أكّد ذوو أطفال من أصحاب الهمم أن أكبر تحدٍّ يواجه أبناءهم هو الاندماج في المجتمع، وبجانب استيعاب الآخرين أن كونهم من أصحاب الهمم ليس سبباً في إظهار الشفقة والتعاطف أو الحذر والخوف منهم، وأنهم أطفال يمتلكون مشاعر ومهارات تؤهلهم للاندماج بشكل طبيعي في المجتمع من دون تمييز، وأشاروا إلى أن الجهات ذات الاختصاص في الدولة تدعم أصحاب الهمم في المجالات كافة، من خلال برامج ومبادرات متعددة لتمهيد الطريق أمام دمجهم في المجتمع، لكن في المقابل لا يظهر مردود هذه المبادرات بالشكل المطلوب خلال التعاملات اليومية لأصحاب الهمم مع أفراد المجتمع.
سوء الفهم
وتفصيلاً، قال ذوو أطفال من أصحاب الهمم: خالد مطر، ومحمد عثمان، وحسين مصبح، وميثاء حمزة، ومنال حمدي: «ما يحزننا كآباء وأمهات نظرات الشفقة أو الاستهزاء من بعض الأطفال سواء في المدارس، أو خلال وجودهم في الأماكن العامة أو الحدائق وأماكن الترفيه، وكأن ليس من حق الأطفال أصحاب الهمم اللعب وممارسة حياتهم بشكل طبيعي كأقرانهم»، وأوضحوا أن ذوي أطفال الهمم ليسوا ملزمين فقط بتحمل مسؤولية طفلهم صحياً ونفسياً واجتماعياً طوال الوقت، بل عليهم أيضاً مواجهة سوء فهم المجتمع.
وأكّدوا لـ«الإمارات اليوم» أن المردود المجتمعي للتعامل مع أصحاب الهمم وقبولهم، لا يتساوى مع الجهود الحكومية المبذولة لتمكين هذه الفئة ودمجها في المجتمع، مشيرين إلى أن أغلب الأشخاص تنتابهم مشاعر متناقضة عند مشاهدتهم طفلاً من أصحاب الهمم، تراوح بين الفضول والخوف والقلق، فبعضهم يُطيل التحديق في الطفل وأهله، رغبة منهم في معرفة مرض الطفل، وبعضهم يظهر القلق على ملامحه لاعتقادهم أن الطفل من أصحاب الهمم من الممكن أن ينقل لأطفالهم أي نوع من المرض، فيما يظهر معظمهم الخوف على أطفالهم من ردود أفعال الطفل من أصحاب الهمم، ويحاولون إبعاد أطفالهم عنه، ولا يسمحون له بالاندماج واللعب معهم.
وقالت أمّ لطفلة مصابه بمتلازمة داون، عايدة هاشم: «أشعر بنظرة الناس وأعرف بماذا يفكرون، ودائماً أنا مستعدة للدفاع عن حق ابنتي في الدمج والتمتع بطفولتها بشكل طبيعي، وكثيراً ما أقوم بإخبار أمهات الأطفال الآخرين عن قدراتها ومواهبها، وأنها لا تشكل أي خطر على الأطفال في سنها، وأن كل ما تحتاج إليه هو دمجها وعدم التعامل معها بشكل منعزل أو كحالة خاصة، فالأطفال من أصحاب الهمم ،خصوصاً من المصابين بمتلازمة داون، لديهم ذكاء عاطفي واجتماعي، ويعرفون كيف ينخرطون في المجتمع إذا عُلموا، وأتيحت لهم الفرصة للاندماج».
فيما أشارت أمّ لطفل من أصحاب الهمم، خلود كرمان، أن طفلها يعاني صعوبات في النطق، ويتكلم كلمات مختصرة، إلا أنه متفائل وإيجابي وطيب، لكنه يتعرّض لإزعاج دائم وتعليقات سلبية من الأولاد في عمره، ما يؤثر في ثقته بنفسه، لافتة إلى أنها ووالده يتفهمان الأمر بسبب عدم التقاء الأطفال بحالات مماثلة، كما أن البعض نتيجة التربية الخطأ يعدّ التعليقات السلبية مادة للضحك، وهنا يأتي دور الأسر في توعية أبنائهم بالاختلافات بينهم وبين أصحاب الهمم، وكيفية التعامل معهم وتقبلهم.
الدور المدرسي
وأجمع ذوو طلبة على ضرورة أن يكون للمدارس دور أكبر في تشجيع المجتمع على قبول الأطفال أصحاب الهمم، ودمجهم وتدريب المعلمين أنفسهم على التعامل مع الطلبة أصحاب الهمم وأساليب الدمج، خصوصاً أن المدارس تساعد في عزلة الطلبة المدمجين، وتكتفي بدور معلم الظل المصاحب للطفل في حال وجوده، أو عزل الطفل وعدم السماح للأطفال الآخرين بالتواصل معه عن قرب، ظناً منهم بأنهم يقومون بحمايته ويحافظون عليه، وخوفاً من تحمّل أي مسؤولية قد تحدث له أو تحدث بسببه، وهو ما يزيد فضول الأطفال الآخرين حول هذا الطفل، وقيامهم بالتنمر عليه في أي فرصة تسنح لهم.
