، حزام لم يُربط، انشغال بالهاتف، حمولة زائدة، أو سلوك متهور تحت تأثير الكحول، أسباب مختلفة، لكن نتيجتها واحدة، ضحايا على المقعد المجاور، وسائقون يواجهون أحكاماً وديات شرعية وتعويضات ضخمة.

قضايا عدة لحوادث مرورية رصدتها «الإمارات اليوم» كان السائق مسؤولاً جنائياً ومدنياً وتأمينياً عن حياة مرافقه، ولا يُعفى لأنه صديق أو قريب أو زميل له في العمل.

أفاد خبراء قانون وتأمين بأن المرافق في المركبة طرف ثالث كامل الحقوق وتدور حوله أغلب النزاعات المدنية في حوادث المرور، وأي تهور أو قيادة تحت تأثير الكحول أو إهمال في التأكد من السلامة الداخلية للمركبة قد يضعه تحت طائلة المساءلة الجنائية والدية الشرعية والتعويض المدني.

وأشاروا إلى أن الوثيقة الموحدة تُلزم شركات التأمين بدفع التعويض للمرافق فوراً، حتى لو كان السائق مخموراً أو مخالفاً أو متجاوزاً شروط الوثيقة، إذ تبقى حماية الطرف الثالث أولوية مطلقة، وللشركات حق الرجوع قانوناً على السائق لاحقاً في حالات محددة، مشيرين إلى أن جهل السائقين بهذه المسؤوليات هو ما يجعل كثيراً من الحوادث البسيطة تتحوّل إلى قضايا ثقيلة الثمن قانونياً ومالياً.

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» حوادث عدة راح بسببها مرافقون لسائقين غير ملتزمين ضحايا، من بينها وفاة مشرف عمال بإحدى الشركات جلس إلى جوار السائق في مركبة تابعة لشركة، دون أن يربط الحزام.

وأثبتت التحقيقات والفحص الفني أن السائق كان يعلم أن قفل الباب فيه خلل يحتاج إلى دفعة قوية للإغلاق، لكنه تجاهل الأمر، وعند التفاف مركبته داخل دوار، انفتح الباب فجأة، وسقط المرافق على رأسه وتوفي فوراً، وقضت المحكمة بغرامة 10 آلاف درهم، وإلزامه بالدية الشرعية 200 ألف درهم.

وفي قضية أخرى، كان السائق يقود بسرعة كبيرة تحت تأثير الكحول وفقد السيطرة على المركبة، وأصيب مرافقه بإصابات بليغة، نتج عنها وفاته لاحقاً.

من جهتها، ألزمت لجنة المنازعات التأمينية شركة التأمين بدفع مليون درهم لأسرة الضحية لأنه كان عائل أطفاله الوحيد، وبعد دفع المبلغ، رفعت الشركة دعوى مدنية على السائق استناداً إلى الوثيقة الموحدة، وقضت المحكمة بإلزامه بسداد كامل المبلغ.

وفي واقعة أخرى، قرّر سائق «اختصار الطريق» وسار عكس الاتجاه لمسافة 300 متر تقريباً، بينما يجلس صديقه إلى جانبه بلا حزام، فاصطدمت المركبة بسيارة قادمة من الاتجاه الصحيح، وتوفي المرافق متأثراً بإصاباته.

وبعد نظر الدعوى، أدانت المحكمة السائق واعتبرت مخالفة «السير عكس الطريق» إهمالاً جسيماً يسقط التغطية التأمينية كاملة، وألزمته بسداد الدية والتعويض.

وفي حادث آخر، كان السائق منشغلاً بالهاتف أثناء القيادة على شارع سريع، فانحرفت المركبة عن مسارها واصطدمت بحاجز إسمنتي وانقلبت مرات عدة، فتوفي المرافق على الفور.

وأدانت المحكمة السائق، واعتبرت انشغال السائق بالهاتف إهمالاً، وألزمته بسداد الدية، كما رجعت عليه شركة التأمين بعد التزامها بسداد تعويض لورثة المتوفى.

