عاشت أسرة فهد إبراهيم الخياط (طفل مواطن في الثامنة من عمره – من أصحاب الهمم «توحد») ساعات من القلق، بعد أن غادر منزل أسرته في منطقة الورقاء بدبي، ليضل طريقه، قبل أن يعثر عليه أحد الأشخاص ويسلمه إلى مركز شرطة الراشدية.

وبادرت والدة الطفل (أم محمد) إلى وسائل التواصل الاجتماعي طالبة المساعدة في العثور على ابنها، وفوجئت بتجاوب هائل من أفراد المجتمع عبر الاتصال هاتفياً، وخرج أشخاص للبحث عنه، في مشهد مؤثر، حسب وصف الأم لـ«الإمارات اليوم»، يجسّد التلاحم المجتمعي في إمارة دبي ودولة الإمارات.

وتفصيلاً، قالت (أم محمد) لـ«الإمارات اليوم»، إن «الأسرة تسكن في منطقة الورقاء قبالة دراجون مول»، موضحة أن «(فهد) يخرج عادة لمسافات قصيرة إلى وجهات محددة، مثل البقالة، لشراء حلوى أو ألعاب، أو يلعب في مناطق قريبة، ولا يغيب أكثر من نصف ساعة».

وأضافت أن الوضع اختلف هذه المرة، إذ اتخذ مساراً مختلفاً، وغاب أكثر من ثلاث ساعات، لافتة إلى أنه يتسم بالانطلاق والسرعة، ويصعب اللحاق به، لكن في ظل اطمئنان الأسرة إلى إدراكه البصري، وقدرته على تمييز المناطق، فلم تكن تقلق كثيراً، إلى أن طال زمن غيابه.

وأشارت إلى أن الإشكالية التي واجهت الأسرة خلال رحلة البحث عنه، أنها ووالد الطفل وشقيقه الأكبر وأصدقاء الأخير توجهوا إلى الأماكن التي يذهب إليها (فهد) عادة، غير مدركين أنه قصد وجهة مختلفة كلياً في المسار المعاكس.

وأوضحت أنهم قضوا ثلاث ساعات كاملة بحثاً في الشوارع والمجمعات السكنية القريبة من المركز التجاري القريب.

وتابعت: «كانت لحظات عصيبة، لكنني لم أشعر بأنني وحدي، فالأهالي، والجيران، وأناس لا يعرفونني خرجوا للبحث، والاتصالات لم تتوقف، وحتى مجموعات التواصل الاجتماعي تحركت بسرعة. كنت ممتنة جداً لهذا التكاتف».

ولفتت إلى أنها طلبت من أبيه إبلاغ الشرطة، لأن الأسرة تدرك جيداً عدم قدرة الطفل على التواصل الشفهي بالكلام مع أي شخص قد يعثر عليه، ومن ثم قد يلجأ من يعثر عليه إلى تسليمه إلى مركز الشرطة.

وقالت (أم محمد) إن «هذا ما حدث بالفعل، إذ توجه الأب إلى مركز شرطة الراشدية، وأدلى بمواصفات (فهد) وترك صورته، ولم تكن هناك معلومات لدى المركز عنه حين أبلغ عن الحالة، لكن خلال أقل من ساعة ورد اتصال يفيد بأن شخصاً عثر عليه، وقام بتسليمه إلى المركز».

وأعربت عن خالص امتنانها للشخص الذي عثر عليه، لأن (فهد) كان قريباً من الطريق العام السريع قبالة دراجون مول، وكونه استطاع احتواء الطفل واصطحابه في سيارته إلى مركز الشرطة، فهذا تصرف رائع وإنساني.

وأضافت أنها توجهت مع والده إلى المركز، وفوجئت بتصرف الضابط المناوب الذي احتوى ابنها، واشترى له حلوى، وأعطاه هاتفه ليشغله ويطمئنه، لافتة إلى أنه كان هادئاً وسعيداً برفقة ضباط شرطة دبي في مركز الراشدية.

وأكدت (أم محمد) أنه على الرغم من القلق الذي أصاب الأسرة، وحالة الخوف التي اعترتها شخصياً، نظراً لوجود أعمال حفر بالقرب من المنزل، ودخول الليل، إلا أن الواقعة كانت كاشفة لمدى تماسك المجتمع الإماراتي بكل أطيافه، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، إذ تلقت عشرات الاتصالات حين نشرت إعلاناً عبر مجموعات «واتس أب» ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأكدت الأم الناشطة في مجال دعم أصحاب الهمم، أن التجربة دفعتها للتفكير في وضع خطة استراتيجية أكثر وضوحاً مع طفلها، قائلة: «سأعمل على تعزيز وعيه بضرورة الاستئذان عند الخروج من المنزل، خصوصاً أنه لا يستطيع التعبير مثل بقية الأطفال، أو وصف الأماكن بدقة، وهذه التجربة ستكون درساً مهماً له ولي أيضاً».

وأنشأت حساباً خاصاً على منصة «إنستغرام»، تحت عنوان «فخورة بفهد»، تنشر فيه أنشطته وإنجازاته، وختمت حديثها: «ابني عاد إلى حضني، بفضل الله، ثم بفضل الناس الطيبين، هذه التجربة رغم قسوتها منحتني يقيناً بأن مجتمعنا لا يترك أحداً يواجه التحدي وحده».


سبل حماية الطفل المتوحد من الضياع

التوحد (Autism Spectrum Disorder) اضطراب نمائي يؤثر في التواصل والسلوك، ويظهر غالباً منذ الطفولة المبكرة، وقد يجد الأطفال المصابون بالتوحد صعوبة في التعبير عن أنفسهم بالكلام أو الإيماءات، وربما لا يدركون المخاطر المحيطة بهم، مثل عبور الطريق أو التعامل مع الغرباء، لهذا يحتاجون إلى رعاية خاصة وإشراف مستمر، إضافة إلى دمجهم في برامج تدريبية وتعليمية تناسب قدراتهم، حتى يتمكنوا من تطوير مهاراتهم الاجتماعية والتواصلية.

وحدد المختصون خطوات واضحة لحماية هذه الفئة من الأطفال، خصوصاً الضياع خارج المنزل، تتمثل في المتابعة الدائمة، والحرص على مراقبتهم عند الخروج إلى الأماكن العامة، والتدريب على الروتين، المتمثل في تعليم الطفل الخروج باستئذان، وتكرار القواعد بطريقة مبسطة حتى تصبح عادة، واستخدام الوسائل المساعدة، مثل الأساور الذكية أو أجهزة التتبع GPS، التي تساعد على تحديد موقع الطفل بسرعة، والتوعية المجتمعية من خلال شجيع المحيطين على التعرف إلى علامات التوحد، وفهم كيفية التعامل مع هذه الحالات، لضمان سلامتهم.

الأم:

• «فهد» متوحد قليل الكلام، وسلّمه شخص إلى مركز الشرطة بعد أن شاهده بالقرب من طريق سريع.

• الضابط المناوب احتوى ابني، واشترى له حلوى، وأعطاه هاتفه ليشغله ويطمئنه، وعندما وصلتُ وجدته هادئاً وسعيداً.

شاركها.