التعامل الصحي
من جانبه، أكّد استشاري الطب النفسي في مدينة برجيل الطبية، الدكتور محمود نجم، أن المجتمع بحاجة إلى زيادة الوعي وفهم ومعرفة المزيد عن أمراض التوحد ومشكلات أصحاب الهمم، من خلال القراءة العلمية، لإدراك كيفية دعمهم، والتفاعل معهم بالطرق التي تناسب احتياجاتهم.
وقال: «الشخص الذي قرر مواجهة مشكلته وليس الهروب منها أو إنكارها، هو شخص قوي، والإنسان الذي قرر التماس العلاج رغم سلبية نظرة المجتمع لهذا العلاج، هو شخص قوي، والمقاوم لانعدام الطاقة الداخلية، وللإنهاك الجسدي العام، والحريص على الذهاب إلى الطبيب من أجل العلاج، هو الأجدر يقيناً بالتقدير والاحتفاء، ومن بين تلك الحالات، تظهر وبقوة حالات المصابين بالتوحد وأصحاب الهمم».
وأضاف: «عند التعامل مع أصحاب الهمم، خصوصاً فئة مرضى طيف التوحد، يجب مراعاة بعض التفاصيل والنقاط الخاصة بهم وبكفاحهم الشريف خلال العلاج، وأهمها التعامل بالتقدير الذي يستحقونه، والخالي من أدنى شائبة للشفقة، حيث يمثّل هذا الأمر ركيزة أساسية في بناء أساس متين عند التعامل معهم»، مشيراً إلى أن النقطة الثانية تتمثّل في منحهم الصبر والوقت الكافي للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، بسبب بطء التفكير والتعبير الناتج عن حالتهم المرضية، فضلاً عن استخدام لغة واضحة ومباشرة، خصوصاً مع الأشخاص المصابين بالتوحد، والذين يعانون صعوبة فهم الإشارات الاجتماعية المعقدة.
وتابع: «النقطة الثالثة هي التعامل معهم بطريقة غير استثنائية، من خلال إشعارهم الدائم بأنهم جزء طبيعي من المجتمع، مع تشجيعهم المستمر على المشاركة في الأنشطة المجتمعية العامة والخاصة، وتجنب الأحكام المسبقة لقدرات الأفراد مثل فرضية عدم استطاعتهم على القيام بشيء ما، بناء على التقدير الشخصي (الخطأ) لقدراتهم، حيث إن هؤلاء الأشخاص أقوياء، وقادرون دوماً على إبهارنا، بل وإبراز عجزنا الشخصي، أمام ما يستطيعون القيام به».
الدعم والحماية
في المقابل، أكّدت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي أنها تعمل على تقديم الدعم والحماية لأصحاب الهمم من جميع أشكال الإساءة والإهمال والاستغلال والتمييز، بإنشاء وتطبيق آلية موحدة وممنهجة لضمان وصولهم إلى تدابير الحماية بما يناسب احتياجاتهم، ويشمل ذلك رفع الوعي المجتمعي والوقاية والكشف المبكر عن حالات سوء المعاملة والإبلاغ، وإجراء التقييم وتوفير التدخُّلات اللازمة لحمايتهم، للتمتع بحياة آمنة من دون التعرُّض لأي نوع من أنواع سوء المعاملة.
وأشارت إلى أنها أطلقت، أخيراً، سياسة حماية أصحاب الهمم في إطار جهودنا المستمرة لتعزيز حقوق أصحاب الهمم، وتوفير الفرص التي تسمح لهم بالاندماج في جميع جوانب الحياة، عن طريق إزالة المعوّقات، وتحفيزهم إلى تحقيق أقصى إمكاناتهم، وهو ما يُعدّ خطوة مهمة تعزِّز الالتزام الدائم والمستمر بتحسين جودة حياة أصحاب الهمم، وتسهم في الوصول المتكافئ إلى الحقوق والفرص والخدمات وتحقيق العدالة المجتمعية».
التعليم الدامج
فيما أشارت دائرة التعليم والمعرفة إلى تنفيذها مبادرة «نموذج التعليم الدامج في إمارة أبوظبي»، التي تضمّنت تطوير وإطلاق سياسة الدمج في المدارس التي تستوجب من جميع المدارس إنشاء إطار عمل لتحديد ودعم الطلبة أصحاب الهمم، وقامت الدائرة بزيارة 41 مدرسة لتقديم الدعم وضمان الامتثال والحفاظ على مستوى عالٍ من الرعاية للطلبة أصحاب الهمم، إلى جانب ذلك طوّرت الدائرة الخدمات التخصصية العلاجية في المدارس بالتعاون مع دائرة الصحة، بما يشمل العلاج النفسي وعلاج النطق والعلاج الوظيفي، ويستفيد من هذه الخدمات 1359 طالباً في 108 مدارس، وعملت الدائرة على نقل أكثر من 50 طالباً من المدارس التخصصية إلى مدارس نظام التعليم العام في إطار الالتزام بتعزيز بيئة التعليم الدامجة، إضافة إلى وضع سياسة دمج مخصّصة لمؤسسات التعليم المبكر لضمان حصول الأطفال الصغار على دعم متخصص خلال المراحل الأكثر أهمية من نموهم وتطورهم، كما تمّ تقديم الدعم للطلاب من ذوي التوحّد، من خلال زيادة عدد المقاعد لتصل إلى 92 مقعداً لطلبة التوحّد، 60 منها في مدارس نظام التعليم العام، و32 مقعداً في كل من مدرسة الكرامة ومركز محمد بن راشد للتعليم الخاص، ويُعدّ هذا التوسع جزءاً من هدف الدائرة الأكبر المتمثّل في ضمان حصول جميع الطلبة على فرصة للتعلم والتطور في بيئات الدمج.