وفي السياق ذاته توفي شخص كان برفقة سائق يقود مركبة برخصة منتهية منذ سبعة أشهر، وبسبب عدم الانتباه اصطدمت المركبة بعمود إنارة، ودفعت شركة التأمين الدية لورثة المتوفى، ثم مارست حق الرجوع لأن القيادة دون رخصة سارية تُسقط التغطية التأمينية بالكامل.

من جهته، قال المحكم والمستشار القانوني محمد نجيب لـ«الإمارات اليوم»، إن كثيرين يخطئون حين يعتقدون أن مسؤولية السائق تنحصر في الحوادث التي تصيب الغير، مشيراً إلى أن القانون يحمّل السائق المسؤولية الكاملة عن حياة من يرافقه، سواء كان صديقاً أو قريباً أو موظفاً، فإذا أصاب المرافق سوء بالوفاة أو الإصابة نتيجة خطأ من السائق فإنه يساءل قانوناً عن ذلك.

وأضاف أن شركات التأمين لا يمكنها التنصل من دفع التعويض للمرافق أو ورثته، حتى لو كان السائق مخموراً أو مخالفاً، لأن حق المضرور ثابت، لكن بعد الدفع يحق للشركة الرجوع على السائق إذا خالف شروط الوثيقة، وهذا مبدأ راسخ، أن التأمين يعوّض المضرور ثم يعود على المخالف.

وأشار إلى أن من القضايا الدالة على ذلك، حادث مروري تسبب فيه سائق كان يقود سيارته تحت تأثير المشروبات الكحولية، وفقد السيطرة عليها بسبب السرعة الزائدة، فاصطدمت بحاجز خرساني وتدهورت مرات عدة، وتوفي صديقه الذي كان يجلس إلى جواره.

وقضت محكمة أول درجة بإدانة السائق الذي تسبب في وفاة مرافقه، وعاقبته بالحبس سنة وألزمته بسداد الدية الشرعية كاملة (200 ألف درهم)، إضافة إلى وقف رخصة قيادته لمدة ستة أشهر، بعد إدانته بالتسبب بخطئه في وفاة شخص وإتلاف مال مملوك للغير أثناء القيادة تحت تأثير المشروبات الكحولية.

وتابع نجيب، أن شركة التأمين تحملت مسؤولية تعويض الورثة لأنها لا يمكن أن تتنصل من واجباتها بتغطية أضرار الحادث حتى في ظل الاستثناءات، لافتاً إلى أنه من الضروري عدم الخلط بين حق المؤمن له «السائق» في الواقعة المشار إليها، وبين حق الشخص المتضرر «مرافقه في السيارة» فإذا تسبب الأول في وقوع حادث وكان تحت تأثير استثنائي، مثل القيادة تحت تأثير الكحول أو دون رخصة لا يحق له التعويض، فيما أن للمتضرر حقاً أصيلاً في ذلك عملاً بموجبات قانون المعاملات المدنية.

ولفت إلى أن كثيراً من السائقين لا يدركون أن مخالفة واحدة، مثل القيادة تحت تأثير الكحول أو استخدام الهاتف قد يترتب عليها تعويضات بالملايين، لافتاً إلى أن هناك أحكاماً استثنائية صدرت في قضايا ذات صلة، مثل تحميل أم تبعات وفاة جنينها الذي كانت حاملاً به في حادث تسببت بوقوعه، وحكم عليها بعشر الدية الشرعية آنذاك.

وأكد أن التبعات الإنسانية والأخلاقية لا تقل فداحة في كثير من الحالات عن التبعات القانونية، فمن الصعب أن يتأقلم الإنسان نفسياً إذا تسبب نتيجة تهوره وعدم التزامه في وفاة أحد من أطفاله أو أفراد أسرته أو أصدقائه أو حتى غرباء كانوا يجلسون إلى جواره، ويفترض أن ينقلهم آمنين إلى وجهاتهم.

