أكد المحامي الدكتور حبيب الملا، أن الدعوى المرفوعة من القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية مزاعم دعم قوات الدعم السريع لارتكاب أعمال إبادة جماعية، دون أي أساس قانوني أو مستند واقعي، مرجّحة للرفض من حيث الاختصاص.
ويرجح الدكتور حبيب الملا، أن محكمة العدل الدولية سترفض الدعوى، مرجعاً ذلك إلى وجود نقاط ضعف قانونية جوهرية عدة، أبرزها موضوع الاختصاص، وهو ما يُعدّ الدفع الأساس في القضية، وأن الدعوى غير مباشرة، إذ لا تتهم الإمارات بارتكاب أعمال إبادة جماعية بشكل مباشر، بل تتهم قوات الدعم السريع، وهي ليست كياناً دولياً يمكن مقاضاته، وتدّعي أن الإمارات قدمت دعماً لهذه القوات لارتكاب تلك الأعمال.
وأضاف خلال مقابلة مع منصة «عرب كاست»، أن المدة الزمنية للفصل في الدعوى تعتمد على طبيعة القضية وتعقيداتها، فالدعوى الموضوعية قد تستغرق بين ثلاث وست سنوات، في حين أن الإجراءات المستعجلة – كما هو الحال في هذه الدعوى – قد تُحسم خلال فترة تراوح بين أربعة أسابيع وستة أشهر، وسيكون الفوز فيها حليفاً لدولة الإمارات على تلك الادعاءات.
وأوضح أن محكمة العدل الدولية تختص بحل النزاعات القانونية بين الدول، وليس السياسية، وأن القوات المسلحة السودانية قدّمت دعواها ضد دولة الإمارات باعتبارها نزاعاً قانونياً، واستندت إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 التي انضمت إليها الإمارات. وفحوى الدعوى أن قوات الدعم السريع، ارتكبت أعمال إبادة جماعية ضد قبيلة المساليت في غرب دارفور عام 2023، مدعية أن الإمارات قدّمت لها دعماً عسكرياً ومالياً.
وأشار إلى أن الإمارات تحفظت – عند انضمامها إلى الاتفاقية – على المادة التاسعة التي تنص على «أن محكمة العدل الدولية هي المختصة بتطبيق وتفسير اتفاقية منع الإبادة الجماعية»، وهو ما يعني أن المحكمة لا تمتلك الصلاحية للنظر في أي دعوى ضد الإمارات بموجب هذه الاتفاقية إلا بموافقتها الصريحة والمسبقة، وهي موافقة لم تُعطَ في هذه الحالة، ما يسقط الاختصاص عنها. وأكد أن هذا النوع من التحفظ يُعدّ إجراء قانونياً طبيعياً مارسته دول عديدة، منها الولايات المتحدة والصين والهند وماليزيا وسنغافورة واليمن. وأوضح أن تحفّظ الإمارات يقتصر على الجانب الإجرائي ولا يعني رفضاً للالتزامات الموضوعية، أو السماح بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ويعتبر التحفظ نوعاً من أنواع السيادة، وحق مشروع للدول.
وبيّن أن السودان لم يقدّم دفعاً موضوعياً ضد دولة الإمارات، بل اكتفى بطلب اتخاذ «تدابير مؤقتة» أو «إجراءات مناسبة»، لمنع وقوع مزيد من الأضرار أو ارتكاب أعمال إبادة جماعية إلى حين صدور الحكم، وهو أمر لا يرتبط مباشرة بموضوع اختصاص المحكمة.
ووصف الملا دعوى السودان ضد الإمارات بأنها تحمل أبعاداً سياسية وليست قانونية، واعتبرها «مناكفة سياسية» تهدف إلى تحويل الأنظار عن الأزمة الداخلية، قائلاً: «للأسف القوات المسلحة السودانية أقحمت البلاد في حرب أهلية وهي تُدرك تماماً خطورة الوضع الذي تسببت فيه، وتحاول صرف الأنظار عن ذلك الواقع من خلال توجيه اتهامات لأطراف خارجية». وأكد أن الإمارات تلعب دوراً دبلوماسياً فاعلاً في دعم جهود السلام، متسائلاً: «لماذا لا تواصل الحكومة السودانية تلك الجهود بدلاً من الزج باتهامات سياسية لا تستند إلى أساس قانوني».
واستعرض الملا سوابق قضائية مماثلة في محكمة العدل الدولية، من بينها قضية الكونغو ضد رواندا التي قبلت فيها المحكمة تحفّظ رواندا على المادة التاسعة، ورفضت الدعوى لعدم الاختصاص، على الرغم من استنادها إلى الاتفاقية نفسها.
وفي ردّه على الادعاءات الكاذبة التي تروّج لدعم قوات الدعم السريع، وصف الملا الخبراء الذين يروّجون لذلك بأنهم «مؤدلجون»، قائلاً: «يقولون إن تقرير الأمم المتحدة أدان الإمارات، وتقرير خبراء الأمم المتحدة ذكر أن الإمارات نقلت أسلحة إلى السودان. وفي الحقيقة أنهم لم يطلعوا على كلمة واحدة من تلك التقارير، لأن تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن السودان لم يذكر اسم الإمارات صراحة كجهة داعمة لأي طرف مسلح، بل أشار فقط إلى (دول إقليمية ودول ذات نفوذ). واطلعتُ بنفسي على تلك التقارير الرسمية، ولا يوجد ذكر اسم الإمارات إلا في جزئية واحدة متعلقة بمساعي السلام للسودان، حيث ذكر أن الإمارات كانت ضمن الدول التي شاركت في مجموعة (السلام في السودان) ومحادثات جدة، وورد اسم الإمارات في مساعي الدبلوماسية لإحلال السلام في السودان فقط».
وتابع: «أشار تقرير خبراء الأمم المتحدة إلى أن أربعة من أصل خمسة من الخبراء أكدوا عدم وجود أدلة موثّقة أو ذات مشروعية قانونية كافية، تُثبت أن الطائرات التي كانت تغادر من الإمارات إلى تشاد كانت محمّلة بأسلحة، كما لم يورد التقرير أي شهادات عيان أو إثباتات تفيد بأن تلك الطائرات نقلت عتاداً عسكرياً أو أسلحة إلى المنطقة المعنية».
ورداً على الشائعات التي زعمت وجود صواريخ تعود للإمارات، أوضح أن هناك اتفاقية دفاع موقّعة بين الإمارات والسودان في عام 2020، بناء على طلب من مجلس السيادة الانتقالي برئاسة عبدالفتاح البرهان، آنذاك، حيث طلبت الحكومة السودانية مساعدات عسكرية، وقد استجابت الإمارات لذلك، لافتاً إلى أن وجود بعض الأسلحة في السودان يمكن تفسيره ضمن هذا السياق، باعتباره نتيجة طبيعية لتنفيذ تلك الاتفاقية الدفاعية الموقّعة بين الجانبين.
حبيب الملا:
• لا يوجد دليل واحد يدين الإمارات، والدعوى تفتقر للبعد القانوني وبمثابة «مناكفة سياسية» لصرف الأنظار عن الأزمة الداخلية.
• السودان لم يقدّم دفعاً موضوعياً واكتفى بطلب «تدابير مؤقتة» لمنع الأضرار، ومن يروّجون لتلك الاتهامات «مؤدلجون».