هذه الجهود أدّت إلى زيادة أعداد الطلاب المدمجين في المدارس الخاصة والشركات من 6000 طالب في 2023 إلى أكثر من 13 ألف طالب في 2024، كما تمّ توظيف 23 طالباً من أصحاب الهمم في شركات ومؤسسات متنوّعة، وتقديم تدريب متخصص لأصحاب العمل لضمان نجاح عملية الدمج في العمل.
التدخل المبكر
أطلقت هيئة الطفولة المبكرة مبادرة «النظام المتكامل للتدخل المبكر»، بهدف إنشاء إطار لنظام تدخل متكامل في مرحلة الطفولة المبكرة، كما صممت برنامجاً تدريبياً تجريبياً لمراقبة النمو، وقد تم تخصيصه لأطباء الأطفال في أبوظبي بالتعاون مع دائرة الصحة والأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، بهدف تحسين الكشف المبكر عن المخاوف النمائية لدى الأطفال من عمر يوم إلى ثلاث سنوات، وقد تمّ تدريب ما يزيد على 300 طبيب حتى الآن.
وتمّ تنفيذ البرنامج التجريبي للمراقبة والفحص النمائي الشامل للطفل، لضمان الكشف المبكر عن الإعاقة في مناطق أبوظبي الثلاث، حيث تم إكمال أكثر من 5000 فحص تنموي شارك فيه الأطفال من عمر يوم إلى ثلاث سنوات وأسرهم منذ مايو 2023 حتى سبتمبر 2024، وأظهرت النتائج أن طفلاً واحداً من بين كل خمسة أطفال (18.2%) تحت سن الثالثة، لديه تحديات نمو محتملة تتطلب التقييم المبكر.
قاعدة بيانات
كما أطلقت مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم مبادرات عدة، منها مبادرة «قاعدة بيانات أصحاب الهمم في إمارة أبوظبي» التي أسهمت في إنشاء قاعدة بيانات أصحاب الهمم في الإمارة من خلال الربط مع أكثر من 14 جهة حكومية بهدف الوصول إلى إحصاءات دقيقة وموثوقة لأصحاب الهمم تقود عملية وضع البرامج والسياسات، مع إجراء تحديث مستمر لقاعدة البيانات، حيث بلغ عدد أصحاب الهمم الذين تم تسجيلهم فيها 28 ألفاً و766 شخصاً.
البيئة الدامجة
أكّدت المدير التنفيذي لقطاع التنمية المجتمعية في دائرة تنمية المجتمع-أبوظبي، الدكتورة ليلى الهياس، أهمية توفير بيئة دامجة تلبي احتياجات أصحاب الهمم، وتمنحهم الفرص لتحقيق تطلعاتهم، والإسهام الفاعل في المجتمع من خلال التعاون بين الجهات المختلفة، لتطوير الخدمات والمبادرات التي تسهم في تعزيز جودة حياة أصحاب الهمم، مشيرة إلى أن الدائرة تعمل بشكل وثيق مع العديد من الجهات المعنية، لتنسيق الجهود، وتطوير برامج متكاملة تهدف إلى تحسين الخدمات المقدمة لهم، وتحقيق إدماجهم في المجتمع، ومن بين هذه الجهود، يأتي تطوير سياسة حماية أصحاب الهمم، وإطلاق مبادرات شاملة تعزز من فرص العيش المستقل، وتدعم إمكانية الوصول إلى الخدمات، بجانب تعزيز قدرات الجهات الحكومية في دمج أصحاب الهمم في سياسات وبرامج التنمية، ما يعزز من التكامل بين مختلف القطاعات لتحقيق أهداف استراتيجية أبوظبي لأصحاب الهمم.
الدكتورة ليلى الهياس: سياسة حماية أصحاب الهمم تعزز من فرص العيش المستقل، وتدعم إمكانية وصولهم إلى الخدمات، وتوفر بيئة دامجة تلبي احتياجاتهم.
الدكتور محمود نجم: المجتمع يحتاج إلى معرفة المزيد عن أصحاب الهمم، لإدراك كيفية دعمهم، والتفاعل معهم بالطرق التي تناسب احتياجاتهم.