وفي السياق ذاته، قال المستشار القانوني في شركة «ميثاق للتأمين» الدكتور عمار علي الأصبحي، إن الوثيقة الموحدة تلزم الشركات بتعويض المرافق المتوفى أو المصاب، لأنه يُعد «طرفاً ثالثاً» ما لم يكن موظفاً لدى مالك المركبة أو من أفراد أسرته المقيمين معه، وأضاف أنه «بعد دفع التعويض، للشركات حق الرجوع على المؤمن له في حالات عدة، وهي إذا ثبت أن عقد التأمين بُني على بيانات غير صحيحة (مثل العمر أو إخفاء معلومات جوهرية)، وإذا ثبت استخدام المركبة بشكل غير مشروع، وكان ذلك سبباً مباشراً للحادث، مثل الحمولة الزائدة».

وأشار إلى أن الحالات تتضمن كذلك إذا ثبت ارتكاب جنحة أو جناية أثناء الحادث، مثل التورط في جريمة سرقة، وإذا قاد السائق دون رخصة أو برخصة منتهية أو تحت تأثير المخدرات أو الكحول. وإذا كان الحادث مفتعلاً عمداً للحصول على قيمة المركبة، وإذا تسببت المقطورة أو نصف المقطورة (بالنسبة للشاحنات) في حادث، ولم تكن مغطاة بالتأمين، وإذا وقع الحادث نتيجة سرقة المركبة فيرجع على السارق فقط، وأكد أن «هذه الحالات لا تهدف إلى حرمان المتضرر من حقه، بل لضمان التوازن بين حقوق المتضررين وواجبات السائقين»، لافتاً إلى أن القضاء ضد السائق المتسبب ليست عقوبات، لكنها ضمانات لحماية المتضررين وتعديل الخلل الناتج عن سلوك المخالف.

من جهته، قال الخبير التأميني بسّام جاليمران، إن «القانون الإماراتي واضح، فالراكب المرافق يُعتبر طرفاً ثالثاً، وشركة التأمين ملزمة بتغطية الأضرار الجسدية والمادية له، وهذا يشمل الدية الشرعية التي قد تكون 200 ألف درهم، أو أي مبلغ تُقرره المحكمة»، وأضاف أنه حتى لو كان السائق مخطئاً كأن كان يقود تحت تأثير الكحول، أو من دون رخصة، أو كان محملاً للسيارة فوق طاقتها، تبقى شركة التأمين ملزمة بالدفع، لكن فلسفة النظام التأميني تقوم على مبدأ «التعويض أولاً، ثم الرجوع على السائق المخالف»، وأشار إلى أنه «ينبغي على المؤمن لهم توضيح حدود التغطية في ما يخص أفراد الأسرة، لأن كثيرين يظنون أن أقاربهم داخل السيارة مشمولون تلقائياً بالتغطية، وهذا خطأ»، وأكد جاليمران أن النظام التأميني في الإمارات يقوم على مبدأ متوازن «حماية المتضررين، وتحميل السائقين مسؤولية مخالفاتهم، من دون أن يقع المتضرر بين فكي النزاعات القانونية».

من جهته، شرح الخبير التأميني جهاد فيتروني، جانباً مهماً من مسائل التعويض، موضحاً أنه «لا يوجد مبلغ ثابت لتعويض وفاة الراكب المرافق، إذ تدرس كل حالة وفق ظروفها، وتقارير الحادث، ووثيقة التأمين، ورأي الخبراء، وهناك قضايا حكمت فيها المحاكم بمبالغ كبيرة جداً، خصوصاً إذا ترتب على الحادث عجز دائم أو أضرار طبية باهظة»، وقال فيتروني إن «التقييم القانوني الدقيق للضرر هو ما يحكم قيمة التعويض، وليس مجرد رقم ثابت منصوص عليه في القانون، وهناك قضايا حكم فيها بتعويضات كبيرة للغاية بالنظر إلى عدد الضحايا والخسائر التي نتجت عنها».

شاركها.